تصاعدت حدة الجدل السياسي بين القوى الغربية من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى بالتزامن مع ازدياد انتشار وباء كورونا، واتساع رقعة الإصابات به، المرافقة لحقيقة تعاطي الغرب مع هذا الوباء والتطعيم الذي يُفترض أن يكون بعيداً عن أي انتماءات أو تمايزات سياسية.
فمازالت الدول الكبرى في مخاض الجولات التنافسية لتقديم جرعات دوائية لدول العالم، ومن المعروف أن روسيا أولى الحاصلين على نتائج مبهرة لفعالية المصل الذي طوره معهد «جماليا» في موسكو، بالرغم من مخاوف الغرب غير المبررة في ذلك.
ومن المتوقع أن يؤجج السباق على إنتاج اللقاح الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن، فعقلية الحرب الباردة السائدة في الغرب تتركز على تفضيل إنكار حماية الشعوب من المرض بدلاً من رؤية روسيا والصين شريكين فعالين في مكافحته، لأن هوس تحقيق أرباح «الأدوية الغربية»، وضوابط براءات الاختراع، تعني حتماً أن الدول الفقيرة ستظل دائماً في القائمة الأخيرة لتلقي إمدادات اللقاحات على أساس السلعة المستهلكة.
ورغم أن اللقاحات الروسية والصينية تحدث فرقاً، تبقى الفوائد المحتملة محدودة تبعاً لعقلية الحرب الباردة في الغرب؛ إذ إن عشرات الدول تستهلك الإمدادات الروسية والصينية من اللقاح الذي يعد الأرخص في التصنيع والتخزين والنقل، مقارنة بمثيلاته الغربية، إلى جانب منح موسكو وبكين تراخيص لدول أخرى تريد إنتاج اللقاح.
فبدلاً من الترحيب والدعم الغربي لهذه الإجراءات باعتبارها مساهمة كبيرة في الجهود الرامية لهزيمة الوباء، يتم اتهام موسكو وبكين بتسييس اللقاحات لكسب الأهداف الإستراتيجية.
وسبق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن حذر من خسارة الدول الغربية لما سماه «حرب النفوذ على اللقاحات» مقارنة بروسيا والصين اللتين تتواصلان بشكل أكثر إنصافاً مع الدول الأخرى، لاسيما الفقيرة منها، إذ قدمت روسيا مؤخراً مليوني جرعة من لقاحها للفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر.
ومن خلال الفوضى التي خلفها الطرح البطيء للقاح في أوروبا، يمكن قراءة محاولة الغرب تشويه سمعة روسيا بحجة عدم «كفاءة» برنامجها الطبي، مع العلم أن لروسيا القدرة الكافية لتلبية احتياجات شعبها مع تخصيص الطاقة الفائضة للبلدان الأخرى المحتاجة لها.
وتلقت وكالة الأدوية الأوروبية طلباً لتسجيل اللقاح الروسي «سبوتنيكv» والانضمام لبرنامج التلقيح التابع للاتحاد الأوروبي.
ووفقاً لصندوق الاستثمار الروسي المباشر الذي موّل إنتاج اللقاح، مازال سبب عدم قيام وكالة الأدوية الأوروبية بدفع التطبيق الروسي غير واضح.
بينما نشرت دراسة طبية حديثة أن فعالية لقاح “سبوتنيكv” الروسي واسعة النطاق لما يقرب ٩٢% ضد حالات «كوفيد١٩» وهو آمن للاستخدام لجميع الفئات العمرية.
وبالرغم من سعي الكثير من الأوساط السياسية والطبية الغربية «للاستخفاف» باللقاحين الروسي والصيني كمرشحين قابلين للتطبيق، تمضي الكثير من الدول الأوروبية قدماً وبشكل منفرد للسماح باستخدام لقاح “سبوتنيكV” في ضوء برنامجها البطيء.
وكانت روسيا قد صرحت حول نيتها التعاون في إطار شراكة تنافسية صادقة، فقضية توصيل اللقاح لكل جزء في العالم ليس مجرد قضية أخلاقية، بل هي مسألة اتباع الطريقة الأكثر فعالية طبياً لقمع الوباء، فكلما طالت مدة بقاء البشر من دون تلقيح، كلما زاد خطر حدوث طفرات أكثر فتكاً.
وتبرز أهمية اللقاحين الروسي والصيني مع انتشار ما يسمى (قومية اللقاح) قصيرة النظر، فما يحبط أي إستراتيجية عالمية فعالة هو عقلية الحرب الباردة الغربية المدعومة من الإيديولوجيين الغربيين الذين يفضلون حرمان شعوبهم من الحماية الطبية بدلاً من رؤية روسيا والصين شريكين فعالين.
“إسترتيجيك كالتشر فاونديشن”