كانت المسرحية الشعرية (الإزار الجريح) للشاعر سليمان العيسى مقرّراً مدرسيّاً داعماً لمادة اللغة العربية، وكانت الطبعة المدرسية مصدّرة بمقدّمة طويلة كتبها الشاعر مّتلمساً فيها ما يشبه العذر للهنات التي يمكن أن تنتاب نصّه الشعري المُمَسرح في ضوء التقنيات الخاصّة بالكتابة المسرحية، كان من محاسن السياق أنّ الذي درّسنا ذلك النصّ في دار المعلمين هو أستاذنا حنا عبّود. لا يناسب المقام إغراقه في تفاصيل العمليّة التدريسيّة, لكن ما استدعى هذا المثال إلى ساحة الذاكرة اندهاشنا – ونحن طلبة في مرحلة موازية للمرحلة الثانوية – ببلاغة المقدّمة التي ذهبت بأفهامنا الغَضّة مذاهب شتّى، ليأتي أستاذنا آنذاك مكثّفاً ما بدا استفاضة لغويّة بأفكار دقيقة تتركّز حول تحفّظ الشاعر الكبير، وتهيّبه, بشأن ما بدا له مغامرة في تجريب الكتابة المسرحية، معترفاً بتواضع جمّ يميز المبدعين الكبار بطموحه لرؤية أشباح شكسبير وإبسن وسواهما تربّت على يديه مشجّعة إيّاه على المضّي في ذلك السبيل.
يشكّل النصّ المطبوع، أيّاً كان مؤلّفه, سطوة اعتبارية على القارئ بشكل عام، بما في ذلك النصوص المنشورة في الصحف اليومية، وبما في ذلك أيضاً نصوص الإعلانات التجارية الواسمة للمحلاّت التجارية، وهي سطوة مؤسفة تجعل طلبة اللغة العربية في بعض جامعاتنا المعتبرة يقلّدون أخطاءها الإملائية والنحوية، مدافعين عن أخطائهم بتأكيد أخذها عن مراجع نصّية مقروءة، من غير أن يلزموا أنفسهم بتذكّر المصدر الذي أخذوا منه وعنه ذلك الخطأ، ولنا أن ندّعي أنّ النصوص في مجالنا الثقافي العربي تتخّذ سطوة مضاعفة عن موازياتها في الثقافات الأخرى، فالنصّ أيّاً كان، وأيّاً كان مستواه يتمتّع في موروثنا الثقافي العربي بهيبة خاصّة تحصّنه من مختلف أشكال الاستهداف، والسبب قائم في العقلية الشعبية الذاهبة إلى عطفه على النصّ المقدّس، وإدراجه في سياق مضافرته وتدعيمه، بغضّ النظر عن طبيعته التي يمكن أن تكون طبيعة شيطانية صرفة.
بعض المشكلّة أن التعاطي النقدي العربي في خطوطه العريضة يتعامل مع مختلف النصوص من موقع التهيّب المشار إليه، بغض النظر عن طبيعة النصوص وطرائق بنائها، ولا ينزاح التعاطي الأكاديمي عن سمت التهيّب إلاّ في حالات نادرة هي المرتجى لتأسيس لياقات ترسّخ الشجاعة الخاصّة في مواجهة مختلف النصوص، بما فيها النصوص التراثية التي تتمتّع بتبجيل الأزمنة الراسخة في المكان، فمن غير الشجاعة المناسبة في مواجهة مختلف النصوص, والجرأة على استهدافها بمختلف أشكال الاستهداف النقدي الرصين، لا يمكن ولادة حركة نقدية ذات شأن.