تنفّس النظام السعودي الصعداء, بعد أن انتهى العرض المسرحي الأول للرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن وفريقه, بإعادة إحياء تقرير الاستخبارات الأمريكية حول عملية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي, بعد رفع السرية عنه, ومن ثم تجميده سريعاً من دون فرض أي عقوبات على ولي عهد النظام السعودي محمد بن سلمان الذي أثبت التقرير أنه أعطى الضوء الأخضر لتنفيذ عملية الاغتيال.
موجة انتقادات واسعة طالت إدارة بايدن التي خيبت الآمال سريعاً عندما تنطحت لأول جولة فيما سمته “الدفاع عن حقوق الإنسان”, بررتها الإدارة الأمريكية بأنها لم تفرض عقوبات على ابن سلمان، بحكم ما سمته “العلاقات والتحالف مع الرياض، وليبقى المجال مفتوحا أمام التفاهمات المشتركة”, من دون أن تنسى التلويح بأنها رغم ذلك تحتفظ بحق “فرض عقوبات عليه في حال لزم الأمر”.
التلويح الأمريكي بهذا الحق الذي تقرّه إدارة بايدن في الوقت والزمان المناسبين, رأت فيه تقارير إعلامية أنه يختصر طبيعة العلاقة المستقبلية بين أمريكا والسعودية. علاقة تحكّم من جهة تكون فيها دفة القيادة أمريكية خالصة, وعلاقة ابتزاز من جهة أخرى ليس على نظام بني سعود سوى الطاعة وتقديم كل ما يطلب منه مقابل إبقاء العقوبات مجمدة على الرف.
اللافت أنه في الوقت الذي رفعت فيه السرية عن تقرير مقتل خاشقجي, ناشدت عائلات ضحايا هجوم 11 أيلول عام 2001, بايدن الإفراج عن وثائق لا تزال سرية حول تحقيقات المكتب الفيدرالي في الدور السعودي في تلك الهجمات، بما في ذلك وثيقة كاملة بشأن الصلات المشتبهة بها بين بعض المسؤولين الحكوميين السعوديين والخاطفين, مطالبين بمحاسبتهم وفق ما يسمى “قانون جاستا” الذي أصدره “الكونغرس” ويقضي بمعاقبة المتورطين في تنفيذ الهجمات سواء أكانوا أفراداً أم حكومات.
المثير, أن “جاستا” لم يطبق بعد نحو عشرين عاماً على صدوره، بحكم المصالح التي تحكم العلاقة بين واشنطن والرياض, وقد منعت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب الإفراج عن الوثاق التي تدين السعودية للرأي العام, لكي تبقى الوثائق و”جاستا” ورقة ضغط تظهرها واشنطن كلما دعت الحاجة لذلك في وجه النظام السعودي.
باكراً, بدأت إدارة بايدن تطرح أقوى ما تملكه من أوراق ضغط بوجه النظام السعودي, فيما يؤكد مراقبون أن ابن سلمان هو المستهدف الأول من هذا الاستعراض الأمريكي, وكل ما تلوح به الإدارة الأمريكية من أوراق ضغط ليست سوى مجرد بالونات اختبار لقياس مدى انصياع نظام بني سعود لشكل العلاقة الجديدة التي ترسم إدارة بايدن ملامحها الأولى بإقصاء ابن سلمان عن واجهة العلاقات وعزله من الوصول إلى أعلى دوائر القرار في أمريكا؛ العزلة التي تبدأ ببايدن, وربما تندرج قريباً على بقية قادة الغرب.
وعليه, لا تختلف إدارة بايدن عن إدارة ترامب إلا في أسلوب الابتزاز وشكله، فبينما كان الأخير فظاً ومباشراً في ابتزاز النظام السعودي ودعوته علانية لدفع المال مقابل الحماية، يعتمد بايدن سياسة أكثر تحفظاً في العلن مع بعض الشعارات الطنانة عن “حقوق الإنسان والحريات”, لكنه خلف الكواليس يبدو أنه سيعمل على ابتزاز النظام السعودي حتى الرمق الأخير مقابل عدم تفعيل العقوبات أو نشر الوثائق التي تثبت تورط مسؤولين سعوديين في هجمات 11 أيلول.