تتدخل واشنطن في شؤون دول أميركا اللاتينية، إذ تعتبرها حديقتها الخلفية، كما تمتد يدها إلى آسيا ودول المنطقة العربية؛ ومن المعروف أن الانقلابات المدعومة أميركياً حصدت أرواح عشرات آلاف الأبرياء، بسبب الفوضى التي شهدتها الدول التي تستهدفها واشنطن بجانب التنظيمات الإرهابية.
لقد دبرت واشنطن ودعمت انقلابات في العديد من الدول في أميركا الجنوبية والشمالية كهندوراس ونيكاراغوا لتسهيل عمل شركاتها، ولعبت دوراً في انقلابات فاشلة في فنزويلا خلال حكم رئيسها الراحل هوغو تشافيز.
أما في بوليفيا فلم يدم المشروع الانقلابي الأميركي طويلاً، فجاءت الانتخابات الأخيرة لتكرس نتيجة مهمة، وتسقط كل مزاعم التزوير الأميركية، التي أدت للإطاحة بالرئيس السابق إيفو موراليس.
وبفوز مرشح اليسار لويس آرسي بنسبة ٥٣ % استعاد اليسار شعبيته وشرعيته، وأصبح فوزه ضربة قاضية للنهج اليميني المتنامي في القارة اللاتينية عبر محاصرة الدول التي تغرد خارج السرب الأميركي.
يذكر أن نصف عائدات بوليفيا الاقتصادية تأتي من الغاز الطبيعي والنفط، بعدها الإنتاج الزراعي بالمرتبة الثانية.
وتمتلك بوليفيا مابين ٥٠ إلى ٧٠ % من احتياطات معدن الليثيوم، الذي يعتبر سبباً أساسياً في دعم واشنطن للانقلاب، ويضع بوليفيا أمام العالم كأهم منطقة تحتوي هذا المعدن الذي يسمونه بترول المستقبل، ولاسيما أن الليثيوم هو المعدن المستخدم في تصنيع البطاريات الخفيفة، ويستخدم أيضاً في صناعة الزجاج والسيراميك وبطاريات جميع أنواع الأجهزة الإلكترونية.
لقد بدأت الصقور العالمية تحوم حول بوليفيا بعد اكتشاف الليثيوم، فتكالبت الشركات الغربية لسرقة هذا الكنز، فالاعتماد على هذا المعدن يؤدي لتخفيض الاستهلاك العالمي للوقود الأحفوري، ويقع معدن الليثيوم تحت طبقات من الملح التي تعتبر من أندر وأنقى المسطحات.
كما ويعتبر الغاز جوهرة التاج في بوليفيا، التي تحتل المرتبة ٤١ باحتياطات الغاز الطبيعي عالمياً. وكانت أهم قرارات الرئيس السابق موراليس جعل هذه الثروات ملكية وطنية، وصناعتها بوليفية، لكن أطماع أميركا، ونهم الشركات الأميركية، ومحاولات نهب موارد الدول الأخرى لم يتوقف.
وبدأت خطط الرئيس آرسي باستعادة مسار الاشتراكية للنظام الاقتصادي، من خلال تأميم الغاز الطبيعي والنفط، إلى جانب الكثير من القطاعات الأخرى.. ودفع آرسي العمل باستثمارات ضخمة لتصنيع الغاز الطبيعي والليثيوم للبطاريات والفيزياء النووية.
كما وضع الرئيس الجديد قواعد كبيرة لمساعدة ملايين الشباب الذين لا يتلقون دخلاً من المؤسسات العامة أو الخاصة، والأشخاص ذوي الإعاقة، ووعد بعدم خفض الإنفاق العام على الرغم من الحاجة للتقشف، مع الإعلان عن استئناف عملية التغيير والتعليم، واستعادة العلاقات الدبلوماسية مع الحكومات والقوى اليسارية حول العالم.
إن شبح أميركا وراء كل محاولة لقلب نظام الحكم. فوجود حوالي ١٠٠ مليون طن من الليثيوم في بوليفيا، سبب كافي جدا لتدخل الشركات العملاقة الغربية واستخدام أذيالها لافتعال انقلاب ضد الرئيس والحكومة المنتخبة.. فكان للسياسات الأميركية في عهد ترامب تأثير مزدوج؛ فأدى تبنيه خطاباً مناهضاً للمهاجرين، وقيامه بفرض العقوبات الاقتصادية والتلويح بالتدخل العسكري في بعض دولها، إلى جانب تعليقه المساعدات الاقتصادية الأميركية لبعض دول المنطقة، والتهديد بفرض رسوم جمركية على صادرات بعضها، وانحياز عدد من الدول اللاتينية إلى جانب الصين التي وجدت فيها مساعدا في أوقات الأزمات.
ومثلت الحالة السياسية في بوليفيا، أقوى مسارات الديمقراطية المناهضة للهيمنة الأميركية، مسارات إرادة الشعوب المحبة للسلام، والرافضة للتدخلات الخارجية، لتمهد الطريق للمزيد من الحالات المشابهة في العديد من دول المنطقة والعالم.
إستراتيجيك كالتشر فاونديشن