تثريب العربية

تخبرنا وقائع التاريخ بأشطاره البعيدة والقريبة والراهنة، أنّ الإساءات الكبرى جرى ارتكابها بأيدي أقوامها , أكثر ممّا جرى ارتكابها بأيدي سواهم. وبعض الإساءات المرتكبة بحقّ اللغة العربية تأتي اليوم بأيدي العرب أنفسهم. من غير الذهاب إلى تحميل السياسات الرسمية العربية وحدها وزرَ هذه المسؤولية التي تشاركه في صنعها وترسيخها النخبُ العلمية والثقافية العربية، بالتشارك مع أوساط شعبية آخذة في الاتّساع. والمعتاد في وقائع التاريخ أن يخنع المهزومون إلى سلطان الطرف المنتصر، بما يعني أن يستعمل المهزومون لغة المنتصرين، ويتمثلوا ثقافتهم وعاداتهم وما يقع في هذا السياق. وكان الاستثناء في سياق التاريخ وقفاً على اللغة العربية التي حمت نفسها من عمليات الإخضاع اللغوي وما ينبثق عنه لاحقاً من تبعية شاملة تجعل المهزوم خاضعاً للطرف الذي هزمه وتابعاً له في شتى الميادين السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية, بالمعنى الدقيق للتبعية والخنوع. لقد خضع العرب إلى سيطرة مختلف الأقوام الأخرى، المجاورة والبعيدة، ولكن المنتصرين العسكريين جميعاً – إلى اليوم – فشلوا في فرض (الاستلاب اللغوي) على العرب، بدليل استمرار العربية حيّة إلى اليوم.
لا شكّ في أن حجج قويّة تردّ حيوية العربية إلى أسباب دينية لا يمكن نكرانها،. ولا يغيب عن هذا السياق وجود دعاوى لجعل اللغة العربية (لغة مقدّسة) وهذه دعاوى يرى البعض أنها لمصلحة العربية، لكن السؤال هل يمكن تنحيتها عن الفعل المباشر في الحياة بوصفها لغة حيّة؟.
ويرى هؤلاء أنه كان من أسباب انقراض لغات كثيرة أنّ استعمالها كان وقفاً على المجالات الدينية. أخطر الأمور المتعلّقة باللغة عموماً أن اللغة مرتبطة ارتباطاً ماهوياً بفكرة الكينونة, على المستويين الفردي والجمعى، والتخلي عن اللغة الأمّ يعني بمنتهى البساطة تخلّياً عن الكينونة، والتخلّي عن الكينونة تعني موتاً وإخراجاً من الوجود، لا من التاريخ فقط، والتخلّي عن احترام اللغة القوميّة يعني تخلّياً عن احترام الذات، ومعروف أنّ مَن لا يحترم ذاته لا يمكن أن يحترمه الآخرون.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
البطريرك يوحنا العاشر: نطالب برفع الحصار الغربي الجائر عن الشعب السوري الرئيس الأسد يبحث مع الفياض تعزيز التعاون في مجالات مكافحة الإرهاب وضبط الحدود (السورية للحبوب) في طرطوس تنهي استعدادها لتسويق موسم القمح ..وإجراءات لتخفيف أعباء أجور النقل القيادة المركزية لحزب البعث: الشهادة سبيلٌ للدفاع عن الحياة الحقيقية حياة الكرامة والعزة مشروع "مواهب"... بدأ مرحلته التجريبية بمشاركة ٢٥ شاباً وشابة من الموهوبين ملف «تشرين».. الهدف تحقيق العدالة الاجتماعية.. بلورة جديدة في أركان الاقتصاد الوطني وتصويب المسار ومعالجة الانحرافات وتحديد النموذج الاقتصادي المناسب ملف «تشرين».. رؤية عصرية بنمط تفكير متوازن.. الرئيس الأسد يضع خطوط المرحلة المُقبلة بشفافية واتزان .. العدالة الاجتماعية والإنتاج أولاً.. ملف «تشرين».. الرئيس الأسد طمأن الطبقة المتوسطة بأن الخطط والسياسات المستقبلية لن تتخلى عن دورها في تحقيق العدالة الاجتماعية.. واستمرار القطاع العام بصيغة عصرية تكافح الهدر والفساد وتستهدف المستحقين ملف «تشرين».. النهج الاقتصادي في سورية سيكون اقتصاد السوق الاجتماعي.. عاصي: من المسؤوليات الملقاة على عاتق متخذي القرار وضع رؤية تتعلق بتطوير الإيرادات العامة للدولة ذوو الشهداء يؤكدون أن الدفاع عن تراب الوطن واجب وطني