فراغ نجد والحجاز

يذكر التاريخ المدرسي أنّ أسباباً عديدة دفعت الخليفة الراشدي الرابع إلى نقل عاصمة الدولة من الحجاز إلى الكوفة في العراق، وفي طليعتها أنّ الكتلة البشرية الكبرى صارت في الشام والعراق ومصر وبلاد فارس؛ وباتت الجزيرة العربية شبه فارغة من كتلتها السكّانية الكبرى؛ ولم يعد للحجاز ذلك الثقل السياسي الذي كان له في زمن دولة الرسول والراشدين. ويذكر التاريخ المدرسي ذاته أنّ ثورة الزبيريين كانت بمنزلة الصرخة السياسية الأخيرة التي أطلقها الحجاز لكي يستعيد (مركزيّته) المفقودة بعد أن صارت دمشق هي المركز الجديد الذي انطلقت منه موجات الفتح اللاحقة. ولم يقف الأمر عند ذلك الحدّ بل استمرّ نزوح من تبقّى في نجد والحجاز إلى أقاليم الفتح الجديدة التي بلغت أقاصي العالم القديم شرقاً وغرباً.
بقي الحجاز يمارس دوره الديني المحوري بطبيعة أداء فريضة الحجّ كلّ عام، ولكن يبدو أن أداء ذلك الدور قد تراجع خلال فترات الضعف والانحلال السياسي الذي أصاب الدولة العباسية في مراحلها المتأخّرة. فتذكر المصادر أنّ أداء فريضة الحجّ لم يكن يجري بشكل منتظم على غرار ما كان سابقاً وغرار اليوم؛ وسبب ذلك ماثل في تزايد الهجرة ّ من الحجاز ونجد ؛ ولم يكن ذلك الخلوّ طارئاً بطبيعة الحركة التاريخية وطبيعة المنطقة المنفّرة مناخياً، فمع نهاية الخلافة الأموية في مطالع القرن الثاني الهجري كانت الجزيرة العربية قد أكملت إفراغ ذاتها من كتلتها البشرية التي كانت تشغلها خلال آماد عصيّة على التحديد الزمني, باستثناء إقليمي اليمن وعُمان بسبب تمتّعهما بمناخ مناسب، واستقطاب أنشطة اقتصادية موازية.
تذكر بعض المدوّنات التاريخية التي كتبها بعض الحجّاج في العهدين المملوكي والأيّوبي أنّ بلوغ الأمكنة المقدّسة في الحجاز كان مغامرة محفوفة بشتّى أشكال الخطر التي يتصدّرها تعرّض الحجّاج لقطّاع الطرق واللصوص الذين كانوا يستهدفون الأماكن الجاذبة دينياً ؛ ولذلك كان الحجّاج الذين بلغت منهم المشقات ومقاساة المخاطر مبالغ متطرّفة يحاولون اختصار مناسك الحج إلى أدنى درجات الاختصار التي كانت تتمثّل في الطواف السريع والمراوحة بين الصفا والمروة ومغادرة المكان بالسرعة المتحدّدة باستشعار المخاطر التي كان يذهب ضحيّتها حجّاج كثيرون على مدار السنوات العجاف التي كان أداء فريضة الحجّ خلالها يشهد انتظامه المعهود وقتما كانت تلك الأماكن تحظى برعاية الدول القويّة في المحيط القائم في أقاليم الفتح التي صارت تُعرف اليوم بأقاليم المركز (مصر والشام والعراق).

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
في جلسة حوارية صريحة حول الإعلام والإعلاميين.. الوزير الحلاق: الجهود مستمرة نحو بيئة عمل مهنية محفزة وجاذبة في جلسة حوارية صريحة حول الإعلام والإعلاميين.. حقوق وواجبات.. محفزات ومثبطات.. الأخطاء والتبعات «اليوم التالي» ومقدماته وأذرع أميركا الجديدة للامتداد والبقاء في المنطقة.. كيان الاحتلال لا يريد وأميركا تريد.. مستقبل الحكم في غزة يدخل الدائرة الأخطر 300 فرصة عمل في تجمع "البطيحة" ركود أسواق المواشي بانتظار فورة قبيل قدوم عيد الأضحى.. رغم عروض التخفيض اللحوم الحمراء لاتزال خارج لوائح موائد الفقراء أسئلة الفيزياء مريحة والفلسفة سهلة الحرارة حول معدلاتها وفرصة لهطل زخات من المطر على المناطق الساحلية من إعلام العدو.. محلل عسكري إسرائيلي: جيشنا يعاني من الإرهاق الجسدي والعقلي.. وعدد القتلى والمصابين فيه لا يُصدّق تعطّل الأجهزة الطبية في المشافي العامة معاناة متكررة وتكاليف كبيرة.. والضريبة يدفعها المريض خبيرة نفسية تعيده إلى الإجهاد النفسي أو الانتقام.. تمزيق الكتب نهاية العام الدراسي ظاهرة يجب الوقوف عندها