نال الريف صاحب الخيرات الكثيرة نصيبه الوافر من الإهمال المقصود وخاصة بعد سحب «بساط» الدعم من تحت الفلاح وترك أرضه تحت رحمة قرارات جائرة أكلت الأخضر واليابس وجعلته في مواجهة مباشرة مع خسائره من دون سند، لكن رغم سنواتٍ سوداء ضد الريف وأهله فإنه ما زال يشكل بوصلة الأمان لإنقاذ الاقتصاد المحلي من أزماته عبر توظيف إمكاناته وضخّها في مسارب جدية تعيد إليه «بركته» وتنعش حاله المتعبة، وهذا يحتاج إلى قرار جريء بدعم فلاح جلّ ما يطلبه تقديم المساعدات لزراعة أرضه، بينما عطاياه ستعم على الجميع عند مدّ يد العون الحكومي له.
الواقع المعيشي والاقتصادي الضاغط دفع السوريين في الأرياف إلى الاهتمام بالأرض وزراعتها بمنتجات تمنع تحكم التجار في لقمة عيشهم، وهذه خطوة جيدة سبق المواطن حكومته باتخاذها، متجاهلة كل الدعوات لدعمه على نحو يحميه من الفقر والجوع، لكن «الطناش» ظل مسيطراً على صناع المطبخ الاقتصادي لغايات في نفس يعقوب، والتساؤل المشروع: لماذا يصر المعنيون على وضع العصي بالعجلات أمام ريفيين وجدوا أن الخلاص بزراعة أرضهم والاكتفاء بخيراتها وسط تقصير واضح بتأمين الخدمات اللازمة لدعم هذا الخيار كعدم توفير المياه على نحو أجبر فلاحين كثيرين على التخلي عن زراعة أرضهم بعد أن أصبح همهم تأمين مياه للشرب؟ وهل سوء إدارة خدمات أهل الريف جزء من مخطط بعض المسؤولين الفاسدين للاستمرار في تدمير القطاع الزراعي وشفط خيرات الريف الغني؟!.
إن استثمار مقدرات الريف السوري، حسب المزايا النسبية لكل محافظة، ملف حيوي عجزت الحكومات السابقة عن معالجته وبلورة رؤية واقعية تضمن تنشيط الحياة الريفية، وتؤمن مستوى معيشياً مقبولاً لأهله بدل هجرتهم المستمرة إلى المدينة، لذا من المؤمل أن تفتح الحكومة الجديدة هذا الملف المهم وتضعه على جدول أجندتها مع العمل على وضع خطة استراتيجية تقلب الطاولة على الإرث الثقيل الذي أوجع البلاد والعباد نتيجة إهمال الريف، ما يتطلب حزمة قرارات يكون للقطاع الزراعي أولوية والفلاح ركيزة الإنقاذ الشافي بشكل يضمن كسر الحصار ودعم المواطن في الوقت ذاته، ليبقى اعتماد هذا الخيار، الذي يعد نقطة البداية لتفعيل سياسة الاعتماد على الذات المباركة، رهن وجود حكومة قوية بكفاءاتها وخياراتها همها المواطن وتحسين معيشته وليس تحصيل المزايا والعطايا عند اعتلاء كراسي السلطة..من دون ذلك سيبقى الريف على حاله المهملة وأهله يصارعون للعيش في مناطق تعدّ من أكثر المناطق غنى.. والآن ينتظر السوريون قراراً مغايراً من حكومتهم الجديدة ينفض الواقع الريفي وجيوبهم الفارغة معاً!.