تركيا والجلباب الأمريكيّ
ثمانية تريليونات دولار كانت مجموع الإنفاق الأمريكي في الشرق الأوسط، حسب التوقيت اللحظي لآخر تغريدات ترامب، إنفاقٌ انتهجته الإدارتان السابقة والحالية تحت ذريعة مايسمى «مكافحة الإرهاب والإشراف على منطقة الشرق الأوسط».. وعلى حين صحوةٍ -كما يدّعي الرئيس ترامب- يعلن، مع فكرة انسحاب قواته الاحتلالية من سورية، أن الذهاب إلى الشرق الأوسط كان أسوأ قرار في تاريخ أمريكا.
في المقلب الآخر، تتضخم عند أردوغان «الأنا» -وهو الصبيّ والتابع- ويستثمر خطوة الانسحاب الأمريكي، وتخلّي واشنطن عن حليفها ميليشيا «قسد»، وتحت عناوين متعددة، بمنزلة الهجين العسكري والتكتيكي والخطاب الإعلامي يُعلن قيام حكومته بعملية لا شرعية، تستثمر الجانب الإنساني في مفاهيم العلاقات الدولية، والجانب الأمني متذرعة بـ(الحفاظ على حدودها)، ومفرزات دروس من الغطرسة الأمريكية وسياساتها في حروبها الحالية تحت مسمّى ضبابي ألا وهو «مكافحة الإرهاب».
إذاً، تركيا التي استشعرت بقرار الانسحاب الأمريكي على أنه ضوء أمريكي أخضر للتخلص من ميليشيا «قسد»، تتماهى بالتحرّك العسكريّ والسياسيّ، وتمعن في احتلالها لأراض سورية وهي تحاكي ذرائع سيدها الواهية أبداً في كلّ حرب حطّت فيها الرحال الأمريكية، رحال المستبد بلباس «الطيّب القادم إلى الشرق لتخليصه من الإرهاب»، بخطوة تجرّأت فيها على استنكار الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول المنطقة والعالم بشأن ما سمّته عملية «نبع السلام»، الهادفة -حسب العقل الأردوغاني المهزوز- إلى التخلّص مما يسميه «التهديد الكردي»، بينما تحور السياق العدواني للعملية اللاشرعية ليصير «حرباً على الإرهاب»، وليُظهر الوجه الحقيقي لأردوغان الكاذب والمنافق، الذي يعلن خطابياً أن «تحرّكه العسكري لايطمح من خلاله لامتلاك أراضٍ أو أملاك في أي دولة»، ويتعهد بأن «بلاده ستعمل على حماية المدنيين، وعدم إلحاق الضرر بأي منهم»!
بينما المشهد الميداني يكشف عورة المخطط التركي القائم على «استنبات حلم عثماني» بجيش من المرتزقة، يتم زجّهم في العملية العدوانية التي ما اقتصرت على «نبع السلام»، وهي- أي أنقرة- الساعية، منذ قيام الحرب على سورية، إلى تدميرها من خلال احتضانها الفصائل التكفيرية والعصابات الإرهابية المختلفة تحت مسميات «المعارضة»، وفتحت حدودها البريّة والبحريّة والجويّة لآلاف الإرهابيين الأجانب، واليوم ترسل جيشها ومرتزقتها لاستكمال مخطّطها بتحرّكات بعيدة كل البعد عن تصريحات رئيسهم المنافق، فالتهجير والفرار والدمار للمدن والقرى هي المخرج الأساس لعملية «نبع السلام»!.. التي لم ولن تكون نيرانها ومرمى قذائفها «حمائم سلام» على آلاف المدنيين السوريين، والدولة السورية تعدّ هذا العدوان عدواناً سافراً يستهدف سيادتها وأمنها وأمان مواطنيها، وستتصدى من أجل تحقيقه بكلِّ الوسائل لتحرير كل شبرٍ من أراضيها.
وعلى المجتمع الدولي عامةً الوقوف في وجه «الغزو» التركي، وعدم الاكتفاء بإدانته بأوجه خروقاته واعتداءاته على أراضي دولة ذات سيادة، فهذا تحدٍّ فاجر للقوانين والقرارات الدولية.
الحرب على سورية لم تنتهِ، وعدوان تركيا الأخير سيشكّل منعطفاً إقليمياً ودولياً من الفوضى السياسية ذات المنشأ لقرارات أمريكا المتهورة.