ثقافة الأمل
نحن في مطلع عامٍ جديد، ولا أعرف إذا ما كان هذا يعني شيئاً في جريان الزمن. لكن، كما هو معروف، وكما درجت عليه العادات، تنشط الآمال عند البشر مع مطلع كلِّ عام، ومع مطلع كل فجر، ومطلع كل عيد؛ هذا هو الزمن اليومي الشديد الواقعية الذي يتعامل معه الناس، وهو زمن نسبي وذاتي، كما أنَّه جمعيٌّ أيضاً، فالعادات والطقوس في الأعياد توحّد الناس، وتجعلهم يتشاركون في سلوكيات الاحتفالية منذ القدم. وفي تنشيط الحالات الإحيائية التي تتعرض للتبلد والكسل بين عيد وآخر، فتحتاج إلى مناسبات ذات طاقات جمعية لتدبّ الحياة فيها من جديد، وهكذا يتحول الزمن اليومي إلى زمن ثقافي، تتلاقى فيها الأزمنة (الماضي والحاضر والمستقبل) سواء أكانت الأعياد مرحة، احتفالية أو ذات بُعد تراجيدي وحزن عميق، يعبّر عنها بالغناء أو الرقص أو الأكل والشرب بشكل مبالغ فيه، وتتحول فيه اللغة إلى رمز، والرمز إلى لغة وفعل، وتتحول التصورات والأوهام إلى قوة مادية ومعتقدات لها حضور قد يكون عدوانياً مُقنَّعاً أو غير مُقنَّع، وقد يكون شاعرياً فيه عذوبة وانبساط وإيجابية… لكن البعد التفاؤلي هو السائد غالباً في المفاصل الزمنية التي يكون لها نهاية ولها بداية، فمع كل بداية ينشط الحلم والاستبشار، وتتشكل نقلة إلى الأمام لتفكيك حالة الانتظار لما هو قادم.
العبثية الغربية التي تميل إلى التشاؤم والعدمية تُسفِّهُ الأمل وترى أنه خدعة كبرى، وأن ما من شيء سيأتي مهما طال الانتظار، وأن “غودو” في مسرحية “صموئيل بيكيت” لن يأتي، وما من “غودو” سيأتي مهما طال الانتظار، ويا لها من قسوة!. والانتظار ما هو إلا عذاب وتعلق بآمال كاذبة؛ إنه حَمْلٌ كاذبٌ، كما يزعمون.
لكن، ما الضير في أن يأمل الإنسان بقادم أفضل، وأن كلَّ جديد يحمل البشرى للناس وفيه خروج من النفق المظلم أو من “كهف” أفلاطون الذي تتراقص فيه الأخيلة والظلال والعتمة. ولأنَّ أفلاطون لم يشأ أن يكون قاسياً جداً، ترك لنا بصيص ضوء ينوس في أعلى جدار الكهف، وهذا ما عبر عنه “الطغرائيُّ” شعراً، قائلاً:
“أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل”
فلا بدَّ من التأكيد الدائم على ثقافة الأمل، على أن تكون عيداً من أعياد التفكير اليومي لمواجهة الكآبة والتجهم والقسوة في حياتنا.