ما بين التدمير والتخريب.. فساد وأضرار.. تقييم الأثر البيئي للحرب ضرورة

الحرية- سناء يعقوب:

سنوات طويلة مضت، وكل ما نملكه بضع معلومات وأرقام عن تراجع كبير في مواردنا الطبيعية، والمؤكد أننا نحتاج عمراً إضافياً لتعويض الخلل الحاصل في تنوعنا الحيوي، وربما مئات السنوات لترجع غاباتنا التي كنا نباهي بها خضراء، غاباتنا التي حرقوها ودمروها خدمة لمصالحهم وجيوبهم وفسادهم!

اليوم نحن على عتبة مرحلة جديدة، نسابق الزمن ليعود وطننا كما نحب ونرضى، ونحن على موعد وحديث عن إعادة إعمار لتعود سورية بهية نقية.

إعادة الإعمار تحتاج إعادة تأهيل النظم البيئية، وتحتاج أكثر إلى رسم سياسات واتخاذ إجراءات لربط البيئة من جديد بالفعاليات الاقتصادية والصناعية، وما يتبعها من إعادة فتح المصانع وإقامة منشآت جديدة، حماية للإنسان وللوطن.

دعونا نعترف وبمنتهى الصراحة، أن لدينا الكثير من المشكلات التي نتجت عن الدمار والحرب التي لحقت بالبلد، وأن المرحلة القادمة نحتاج فيها إلى لحظ البعد البيئي في مشاريع إعادة الإعمار، سواء ما يتعلق بالمياه أو الصرف الصحي أو التنوع الحيوي وكل الخدمات المتعلقة باحتياجات المواطن، وهذا يحتاج الاستعانة بالمختصين وآرائهم لمعرفة ما لحق بسورية من خراب ودمار، وما كان يحكى عن مشاريع بقيت على الورق فقط!

ما بعد الحرب..
بطبيعة الحال آثار الحرب في سورية وصلت إلى كل مرافق الحياة، ولا نعلم حقيقة ماذا ينتظرنا من مصائب في ظل غياب التقييم البيئي ومعرفة النتائج التي وصلنا إليها، ولا ننسى أن الكثير من الأمراض عادت للظهور من جديد في بلادنا بعد أن كانت اختفت، يضاف إلى ذلك تزايد وتيرة الجفاف وتناقص في مصادر المياه، وكل ذلك يجري مع غياب كامل للحلول، حيث تتراكم المشكلات البيئية لتصل إلى المياه والتربة والهواء وتصيب الإنسان في صحته ووجوده.

هواجسنا البيئية، وما يعانيه بلدنا من انحسار في موارده الطبيعية، كانت باهتمام الكثير من الخبراء الذين حاولوا دائماً الحصول على معلومات أو أرقام تصف مدى التدهور الحاصل، ولكن الدراسات والإحصاءات كانت غائبة، حسب الدكتور موفق الشيخ علي الاستشاري البيئي والخبير المعتمد في إدارة الموارد الطبيعية، والذي يبين أنه وعلى الرغم من أن وزارة البيئة في سورية تأسست بداية التسعينيات من القرن الماضي، إلا أن العنوان البيئي بالمفهوم العلمي التنظيمي لم يحظَ يوماً بما يستحق سواء من حيث التخطيط أو التنفيذ، لاعتبارات عديدة، منها ضعف الهيكلية التنظيمية التشريعية، والأهم أن الملوث البيئي الأكبر كان يعود إلى منشآت تمتلكها الدولة بصفتها من يملك ويدير القطاع العام.

إعادة البناء
إعادة البناء والإعمار يراها الدكتور الشيخ علي في حديثه لصحيفة “الحرية”، أنها تأتي بداية من خلال البحث في تمويل إعادة البناء وفقاً للمعايير الدولية، وهذا سيحتاج برامج تمويل ومساعدات دولية داعمة، تفرض متطلباتها الفنية، ومنها تقييم الأثر البيئي الاستراتيجي لما بعد الحرب ودراسات تفصيلية بيئية لكل مشروع واستثمار، وخاصة أننا نعاني من بنية بيئية هشة بالأساس.

التقييم غائب!
ما يسمى التقييم البيئي لما بعد الصراع أو الحرب هو أداة فنية تنظيمية تفرضها برامج التمويل الدولي، بما فيها برامج الأمم المتحدة، هكذا من المفترض أن يكون، ولكن في حالة بلدنا تغيب المعلومات والأرقام، وحتى التقييمات البيئية، وما بقي فقط حالات الدمار والتخريب في البنى كافة، وهذا يقودنا للسؤال: من أين نبدأ لنكون على استعداد لإعادة بناء بلدنا من جديد؟

الأولوية كما يراها الدكتور الشيخ علي هي للحالة الاجتماعية للسكان، فحالة النزوح والتهجير التي فرضها النظام المخلوع على كل مناطق البلد، سواء لناحية مناطق الترحيل أو مناطق الاستقرار شكلت ضغوطاً بيئية، تراوحت بين فقدان السيطرة على الموارد المائية، وتراجع الزراعة وتدمير البنى التحتية للصرف الصحي وإدارة النفايات الصلبة.

فإدارة الموارد الطبيعية (المياه والغابات) تبعثرت بعد أن تم فقدان السيطرة على مناطق واسعة من البلاد، حيث تم تدمير شبكات الري ومياه الشرب، وتم حفر عشرات الآلاف من الآبار العشوائية، وقطع وحرق عشرات آلاف الهكتارات من بساتين الأشجار المثمرة والغابات، يضاف إلى ذلك تعرض المناطق الساحلية والبحر لانتهاكات واسعة ناجمة عن الصيد البحري الجائر وتحويل البحر إلى مكب نفايات ونهايات للصرف الصحي وتسربات نفطية.

كما ظهرت في السنوات الأخيرة تغيرات مناخية أصبحت واقعاً حقيقياً، تجلت في تراجع الهطل المطري وعدم انتظامه مع موجات حرارة في أوقات غير متوقعة، وزاد زلزال العام 2022 من ثقل الكوارث الطبيعية غير المعتادة.

نفايات خطرة وتلويث للتربة والمياه.. وما خفي كان أعظم!

وبالنسبة للنفايات الحربية والخطرة، يؤكد الدكتور موفق الشيخ علي، أنه لا يمكن تقدير حجم ونوعية الأسلحة والذخائر التي استعملها النظام البائد، وربما البعض منها تم تجريبه للمرة الأولى في هذه الحرب، وبالتالي فإن الأثر المتبقي لتلك الأسلحة والذخائر غير المنفجرة والألغام المزروعة هي عائق أساسي في التنمية والعمل.
أيضاً لم تكن الحالة البيئية لمواقع الحقول والمنشآت النفطية قبل الحرب بتلك الحالة الجيدة لغياب المفهوم البيئي عن ذهن القائمين على هذا القطاع في النظام السابق، باستثناء المواقع والمنشآت التي كانت تديرها الشركات الأجنبية أو المشتركة، وخلال سنوات الحرب ومع المعارك التي دارت للسيطرة على المواقع النفطية، فإن كميات هائلة من النفط الخام قد تسربت إلى التربة وربما المياه الجوفية، كما أن طريقة إدارة الحقول والمنشآت النفطية، ولاسيما في المنطقة الشرقية قد أنتجت أضراراً بيئية واسعة، تحتاج إلى تقييم واسع وعميق.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار