الزراعة تنتظر ثورتها أيضاً.. التصنيع يستأثر بالمشهد الحالي والإنقاذ ضرورة ملحة

الحرية- رشا عيسى:

تضاءل قطاع التصنيع الزراعي خلال الحقبة السابقة حتى بات حاله أقرب إلى الموت السريري، وسط تعرض العملية الإنتاجية الزراعية لتدهور كبير،في حين تشكل الجغرافيا الزراعية السورية خزاناً غنياً للمنتجات الزراعية التي تشكل المادة الأولية والأساسية للتصنيع الزراعي،حيث كانت الجهود الخجولة القائمة تدور في فلك دائري لم يحقق إنقاذاً ملحاً لهذا القطاع، وسط مطالبات للحكومة الجديدة بأن يكون له الاهتمام الفعلي على الأرض والأولوية التي يستحقها باعتباره حلقة من حلقات تحقيق القيمة المضافة للمنتجات الزراعية الوطنية خاصة أنه بمثابة جواز سفر للعبور إلى الأسواق الخارجية.

إنعاش هذا القطاع  ينطلق _ كما يوصي الخبراء الزراعيون_من إعداد دراسة اقتصادية متكاملة تأخذ بعين الإعتبار واقع توفر المادة الأولية الزراعية والبنى التحتية اللازمة للتصنيع الزراعي،وإعطاء أسعار تحفيزية للمحاصيل الصناعية لتشجع الفلاحين على زراعتها، مع  اعتماد أسلوب الزراعة التعاقدية، وإعادة النظر بأسلوب عمل مصانع القطاع العام بحيث تصبح جاذبة للفلاحين لزراعة المحاصيل الصناعية.

تحريك العجلة

الباحث الزراعي الدكتور مجد درويش يقدم عبر (الحرية) شرحاً عن حالة هذا القطاع انطلاقاً من أهميته التي يعول عليها في كثير من اقتصاديات الدول لتحقيق نوع من الاكتفاء الغذائي الذاتي المحلي،وفائض مجدٍ للتصدير بما يساهم في تحريك عجلة الإنتاج الزراعي ودعم الاقتصاد الوطني،لأن عملية التصنيع يمكن إضافة قيمة تسويقية للمنتج الزراعي لاسيما خلال مواسم الإنتاج الفائض عن حاجة السوق المحلية، وبما يؤمن تواجد السلعة المطلوبة على مدار العام.

القيمة المضافة

ويشارك درويش الرؤية الخبير والمستشار بالشؤون الزراعية المهندس عبد الرحمن قرنفلة الذي أعادالتأكيد عبر (الحرية) أن قطاع الصناعات الزراعية من القطاعات الاقتصادية المهمة التي تشكل حلقة من حلقات تحقيق القيمة المضافة للمنتجات الزراعية، كما تمنح تلك المنتجات جواز سفر للعبور إلى الأسواق الخارجية وتشكل مصدرا للقطع الأجنبي، وتفتح فرص عمل متعددة حيث تمتاز سورية بوجود الأراضي الصالحة للإنتاج الزراعي الضخم والمحاصيل التي تدخل في الصناعة، إضافة إلى الصناعات المهمة كالنسيج الذي يتميز بأفضلية نسبية عن باقي البلاد العربية.
وتشمل الصناعات الزراعية كما يعددها قرنفلة عدداً كبيراً من المحاصيل ومنها: صناعة  طحن وتجهيز وغربلة وتعبئة الحبوب مثل القمح والبقوليات الغذائية، وصناعة السكر و الزيوت النباتية، وصناعة الكونسروة، والألبان، وتجفيف البصل والثوم، وصناعة التبغ، وصناعة الفستق الحلبي، وصناعة اللحوم مثل المرتديلا والنقانق والسجق.

تدهور كبير

ويرى درويش أن هذا  القطاع شهد خلال الحقبة السابقة تدهوراً كبيراً ترك أثره السلبي على واقع عملية الإنتاج الزراعي وفرص تسويقه، الأمر الذي دفع الكثير من مزارعينا للعزوف عن العملية الزراعية ككل، والبحث عن طرق بديلة تحقق ريعية أفضل، ليحدد المعوقات التي كانت تعصف بهذا المجال الصناعي، والتي يأتي في مقدمتها عدم توفر بيئة استثمارية شفافة هادفة للارتقاء بواقع الصناعة السورية، فالعراقيل التي كانت موجودة والمفروضة من أصحاب القرارات المجحفة والفاسدة كفيلة بتدمير البنية الصناعية الموجودة، وبعدم إتاحة وتوفير الفرص اللازمة لتجديد وتطوير هذا القطاع.

قرارات وتشريعات جمة زراعية واقتصادية ومالية وغيرها وقفت حجر عثرة في وجه كثير من المستثمرين الوطنيين الذين كان هدفهم التطوير والارتقاء بواقع الصناعات الغذائية المحلية كي تستطيع منافسة مثيلاتها في الخارج، حيث  لم تكن القرارات والتشريعات والفساد الإداري وحدها المعطلة، بل الحلقة كانت متكاملة بدءاً من تأمين المادة الأولية الزراعية اللازمة للتصنيع، فالعملية الإنتاجية الزراعية كانت تعرضت لتخريب ممنهج ولموت سريري، من تضييق على المزارعين بعدم توفير الدعم اللازم وضعف تأمين متطلبات الزراعة وتحميلهم تكاليف إنتاج مرتفعة، فضلاً عن كون مستلزمات الإنتاج الزراعي المسلمة (بذار واسمدة) وبكثير من الأحيان لم تكن بالنوعية والجودة المطلوبة، كل ذالك ساهم وبشكل ملموس بتقليص مساحات الإنتاج الزراعي لكثير من المحاصيل الاستراتيجية ذات الأهمية التصنيعية، كمحاصيل: القطن، الشوندر السكري، عباد الشمس وغيرها، والذي أدى بدوره لتوقف العمل في عدد من المعامل الصناعية الخاصة بهذه المحاصيل، وهكذا الاعتماد على الاستيراد في تأمين حاجة السوق من هذه المحاصيل وسلعها المصنعة.

صعوبات معقدة

بدوره، وجد قرنفلة أن الصناعات الزراعية تعاني من حزمة معقدة من الصعوبات يأتي في مقدمتها  نقص المواد الأولية حيث تتوفر طاقات تصنيعية تفوق بكثير حجم الإنتاج من الشوندر السكري أو الحليب أو الخضار، وارتفاع تكاليف المواد الأولية، ويرجع ذلك لانخفاض إنتاجية وحدة المساحة ما يرفع تكاليف الإنتاج، ويعوق الصناعات الزراعية عن المنافسة في الأسواق الخارجية، وتعقيد الإجراءات الإدارية والروتين في مصانع القطاع العام والتي تدفع الفلاح للابتعاد عن زراعة المحاصيل الصناعية، فضلاً عن ضعف أداء العاملين في مصانع الصناعات الزراعية نتيجة ضعف توعية العاملين لأهمية العمل الذي يقومون به، ونقص اليد العاملة الخبيرة والفنية ما يضعف أهمية القطاع، إضافة إلى غياب البحث العلمي في مجال الصناعات الزراعية وخاصة ما يتعلق بتحديد مواصفات المواد الأولية واختيار التقانات المناسبة.

اقتراحات للنهوض

و أكد درويش أن النهوض بهذا القطاع قد يحتاج لإعداد دراسة اقتصادية متكاملة تأخذ بعين الاعتبار واقع توفر المادة الأولية الزراعية والبنى التحتية اللازمة للتصنيع من معامل ومصانع، كمعامل إنتاج السكر والزيوت والعصائر ومشتقات الحليب ومعامل الكونسروة والفواكه المجففة والغزل والنسيج ومعامل تصنيع الأعلاف، وأيضاً تأمين الأسواق المحلية والخارجية لتصدير المنتج المصنع.
ويتطلب هذا الطرح وفقاً لدرويش تشجيع أصحاب رؤوس الأموال المحليين وربما من هم في الخارج على الاستثمار في هذا القطاع الرابح، حيث يمكن مبدئياً العمل على منح تراخيص، وتأسيس ورشات ومصانع محلية صغيرة كخطوة أولية، ومن ثم الانتقال إلى تشييد المصانع الكبيرة ذات القدرة الإنتاجية العالية وبما يتناسب وتوفر المنتج الزراعي المحلي.
ولابد من الإشارة لضرورة تضافر الجهود المحلية وعلى كافة المستويات لتحقيق انطلاقة واعدة في العملية الإنتاجية الزراعية والتصنيع الزراعي، وذلك في ظل حكومة جديدة أولت اهتماماً بارزاً لهذا القطاع الحيوي.

وذهب قرنفلة باتجاه ضرورة إقامة مؤتمر للصناعات الزراعية بالتعاون مع الاتحاد العربي للصناعات الغذائية لتحديد مشاكل القطاع، والرؤية المستقبلية للتعامل مع الصعوبات التي تعوق تقدمه، ورفع نسبة مشاركته بالاقتصاد السوري، إضافة إلى  وضع أسعار تحفيزية للمحاصيل الصناعية تشجع الفلاحين على زراعتها، واعتماد أسلوب الزراعة التعاقدية مع الفلاحين وتحديث خطوط إنتاج مصانع الصناعات الزراعية، وربط خطط المصانع مع خطط زراعة المحاصيل، وإحداث معهد أبحاث متخصص للصناعات الزراعية أو تطوير عمل إدارة الصناعات الزراعية في الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية، ومنح تسهيلات لمصانع القطاع الخاص، وكذلك إعادة النظر بأسلوب عمل مصانع القطاع العام بحيث تصبح جاذبة للفلاحين لزراعة المحاصيل الصناعية ولا سيما الالتزام بالحيادية في تقييم درجة المحصول وتسريع وتيرة دفع قيمة المحاصيل المستلمة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار