المهن مُعنّدة
لم يتوانَ أصحاب المهن في السنوات السابقة، ومن دون أي ضوابط أو مرجعيات قانونية، عن اللحاق بالركب ورفع أجورهم كلما صعد سعر الدولار وانخفضت قيمة الليرة وازدادت تكاليف المعيشة.
كلّ منهم كان يرفع أجوره، من الطبيب إلى الحلاق و”الكوافيرة” والخياط أو الميكانيكي والحداد والنجار أو معلم التمديدات الصحية والكهربائية وتركيب البلاط والسيراميك والحجر والبلوك، حتى (الكومجي والسكافي والبويجي)، مع احترامنا للجميع، لم يتأخروا عن مواكبة رفع الأجور.
ولا بأس في ذلك بالطبع، فهولاء يسعون لتغطية متطلبات معيشة أسرهم الباهظة، وقد كان يتحقق لهم ذلك، لكونه طوع أمرهم، فهم من يقررون الأجر الذي يريدون من غير أن يأبهوا أو يكترثوا بالتسعيرات النظامية التي كانت توضع في عهد النظام البائد، علماً أن الموظف في تلك الأثناء كان الحلقة الأضعف، وراتبه المحدود المهدود لا يكفي معيشته وأسرته لثلاثة أيام، وكان لا يجد مخرجاً لتغيير هذا الواقع.
لكن المستغرب أنه وبعد سقوط النظام البائد وتحسن سعر الليرة وانخفاض الدولار، والمهم أكثر الانخفاض الملموس في أسعار مختلف السلع، بنسب تتراوح بين الثلاثين والخمسين بالمئة بعد زوال المنصة وانتهاء عصر الأتاوات والتشليح على الحواجز، لم يبادر أصحاب تلك المهن على اختلافها إلى خفض أجورهم بما يتواءم مع بدء تحسن الأحوال المعيشية في عهد الإدارة الجديدة لسوريا.
إن المأمول بعد التحرير عدم ترك الحبل على غاربه لمزاجية أصحاب المهن في تقاضيهم للأجور، إذ ينبغي وضع حدّ لحالة الفلتان الحاصلة، وسنّ تعرفة نظامية لأجور مختلف المهن بما يتناسب مع تحسن قيمة الليرة وانخفاض أسعار السلع والإلزام الصارم بها.