العرض والطلب يتحكمان مع غياب المعايير الشفافة.. ركود في سوق العقارات بطرطوس

الحرية – رفاه نيوف: 

تشهد محافظة طرطوس ركوداً في عمليات بيع وشراء العقارات. آلاف الشقق على الهيكل، ومثلها فارغة من الإشغالات، حالة من الترقب القلق من قبل المالكين والراغبين بشراء عقار وصولاً للمكاتب العقارية.

والسؤال الملّح اليوم: هل انخفضت  أسعار  العقارات  مع انخفاض سعر الصرف؟ وما الأسباب التي أوصلتنا إلى هذه الحالة من الركود في سوق العقارات؟ وهل قانون البيوع نعمة أم نقمة؟.

إيداع نصف القيمة الرائجة  للعقار  حوّل المحاكم من حل الخصومات  إلى تسجيل البيوع

للإجابة عن التساؤلات الكثيرة لسوق العقارات التقت صحيفة الحرية  الدكتور ذوالفقار عبود كلية الاقتصاد- جامعة اللاذقية. إذ أكد  أن العقار في سوريا من أهم مطارح الادخار وضمان المستقبل، باعتباره ضامناً للمدخرات، مهما ركدت السوق أو تدهورت العملة المحلية. وحالياً هناك ركود في السوق العقارية وبطء في حركة البناء، كما أن أسعار العقارات انخفضت مقارنة مع تضخم بقية السلع.  ومن أهم الأسباب ضعف القوة الشرائية، وبطء حركة البناء الذي يؤدي للركود، فعند تعطل الإكساء، بسبب ارتفاع أسعار المواد، يتريث المالك لتجنب الخسارة بسبب هبوط العملة المستمر.

رحلة عسيرة

وأضاف د.عبود: إن رحلة تملّك عقار في سوريا هي رحلة عسيرة، تبدأ مع الأسعار  المرتفعة، وتحكّم الوسطاء، ثم الرضوخ لسياسات جباية الضرائب  المجحفة.

ومع غياب المعايير الشفافة لسوق العقارات، يتحكم العرض والطلب في  بيع وشراء العقارات في سوريا، وتتداخل عوامل متعددة، مثل المساحة والموقع والخدمات ونوع القيد العقاري في تحديد الأسعار، ويبقى ما يعرف  بالبازار هو جوهر إتمام الصفقات، ويتم عادةً ضمن المكاتب العقارية بحضور أصحاب المكاتب كوسطاء أو سماسرة والمشتري ومالك العقار، ويعمد الوسطاء  إلى تقريب الفارق ثم الاتفاق، ويبقى التسعير عرضة للأهواء والتلاعب والغبن في كثير من الحالات.

السماسرة والمضاربة

و بيّن د.عبود أن أسعار العقارات في دمشق مثلاً  تعد من أغلى العقارات في العالم، وتضاهي عقارات دبي وطوكيو، حيث تتراوح في أحياء دمشق الراقية ما بين ثلاثة مليارات ليرة سورية (أو حوالي مئتي ألف دولار أميركي) وسبعة مليارات ليرة (حوالي خمسمئة ألف دولار أميركي)، وتتدرج أسعار المنازل في ريف دمشق بين 300 مليون ليرة (25 ألف دولار أميركي) إلى 500 مليون (40 ألف دولار أميركي)، وقد تصل إلى مليار ليرة (75 ألف دولار أميركي) في بعض الحالات، وفقاً للتجهيز والحداثة وتوفر بدائل الطاقة الكهربائية، وتبقى أسعار العقارات غير النظامية دون 150 مليون ليرة ما يقارب  (12 ألف دولار أميركي).

وبالنسبة للإيجارات، فيزيد مستواها  على 3 ملايين ليرة (250 دولاراً) في أحياء دمشق العادية، وتبلغ نصف المبلغ في الضواحي، ويُشترط على المُستأجر دفع أجرة 6 أشهر على الأقل في بداية العقد، خشية من تدهور قيمة الليرة.

وأوضح د. عبود أن صعوبة تأمين الإيجارات أصبحت أكثر  تعقيداً مع امتناع أصحاب المكاتب العقارية عن التأجير والتركيز على عمليات البيع لأنها مربحة، فتُركت صفقات الاستئجار لمصلحة السماسرة الجوالين، الذين يتعاملون مع عدة مكاتب ويلتزمون بالحد الأدنى لمعايير المهنة، والتي باتت مهنة مشوبة بالمضاربة واستغلال حاجة المتعاملين وعدم مراعاة الحاجات الإنسانية.

من جانب آخر، تبقى حركة السوق محصورة بين الوسطاء الذين يستغلون حاجة العارضين، وبعض الراغبين بتجميد مبلغ من المال في عقار ريثما يُعاد بيعه.

تعقيدات

وأكد حدوث الإشكاليات والتعقيدات  الكثيرة التي وقعت  منذ شباط 2023،  حيث اشترط  القانون السوري  في حكومة النظام البائد إيداع نصف القيمة الرائجة للعقار في المصارف العامة أو الخاصة، وتحدد الدولة هذه القيمة بصرف النظر عن قيمة العقد، وقاد هذا التجميد للكتل المالية الكثيرين للتخلي عن العقود واتخاذ مسار قضائي يقود لحكم محكمة، حيث كان اللجوء لتثبيت العقار بحكم محكمة استثنائي، كعقار قبل الفرز أو مملوك من وارثين، لكن بعد قرار القيمة الرائجة أصبح الطريق الأساسي لتفادي المبالغ الكبيرة التي تحصلها الدولة، هناك قيم رائجة أعلى من القيمة الفعلية لبعض العقارات، ويتعلق هذا بالفساد، إذ يضطر الملاك إلى دفع الرشا مقابل تقييم عقاراتهم بقيمة رائجة أقل ظلماً، ومن عواقب هذا المسلك وقوع الضرر على السجل العقاري والمحاكم المختصة، فتزداد إشكاليات العقارات ويكثر تعقيدها، ويتحول السجل إلى إشارات دعاوى قضائية وبيوع غير مسجلة، ومع التراكم يُفتح الباب لضياع الحقوق. أيضاً يتحول دور المحكمة من حل الخصومات إلى مكان لتسجيل البيوع.

ملاحظات قانونية

وحسب د. عبود، هناك ملاحظات قانونية منذ صدور القانون رقم 10 لعام 2018، حيث تزداد المخاوف التي يعبر عنها ناشطون وحقوقيون إزاء الملكية العقارية في البلاد، فبحسب ورقة قانونية أصدرتها منظمة تسمى (سوريون من أجل الحقيقة والعدالة)، فإن القانون لا يتضمن الحد الأدنى المطلوب لحماية حقوق الملاك، وهو دليل إضافي على الإجحاف في استعمال الحق للحكومة السابقة، ما يجعله أداة مستمرة للمصادرة التعسفية للأملاك.

لذلك من الضرورة بمكان وضع قانون تملّك عادل، فالتملك أمر موجود حول العالم وقد يكون للصالح العام، لكن ضمن بدلات عادلة، أما القانون الحالي فهو جائر جداً بحسب الحقوقيين، ويتطلب الوصول لسوق عقاري منظم عملاً ضخماً على مستوى الدولة، بداية مع ترميم الوثائق التالفة، فرغم صدور قانون بهذا الصدد إلا أنه غير مفعل، وقد تعرضت كثير من السجلات للتلف وهي غير مؤتمتة. والعامل الأهم أن الفساد كان متغلغلاً في كل مفاصل العمل مع أجهزة الدولة البائدة، وكان هناك تلاعب كبير في مجال العقارات، لذلك سن القوانين لن يحمي حقوق الناس بهذا الوضع.

أصحاب العقارات يعتقدون أن العمل بشكل قانوني خاسر، فالحكومة تشارك الربح ولا تشارك الخسارة، فارضة شروطاً معقدة، وتُجبِرُ    على تجميد الأموال بالإضافة إلى الضرائب الكبيرة، لذا تبرز الحاجة إلى قوانين عادلة، ووضع آلية تقييم محددة تضبط الأسعار بما يتناسب مع تكاليف الإنشاء، على العكس من ثقافة السوق الشعبية، السائدة حالياً، التي تعتمد المعارف والثقة وتجاوب أطراف البيع مع بعضهم ومع شروط العرض والطلب.

كما أن هناك فقداناً للثقة بالمكاتب العقارية وحتى العروض المتداولة عبر الإنترنت، فهي تهدف في أغلبيتها إلى رفع الأسعار بشكل وهمي.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار