أميركا وإغراق المنطقة بأخبار «التسوية» الأكيدة المقبلة.. بنود ملغمة تريح الكيان وتحاصر لبنان الدولة والمقاومة.. لكنّ للميدان دائماً حديثاً آخر
تشرين- هبا علي أحمد:
مُجدداً ومراراً وتكراراً تحط واشنطن رحالها في المنطقة التي لم تُغادرها أساساً بكل التفاصيل والحيثيات والجزئيات، وبكل الخباثة والمناورات والالتفافات ترمي بثقلها وحضورها لتدعيم ركائز كيان الاحتلال المتهالكة وإحباط موازين القوى التي أرستها المقاومة اللبنانية رغم ما أصاب جسمها العسكري والسياسي.
المستشاران الأميركيان عاموس هوكشتاين وبريت ماكغورك، يعودان محملين بسلة من الشروط والمطالب التي حتى لو لم يتم البحث في تفاصيلها لكان من البساطة معرفة خفاياها ومراميها، فكيف وإذا تمّ الاطلاع عليها، فإذاً يتم التثبت أنها مطالب تُلزم الجانب اللبناني بشروط أهمها وأولها «القضاء» على المقاومة وتفريغ كل إنجازاتها وانتصاراتها من مضمونها.. وفيما يُحكى عن القرار 1701 ربما لاحقاً، صيغ جديدة تتجاوز القرار وآلياته ومضمونها وهذه هي إحدى الطرق الالتفافية الأميركية- الغربية، ناهيك بمساع لفصل الجبهات، أي جبهتي غزة ولبنان، رغم ما أشيع منذ يومين من تسريبات ومداولات في الأوساط السياسية المرتبطة بالأميركي حول عدم فصلهما وأن تكون هناك سلة كاملة مُتكاملة، إلا أنه مع كل وافد أميركي جديد إلى المنطقة تتبدل المعطيات، ويبقى الإسرائيلي على تعنته، لكن المقاومة /حزب الله أكثر «تعنتاً» إذا جاز لنا التعبير، ويكفي مشاهدة عملياتها اليومية لندرك المسار والرسائل الميدانية والسياسية.
الوثيقة المُلغمة
أما عن وقف إطلاق النار في لبنان- إذا فصلنا الأمر عن غزة – فتعمد واشنطن و«تل أبيب» إلى تفصيل صيغة على مقاسهما، وتحدّثت وسائل إعلام العدو في وقت متأخر أمس عن بنود مقترح وثيقة وقف إطلاق النار بين لبنان و«إسرائيل»، قائلة: «بموجب الاتفاق، فمنذ لحظة توقيعه وصاعداً، لن يقوم حزب الله والجماعات المسلحة الأخرى في المنطقة باتخاذ إجراءات ضد إسرائيل، ولن تقوم الأخيرة من جانبها بتنفيذ أعمال هجومية ضد أهداف في لبنان، بما في ذلك ضدّ أهداف عسكرية وحكومية في الدولة اللبنانية».
الأميركي يُسوّق لاتفاق مرفوض ويوحي بالتسوية وأن حزب الله هو المعرقل بهدف زيادة الضغوط المحلية عليه
وحسب الوثيقة، فإن النقاط الرئيسية للاتفاق المحتمل تتضمن: «إقرار إسرائيل ولبنان بأهمية قرار الأمم المتحدة رقم 1701، كما أن تلك الالتزامات لن تحرم «إسرائيل» ولبنان من حقّ الدفاع عن نفسيهما، إذا لزم الأمر، وإضافة إلى قوات يونيفيل سيكون الجيش اللبنانيّ الرسميّ هو القوّة المسلّحة الوحيدة في جنوب لبنان عند الخط /أ / وبموجب القرار 1701، ومن أجل منع إعادة بناء وإعادة تسليح الجماعات المسلّحة غير الرسمية في لبنان، فإن أي بيع للأسلحة إلى لبنان، أو إنتاجها داخله، سيكون تحت إشراف الحكومة اللبنانية، كما ستُمنح الحكومة اللبنانية الصلاحيات اللازمة لقوى الأمن اللبنانية لتنفيذ القرار، تضاف إليه مراقبة إدخال الأسلحة عبر الحدود اللبنانية، والمنشآت غير المعترف بها من الحكومة، والتي تنتج الأسلحة وتفكيكها».
ووفق الوثيقة فإنه سيتعيّن على «إسرائيل» سحب قواتها من جنوب لبنان خلال سبعة أيام، وسيحلّ محلها الجيش اللبناني، وستشرف على الانسحاب الولايات المتحدة ودولة أخرى، وسيتمّ تحديد موعد يكون هو الموعد الأقصى الذي سينشر خلاله الجيش اللبناني قواته على طول الحدود والمعابر، وفي غضون 60 يوماً من توقيع الاتفاق سيتعيّن على لبنان نزع سلاح أي مجموعة عسكريّة غير رسمية في جنوب لبنان.
وفي أعقاب الوثيقة أشاع مسؤولان أميركيان لموقع «أكسيوس» أن المفاوضات أحرزت تقدماً كبيراً خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، يأتي ذلك فيما عبّر رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي عن أمله بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار خلال ساعات أو أيام، مشيراً إلى أن هوكشتاين تحدث عن إمكانية إعلان وقف النار قبل الانتخابات الأميركية.
نتنياهو رفض مقترحاً لوقف النار قبل «تصفية» المقاومات و«اجتثاث» القضية الفلسطينية وبناء «الشرق الأوسط الجديد»
بناء على ما سبق، لا يحتاج الأمر إلى كثير من التمحيص لمعرفة كم الألغام التي تتضمنها الوثيقة، هذا إذا نُفّذت وإذا التزم بها الجانب الإسرائيلي أساساً، فيكفي أنها وثيقة أميركية حتى نُدرك أنها لا تُلزم الكيان ولن يلتزم بها أصلاً، ويكفي الانتباه إلى أنها أعادت الحديث عن الالتزام بالقرار 1701 رغم أن الأسبوع الماضي كان هوكشتاين يحمل سلّة من التعديلات على القرار المذكور.
الأكثر من ذلك أن الإشراف على سحب «إسرائيل» قواتها من جنوب لبنان سيكون بإشراف أميركي إلى جانب دول أخرى، يا ترى هل تملك الدولة اللبنانية الحق باختيار هذه الدول؟.. كما ورد في الوثيقة الحديث عن حق «إسرائيل بالدفاع عن نفسها» في مقارنة غير منطقية وغير مقبولة مع حزب الله الذي له وحده الحق المشروع في الدفاع عن الدولة اللبنانية، ناهيك بأن الوثيقة بمجمل تفاصيلها انتهاك للسيادة اللبنانية واحتلال غير مباشر.
كما أن الوثيقة المذكورة مُلغمة أيضاً لعدة أسباب، فنتنياهو لن يتنازل عن قراره بـ«مسح» «حماس» عن خريطة غزة وإخراج مقاتليها الى أي دولة في العالم، و«إنهاء وتصفية» حزب الله وإبعاده الى ما قبل نهر الأولي، أي مسافة 45 كم وتسليم سلاحه وترحيل ما تبقى من قياداته العسكرية الى أي دولة وإيجاد منطقة عازلة في الجنوب بمسافة 5 كيلومترات، رافضاً المقترحات التي قدمتها روسيا مُسبقاً للوصول إلى وقف للنار قبل إنجاز «تصفية» المقاومات و«اجتثاث» القضية الفلسطينية وبناء «الشرق الأوسط الجديد».
موقف لبنان
وأيضاً بناءً على ما سبق ذكره، فإن لا جديد يُذكر في السياق، ولا يُمكن تعليق الآمال على وقف قريب لإطلاق النار، لأن الأميركي – كما أشار مراقبون- أساساً يُسوق لـ«اتفاق مرفوض» مسبقاً، ويوحي بأن هناك «تسوية»، وأن هناك توافقاً في الكيان حولها، ويحاول إغراق الرأي العام بأخبار حول «التسوية» ومن ثم الإيحاء بأن حزب الله هو المعرقل لوقف إطلاق النار، لزيادة الضغوط المحلية عليه، والتعويل مجدداً على إحداث شرخ أو تشكيك أو توجس في بيئته.
ويتابع المراقبون: مُجدداً لا توجد وثيقة متفق عليها، ولا أوراق قدمت للنقاش، والعرض الذي قدم إلى لبنان كان شفوياً، وردّ لبنان عبر رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري- الذي يقود المفاوضات مع ميقاتي- كان واضحاً بالعودة إلى القرار 1701 من دون أي ملاحق أو تعديلات، وهو ينتظر الأجوبة لكنه لن يتنازل عن حق واحد من حقوق لبنان لو ضغط عليه العالم كله، ولن يبدأ المفاوضات قبل وقف النار.
حزب الله يمكنه إطلاق النار على «إسرائيل» من كل مدى كما نرى ولا يمكن إيقاف ذلك بشكلٍ شامل وكامل
أوراق المقاومة
كل ما سبق يبقى هراء ومحض أوهام العدو، فالكلمة لمعركة «أولي البأس» كما أطلق عليها سماحة الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، أي للميدان وللمقاومين وللصواريخ والمُسيّرات ومشاهد احتراق دبابات العدو في بث حيّ ومباشر على الهواء، وهذه الأوراق هي التي تضغط على السياسة والدبلوماسية، وهي التي ستفرض وقف إطلاق النار وبشروطها، إذ تواصل المقاومة اللبنانية تصديها لمحاولات الاحتلال الإسرائيلي التسلل جنوب لبنان، بالتوازي مع مواصلة استهدافاتها لتجمّعات ومواقع الاحتلال شمال فلسطين المحتلة.
وفي أول بياناتها، لليوم الخميس، أعلنت استهداف تجمّع لجنود الاحتلال شرق بلدة الخيام، بصلية صاروخية وقذائف المدفعية، إلى جانب استهدافات متتالية في منطقة وطى الخيام.
في غضون ذلك، أكدت وسائل إعلام العدو دويّ صفارات الإنذار شمالي الجولان السوري المحتل خشية من تسلّل طائرات مسيّرة، قائلة: إنّ حزب الله يمكنه إطلاق النار على «إسرائيل» من كل مدى كما نرى ولا يمكن إيقاف ذلك بشكلٍ شامل وكامل.