العدوان على قطاع غزة وصعود التعددية القطبية
تشرين:
لا يزال العدوان الإسرئيلي على غزة يحتل عناوين أهم الأخبار في معظم أنحاء العالم، ونظراً لحلول موسم الشتاء القارس وارتفاع أسعار النفط، یلح علينا السؤال التالي نفسه: هل يمكن أن تتحول هذه الحرب إلى حرب شاملة؟
يرى العديد من الخبراء الجيوسياسيين أنّ دور أميركا في هذه العدوان أكثر أهمية من دور الأطراف المتصارعة نفسها.
ومن غير المعروف أين ستتوقف دوامة العنف هذه، فالعنف يولّد العنف الذي يولّد كراهية مزدوجة تعاقباً، إن أميركا تدعم «إسرائيل» على الرغم من معاناة المدنيين في غزة والهجمات الإسرائيلية على لبنان، والتي تؤثر على السكان المدنيين بالدرجة القصوى.
كما تعمدت واشنطن على تقديم الأمين العام لحزب الله الذي استشهد يوم السبت 28 أيلول، على أنه «إرهابي خطير»، في حين أنه أيضاً زعيم سياسي موقر ومناضل له قاعدة جماهيرية كبيرة بين اللبنانيين.
إنّ الفجوة الناجمة عن تصرفات الغرب مع الدول الأخرى تتسع يوماً بعد يوم، وحقيقة أن بايدن يمنح «إسرائيل» الحق في مواصلة الحرب مباشرة بعد استشهاد السيد نصر الله، أدت أيضاً إلى تفاقم هذه الفجوة، الإجراء الوحيد الذي اتخذه المسؤولون الغربيون ضد تصرفات «إسرائيل» هو التحذير من أنّ «إسرائيل» يجب أن تكون أكثر حذراً مع المدنيين، لكن لا أحد يتحدث عن القوانين الدولية أو العقوبات ضد «إسرائيل».
ولكن في الوقت الحالي، عندما يتعلق الأمر بالحرب العدوانية التي تشنها روسيا على أوكرانيا، فإن أغلب الساسة الغربيين يتحدثون باستمرار عن القوانين الدولية ويتنافسون على فرض أشد العقوبات.
ومن الطبيعي أن يسعى كل سياسي إلى مصلحة بلاده، فبعيداً عن صواب أو خطأ هذا الإجراء، المهم هو كيف يُنظر إلى هذه التصرفات خارج أمريكا، لقد جعلت الأحداث الأخيرة الكثير من الناس ينظرون إلى الغرب على أنه منافق، وتستشهد المجتمعات الغربية بالقوانين الدولية لمعاقبة روسيا، ولكن عندما يتعلق الأمر بـ«إسرائيل»، فإن هذه القضية ليست على جدول الأعمال بتاتاً.
إذا أردنا وقف الحرب الحالية في الشرق الأوسط، فيتعين علينا إقناع الأطراف المتحاربة بوقف القتال.
لقد أظهرت التجربة أنّ كيان الاحتلال لا يريد وقف حمام الدماء، وإن التهديد بفرض حزمة عقوبات مماثلة لتلك المفروضة على روسيا أو حتى أقل يمكن أن يجبر أي حكومة إسرائيلية على وقف الحرب بشكل أو بآخر، لأن اقتصاد هذا الكيان المؤقت هو اقتصاد صغير مندمج في الاقتصاد الدولي ولا يستطيع إعادة بناء نفسه مثل روسيا.
وروسيا بفضل سياساتها الاقتصادية والدفاعية، تمكنت من مواصلة تعاونها خارج دوامة الغرب، وفي الوقت نفسه تمكنت من مواصلة الحرب، ولكن إذا فرض الغرب عقوبات على «إسرائيل»، فلن تتمكن من فعل أي شيء.
لكن للأسف هكذا يبدو الغرب عندما يهتم بالمبادئ والقوانين الدولية التي تنسجم مع سياساته، وتتغير الحجج باستمرار بتغير المصالح، أي أنه لا يوجد مبدأ ثابت يمكن الالتزام به في جميع المواقف.
تكشف هذه الأحداث أنّ عصر الهيمنة الغربية يقترب من نهايته، إن العالم يتغير، ولم يعد العالم خارج أوروبا والولايات المتحدة على استعداد لقبول الرواية الغربية عن الخير والشر، وبطبيعة الحال، فإن شعوب الدول الأخرى لا تدعم روسيا، لكنها في الوقت نفسه ترى كيف تتأثر حجج المجتمعات الغربية بمصالحها الخاصة.
وفي وقت ما، زعم الغرب على أن القانون الدولي منع «الإبادة الجماعية في ليبيا على يد القذافي»، ولكن اتضح فيما بعد أن هذه الاتهامات، وهذه العبارات والشعارات صممت لتغيير الأنظمة المناوئة للغرب فحسب، هذه القضية جعلت قسماً كبيراً من الشرق الأوسط وأفريقيا ينظرون إلى أميركا بشكل سلبي.
إنّ إخفاق الغرب في الالتزام بالمبادئ الإنسانية الدولية الثابتة يؤدي إلى اتساع الفجوة بين الغرب وبقية العالم، وتفشي هذه الأفكار يمكن أن يضربهم بقوة كبيرة ويجعل موقفهم عرضة للخطر.
لقد بات العالم على مشارف عصر جديد من التعددية القطبية بشكل كبير، ومصالح الغرب مرتبطة بكل هذه الاتجاهات، وليس فقط كيان الاحتلال، فأوروبا، وهي الشريك الإستراتيجي القديم للولايات المتحدة، تشيخ وتصاب بالركود، في حين أنّ دولاً أخرى تنهض بشكل متسارع، لقد أصبح العالم ديناميكيًا ومبتكرًا بشكل غير مسبوق، والولايات المتحدة تحتاج إلى المزيد من التعامل مع هذه البلدان.