تعقد شعوب العالم آمالها على قمة «بريكس»، في مدينة قازان الروسية، لإحداث تغيير في النظام الاقتصادي العالمي، الذي يقبع تحت هيمنة الدولار، والانطلاق في تشكيل نظام اقتصادي عالمي أكثر إنسانية.
العالم الذي ينوء تحت أثقال النظام الرأسمالي الغربي، يتطلع إلى الخلاص من المنظومة الاستغلالية، التي أحدثها الغرب بعد الحرب العالمية الثانية، وخاصة صندوق النقد والبنك الدولي، بشروطه السياسية وحتى الاجتماعية قبل الاقتصادية.
إن «بريكس» ليس تحالفاً عسكرياً، كما أعلنت عن ذلك موسكو، لكن المحور الآخر – أي مجموعة الدول السبع «G-7»- ليس منتدى خيرياً وإنسانياً، بل إن جميع دول السبع تتكتل سياسياً وعسكرياً، ولطبيعة نهجها العدواني، لن ترى بمجموعة «بريكس» إلا كياناً منافساً ومعادياً لها ولنهجها، ما يحتم على «بريكس» عدم الوقوف عند الجانب الاقتصادي، فلا يمكن فصل المسارات العالمية الاقتصادية عن السياسية عن العسكرية، لأن القضية الأساس في كل الصراعات الدولية هو الاقتصاد، من مسارات التجارة والطاقة، ولأجلها تحرك الأساطيل والقوات، وبالتالي فإن قادة «بريكس» مهما حاولوا أن يؤكدوا أن هدف تجمعهم، تنموي واقتصادي، لا يمكن وضع السياسة وأداتها العسكرية جانباً، ولا بد من استخدامهما لحماية عالمهم الاقتصادي الطموح.
لا يمكن خداع الغرب هكذا، فـ«بريكس» مجموعة في النهاية ستستفز الغرب، الذي سيعمل على إفشالها، وبالتالي على المجموعة الناشئة، أن ترد على ذلك، فالعالم في البداية والنهاية ليس بجمهورية أفلاطون، بل صراع دائم والأقوى والأقدر على الصمود سيعم وينتشر، ويثبت قواعد النظام الدولي، وفق رؤيته لها.
في فكرة «بريكس» تكمن بذرة الخلاف والاختلاف مع النظام الغربي الرأسمالي، فلا يمكن الحياد في القضايا الدولية، إذ يتبلور خط فاصل بين عالمين متناقضين، الشمال والجنوب، الذي في أغلبه دول منكوبة، تعاني من التضخم نتيجة ألاعيب الغرب وعقوباته الاقتصادية غير الشرعية، فالفكرة بحد ذاتها تهدف لتقويض هيمنة الغرب، ودولارها ومؤسساتها الاقتصادية المهيمنة.
من المبكر الحكم على توجهات جماعة «بريكس» السياسية، والتي تبتغي على أقله في الوقت الحالي الابتعاد عن المواجهة المباشرة، لكن في فكرتها وخاصة التعامل بالعملات الوطنية في التعاملات التجارية، وبخاصة إذا نُفذت في إطار واسع ومتدرج، هي كفيلة بزعزعة عرش الدولار الرأسمالي.
تتمتع الدول الرائدة في «بريكس» بعمق حضاري وفلسفي، وليس لها تاريخ استعماري، بل على العكس عانت من الاستعمار ومن تهديداته، من الأسباب التي تجعل شعوب عالم الجنوب تعقد الآمال عليها، ما يحمل «بريكس» مسؤولية إنسانية وأخلاقية، لصياغة قواعد عالمية إنسانية، أكثر عدالة، بخطة خطوة، خطوة.
راتب شاهين
6 المشاركات