رواياتي لا تتحدث عن التاريخ ولكن عن ثقل الماضي.. الكاتبة المصرية رشا عدلي: أحترم الجمهور السوري وأثق في ذائقته
دمشق- حسيبة صالح:
رشا عدلي روائية مصرية بارزة اشتهرت بكتاباتها التي تمزج بين التاريخ والخيال، صدر لها ثماني روايات، وترشحت روايتها (شغف ) و(آخر أيام الباشا) للقائمة الطويلة لجائزة البوكر العالمية للرواية العربية.
تميزت عدلي بقدرتها على تحويل التاريخ إلى يوميات أدبية، وتناولت في رواياتها العديد من القضايا المتعلقة بالمرأة.
في رواية شغف تقدم شخصية نسائية قوية تعيش في فترة الاحتلال الفرنسي لمصر وتواجه تحديات كبيرة في سعيها لتحقيق حريتها الشخصية والاستقلالية في ظل ظروف اجتماعية وسياسية معقدة، وتستعرض من خلالها الصراعات الداخلية والخارجية التي تواجهها النساء في تلك الحقبة.
وتركز عدلي على إبراز قوة المرأة وقدرتها على التأثير والتغيير سواء في السياقات التاريخية أو المعاصرة.
“أحترم جمهور القراء السوري، وأثق في ذائقته ولي الشرف أن يكون لي عدد كبير من القراء في سورية الحبيبة، بهذه العبارة بدأت رشا عدلي حديثها لـ”تشرين” مضيفة: جزء ناقص من الحكاية في روايتي الجديدة والتي تدور أحداثها في عدة مسارات مختلفة بين ماضٍ وحاضر ، الشخصية الرئيسة هي عن بطل مصري فقد ساقه في حرب 1967، ومن خلال “فلاش باك” يستعيد ذكريات معينة من خلالها تظهر علاقته ببطلة العمل (فيفيان ماير)، وهي مصورة فوتغرافية أمريكية، لقبت بأنها أهم مصورة للشارع في القرن العشرين ويكشف العمل قصة حياتها الفائضة بالغموض، هذه الرواية كتبتُها بروح مختلفة عن سابق أعمالي، أستخدم فيها الصور المقتضبة والجمل المختصرة والدالة والمؤثرة في آن.. تماماً كلقطات كاميرا (فيفيان ماير) والتى كان عليها أن تلتقط الصورة في أقل من ثانية.
هذه الرواية يكمن اختلافها عن بقية أعمالي أنها لا ترتكز على شخصية واحدة ولكن عدة شخصيات كل شخصية لها دور مهم ومؤثر، فالرواية بالرغم من أنها حول حدث تاريخي مهم، ولكنها أيضاً تركز على ماضٍ شخصي لجميع أبطال العمل.
وتبين عدلي أنّ معظم أعمالها هي تحقيق بشكل أو بآخر في حدث تاريخي غير مكشوف دائماً، يتلبسه الغموض أو المغالطات، وشخصيات رواياتها عليها البحث عن هذا اللغز والكشف عن خباياه.. هذا ما يفعله الأدب أن يجد في تجربتنا التاريخية أو في مواجهتنا للأحداث التاريخية ما هو معروف ومألوف لكل البشر.. رواياتي لا تتحدث عن التاريخ ولكن عن ثقل الماضي من خلال الكتابة عن العنف والظلم والقسوة يخف هذا الثقل ولو قليلاً، وبالتأكيد لفعل ذلك يجب أن آخذ لحظات معينة من الواقع تكون مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالماضي، ففي هذه الرواية كانت صورة فوتوغرافية معروضة في معرض بنيويورك، تظهر فيها فيفيان ماير مع رجل، التقطت لهما في القاهرة عام 1967.. هذه الصورة تقود لتاريخ طويل.
وفي السياق تقول عدلي: لا أختار شخصية تاريخية، أنا اختار حدثاً تاريخياً وهذا الحدث يكون مرتبطاً بشكل أو بآخر بالشخصية التاريخية، مثلاً في رواية شغف كان الحدث مرتبطاً بنابليون بونابرت و وقع أثناء الحملة الفرنسية على مصر ، كذلك في رواية آخر أيام الباشا كان الحدث هو إهداء زرافة إلي محمد علي باشا والحدث مرتبط مباشرة بشخصية وحكم محمد علي باشا، لذلك كان عليّ أن أكتب عنه، وهكذا.. ولكن حتى في تناولي هذه الشخصيات فأنا أحب أن أكتب بشكل مغاير ومختلف لما نعلمه عنها.
أما عن الشخصيات التي تحب عدلي أن تتناولها مرة أخرى، فتوضح: أريد الكتابة عن محمد علي باشا، لأن هذا الرجل (في رأيي) يستحق أكثر من كتاب وأكثر من عمل، وأيضاً من الشخصيات التى أريد الكتابة عنها هي صلاح الدين الأيوبي لأنه شخصية مؤثرة في التاريخ الإسلامي..
المرأة حاضرة في رواياتي، وفي روايتي الجديدة تواجه المرأة تحديات العصر، وتأثير الإنترنت و”السوشيال ميديا” عليها، فمثلاً بطلة تحاول أن تتمرد على واقعها وتتحول من شخصية خجولة غير واثقة لتصبح “بلوجر” مشهورة، وتركز الرواية على تأثير ذلك على صحتها النفسية وعلاقتها بالمجتمع.
وتضيف عدلي: جميع كتبي قريبة لي، بل هي جزء مني، لأني عندما أكتب أتوحد وأتقمص مع أبطالي أعمالي وقصصهم وحيواتهم، وربما كانت روايتي شغف، أنت تشرق أنت تضيء، هما الأكثر التصاقاً بي لأنهما حققتا نجاحاً كبيراً.
وحسب العدلي، لا نستطيع أن نفصل النقد عن الأدب، فأدب من دون نقد يفقد الكثير من أهميته، وأنا أحب النقد البنّاء الذي يخدم العمل، ويزيده تماسكاً وذلك بفهم عميق من الناقد لتجربة الكاتب الروائية ولقلمه وللفكرة التى يريد أن يقدمها، لافتةً إلى أنّ نقد كتاب يتطلب من الناقد النظر في الكثير من الأشياء، وأعتقد أني محظوظة فتجربتي الروائية لفتت نظر الكثير من النقاد العرب وأحاطوها بعناية واهتمام سواء في المطبوعات الثقافية المختلفة أو في كتب متخصصة أو دراسات علمية وبحثية، وأعتقد أنه في السنوات الأخيرة كانت هناك طفرة كبيرة في تطور الأدب العربي بالرغم من الظروف الصعبة
التى يمر بها الوطن العربي ولكن أرى أنّ هذه الظروف أدت إلى خلق عوالم جديدة والأدب الجيد دائماً يولد من رحم المعاناة.
وتؤكد عدلي: زيارتي لسورية كانت بتاريخ ٢٠٢٣/٥/٣ بدعوة من مجموعة من السيدات السوريات المثقفات وناقشنا معاً روايتي (أنت تشرق أنت تضيء).. لقاء كان في طياته الكثير من الحب والأمل بمستقبل مضيء.