الميدان فقط هو من سيحدد شكل التسويات السياسية في المنطقة.. حزب الله يعمق ويوسع جغرافيا الصواريخ.. وواشنطن تسعى إلى فرض «لبنان جديد» يُريح الكيان الإسرائيلي و«يُسقط» المقاومة
تشرين – هبا علي أحمد:
أكثر من أي وقت مضى فإن الميدان، والميدان فقط، وعلى نحوٍ خاص في جنوب لبنان، هو ما سيحدد شكل أي تسويات سياسية قادمة في المنطقة وذلك بناء على معطيات ومفرزات المعارك بين المقاومة اللبنانية والاحتلال الإسرائيلي، كما سيحدد الدور الجديد والمُتجدد لحزب الله في المعادلة والذي لا يُمكن تحييده أو إلغاؤه بأي حال باعتباره أحد المكونات الفاعلة في المعادلة اللبنانية السياسية.
واشنطن تسعى إلى ممارسة ضغوط لفرض أمر واقع جديد على لبنان من خلال ضرب أو تقليص قدرات ودور حزب الله وهذا يتقاطع مع أهداف الكيان
كل هذا في وقت تسعى فيه أميركا عبر اقتراحات والتفافات إلى تحييد دور الحزب، ولاحقاً يتم إلغاؤه سواء في المستقبل السياسي والدبلوماسي للبنان، أو في المستقبل العسكري بمعنى مستقبل الصراع مع العدو ولا سيما أن لبنان إحدى جبهات الصراع الرئيسة، ومرة أخرى تنفذ الولايات المتحدة في المشهد من خلال ما بات يُعرف بمساعي وقف إطلاق النار والتي ثبُت أنها مساعٍ لإبطاء الجهود المُضادة لجهودها علّ وعسى يُحقق الكيان أهدافه وأهدافها ولإفساح المجال للكيان في استمرار حرب الإبادة إن كان في غزة أو لبنان، مع توسيع جغرافيا الصراع إلى دول المنطقة.
فرض واقع جديد على لبنان
إلى الآن يبدو الوضع الذي وصلت إليه الحال جنوب لبنان، ولاسيما مع ثبات المقاومة واستمرار توجيه الضربات للعدو وتكبيده خسائر بشرية ومادية، ومنعه من الدخول البرّي إلى الأراضي اللبنانية.. يبدو بحاجة إلى تدخل أميركي أصيل وليس وكيلاً، إذ كشفت مصادر سياسية لإحدى الصحف اللبنانية عن رغبة واشنطن الواضحة في ممارسة أقصى درجات الضغط لفرض أمر واقع جديد على لبنان من خلال ضرب أو تقليص قدرات ودور حزب الله، وهذا الضغط يتقاطع مع أهداف العدو الإسرائيلي المعلنة وغير المعلنة، مشيرة إلى أن الموقف الأميركي جاء مترافقاً مع تصريحات رئيس وزراء كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو التي تحرض الشعب اللبناني على الحزب.
الميدان في جنوب لبنان هو ما سيحدد شكل أي تسويات سياسية قادمة في المنطقة بناء على مفرزات المعارك بين المقاومة والاحتلال
كما أوضحت المصادر أن واشنطن تضغط من أجل إحداث تغيير بالمعادلة السياسية في لبنان، من خلال العمل على تجريده من مصادر قوته وفرض رئيسي جمهورية وحكومة على هذه القاعدة.
بالتوازي مع هذه المساعي تنشط الدبلوماسية العربية والإقليمية التي تنقسم باتجاهين: اتجاه يسعى إلى التهدئة مع الحفاظ ولو بالحد الأدنى على مُنجزات المقاومة وبما ينهي الحرب من دون أي ضغوط على الحزب، واتجاه آخر يسعى إلى «التهدئة» لكن كما تريدها واشنطن.
وفي ظل هذه المعطيات، أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي أن الاتصالات الدبلوماسية تكثفت في الساعات الماضية قبيل انعقاد جلسة لمجلس الأمن الدولي بهدف السعي مجدداً إلى وقف إطلاق النار، وبالتالي القيام بمزيد من الضغط لوقف العدوان الإسرائيلي على لبنان، مضيفاً: هناك اتصالات تجري بين الولايات المتحدة وفرنسا، التي طلبت انعقاد مجلس الأمن، بهدف إحياء الإعلان الخاص بوقف إطلاق النار لفترة محددة لكي يُصار إلى استئناف البحث في الحلول السياسية.. في حين أكد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري أنه لا تقدم إيجابياً بشأن وقف العدوان الإسرائيلي على لبنان، قائلاً: الأميركيون الذين يقولون إنهم مع وقف الحرب، لا يفعلون شيئاً لتحقيق ذلك، مشيراً إلى أن جلسة مجلس الأمن المرتقبة، اليوم الخميس، ستحمل مؤشرات على مسار الحراك السياسي.
عملياً ما يُشاع أميركياً غير ما يُضمر، والواضح أن ما يُحضّر للبنان أعمق وأخطر مما يبدو الآن، مع محاولات أميركية لإدخاله بشكل غير مباشر ضمن معسكر التطبيع، وبالتالي إخراجه من معادلة الصراع بعد القضاء على دور حزب الله، ويجب الانتباه إلى ما صرح به مسؤولون أميركيون منذ يومين حول أن بلادهم لا تسعى حالياً إلى إحياء محادثات وقف إطلاق النار بين «إسرائيل» وحزب الله بذريعة أنه ليس من الواضح مع أي جهة لبنانية تتحدث واشنطن.
إذا كان الأمر على هذا المنوال فإلى من كان يأتي عاموس هوكشتين، ومع من كان يتفاوض وإلى من كان يتحدث؟.. وهذا يؤكد أن ما يجري في لبنان حالياً هو نتيجة حتمية لسنوات من التحضير الإسرائيلي لهذه الحرب سواء وقعت «طوفان الأقصى» أو لم تقع، وهو ما بات معروفاً للجميع.
وعليه، وليس تحيزاً للمقاومة اللبنانية والحزب، على جميع اللبنانيين وبإجماع المحللين الانتباه إلى ما يُحاك، والإدراك أن «هزيمة» الحزب إن حصلت وهي مستبعدة فإن لبنان سيكون أمام سيناريو أسوأ مما هو حاصل اليوم.
عمليات الميدان
وباعتبار أن الحسم هو للميدان، فإن المقاومة اللبنانية على ثباتها تواصل استهدافاتها لمستوطنات كيان الاحتلال مع تحول نوعي في إيقاع خسائر بين المستوطنين، ناهيك بالخسائر البشرية العسكرية على مستوى الجنود والضباط لدى أي محاولة للتقدم برّياً، حيث استهدفت المقاومة الآليات الإسرائيلية أثناء تقدمها إلى رأس الناقورة بالصواريخ الموجهة ما أدى إلى احتراقها على الهواء مباشرة وتدميرها وسقوط طاقمها بين قتيل وجريح، وإمطار مستوطنات الاحتلال ومواقع تجمع جنوده بالصواريخ وعلى مدار اليوم من «كريات شمونة» إلى «بيت هلل» و«معيان باروخ»، ومازال في جعبة المقاومة الكثير للساعات المقبلة، في تأكيد ورسائل واضحة بأن المقاومة قوية وصامدة وتُمارس دورها وتحقق أهدافها كما هي وتؤلم في ضرباتها.
حزب الله لم يُهزم ولم ينكسر بعد الاغتيالات ضده و لا يزال قادراً على إلحاق الخسائر والأضرار بـ«إسرائيل»
وباعتراف العدو فإن المقاومة رغم الضربات الموجعة التي تلقتها ولا سيما باغتيال سماحة السيّد حسن نصرالله فإن ذلك لم يكسرها ولم يُغير من المعادلة، إذ أكّدت وسائل إعلام أنّ حزب الله لم يُهزم ولم ينكسر بعد الاغتيالات ضده، معقبةً بأنّ الحزب لا يزال قادراً على إلحاق الخسائر والأضرار بـ«إسرائيل»، مُضيفة: حزب الله كثّف من ضرباته الصاروخية خلال الأيام الماضية، وعلى الرغم من اعتراض الصواريخ، لم تتمكن المنظومات الإسرائيلية من اعتراضها كلها، الأمر الذي يؤدي إلى خسائر كبيرة في الجبهة الداخلية وفي الجيش الإسرائيلي.
في سياق مُتصل، لفتت هذه الوسائل إلى أن «إسرائيل» لا تفكّر استراتيجياً بشأن الاستهدافات الإيرانية، مضيفة: اجتماع الكابينت السياسي الأمني، اليوم، الذي سيقرر طريقة الرد على إيران وتوقيته، عليه ألا يجر «إسرائيل» إلى حرب استنزاف، لأن المجتمع الإسرائيلي وحتى الجيش غير مستعد لحربٍ طويلة، ودعت الحكومة الإسرائيلية إلى إعادة النظر في العلاقات الدولية الواسعة، ولا سيما مع الولايات المتحدة الأميركية من أجل التحوّل من الحرب إلى الدبلوماسية، وبالطبع إعادة التسليح.