تشرين .. انتصارُ الانتماءِ على السلاح
“حاربْ عدوك بالسلاح الذي يخشاه، لا بالسلاح الذي تخشاه أنت”.. حكمةٌ شهيرةٌ منقولةٌ عن المهاتما غاندي، الزعيم الروحي للهند إبان حقبة استقلالها.. ولعلها الجملة المفتاحية التي علينا الانطلاق منها جميعاً في هذه المنطقة المستهدفة، بكل مالدى العدو من طاقة للكراهية و الحقد، ولديه الكثير وربما هذا أكثر ما لديه.
وإن كنا نحتفي اليوم بذكرى انتصارنا في تشرين، كعلامة فارقة في سفر الصراع، يبدو علينا أن نبقى على يقين بأننا أمام عدوّ يخشى أدواتنا ولا نخشى أسلحته، مهما امتلك من التقانة وسخّر من التكنولوجيا.. فأدواتنا – أسلحتنا هي “منظومة مواجهة وثبات” متأصلة في عمق العقيدة والانتماء والهوية الوطنية، وهذا مالم ولن يمتلكه يوماً.
نحتفي بذكرى الانتصار على إيقاع صاخب من المواجهة مع العدو ذاته، الذي وثقنا عليه انتصاراً لاينساه منذ أكثر من خمسة عقود، لم يفتأ بعدها يحاول افتعال حرب إفناء وإلغاء لكل من حوله، ليبدد مخاوف وجودية استحكمت به، فكانت محاولات الإبادة عنواناً لحربه التي خسرها كغاية، وإن ظنّ أنه ربح جولة بأذرع مستعارة تمتد من أميركا إلى أوروبا، إلى هنا في عمق منطقة الشرق الأوسط، المنطقة التي لا يراها إلا فريسة أو مضماراً لمطاردة الفريسة، وهي ناتجة عن “خلطة أدبيات حمقاء” تجمع خلاصات بروتوكولات حكامه، و منظري قرصناته السياسية، مع تجييرٍ وتحريفٍ لحقائق التاريخ بما فيه البعد الديني الملتبس.. وحماقته هي الفجوة الكبيرة التي أخفق في تجاوزها، وهي ذاتها عنصر القوة الذي يمنحنا كقوى مناهضة لمشروعه أسباب الانتصار في بعده المصيري و محصلاته.
نعم الحماقة هي سرّ فشله و انتصارنا، و نقتبس هنا مقولة لحاخام من حاخاماتهم -أميركي الجنسية” للنصر طريقان يؤديان إليه.. براعتك وحماقة عدوك”، وعلى الأرجح هم نسوا أن يحفظوا هذه المقولة من جملة ماحفظوه من تراثهم الذي بنيت عليه جملة أوهامهم وحماقاتهم المتأصلة في تكوين عقيدتهم وعقولهم، وكانت بالفعل سرّ إخفاقاتهم في تحقيق مشروعهم المجنون.
لسنا في صدد سرد إنشائي للشدّ المعنوي في هذه المرحلة الصعبة، بل هي حقائق علينا ألا ننساها جميعاً – كل شعوب المنطقة – ونحن نسأل أنفسنا عن مستقبل الجولة الجديدة من الصراع، ففي لبنان ظهرت حماقاته بإطلاقه العملية البرية التي ورط نفسه فيها، ليحصي خساراته وهو يتلقى الضربات الموجعة.. وفي غزّة ورطته حماقاته ذاتها في مستنقع لم يهتدِ بعد إلى مخرج منه، و خسائره البشرية والمادية باتت حديث مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام التي توثّق وتنشر حقائق كان المطلوب السكوت عنها.. وحماقاته هي من أذلته في حرب تموز 2006.. وهي ما أخرجه من لبنان في العام 2000..
دعونا نكن أكثر واقعية من حملات التهويل الإعلامي ونسأل: أين ومتى انتصر العدو وفي أي حرب شنّها علينا؟؟
أليست الحروب جولات.. في أي جولة لم يخسر عدونا وكنا الرابحين من منظور أس الصراع وعلّته.. منذ حرب تشرين حتى مجريات اليوم في لبنان؟
إن كانت نكسة حزيران انتصاراً له، فإن انتصارنا في تشرين قلب الموازين.. لتتوالى انكسارات العدو منذئذ وحتى اليوم.
الحروب المصيرية تحتاج إلى عقيدة وطنية، وانتماء وهوية وتمسك بالأرض والوطن الأزلي، وهذه مفردات مفصلية في أي صراع، لامكان لها لدى عدونا.. إنها نقطة ضعفه وقوتنا، وإن تفوق بالسلاح الأميركي والأوروبي.
ذكرى تشرين نقطة تحول في تاريخ الصراع مع العدو، نحتفي بها باعتزاز نحن المنتصرين في حرب هي الأقذر من أنواع الحروب.. الحرب الإرهابية التي أدارها على سورية التي تفخر برسوخها وسيادتها وشعبها وجيشها وقائدها.