عشية بدء قطاف الزيتون.. عمال يلمّحون لـ”يومية” تصل إلى 125 ألف ليرة.. وأصحاب بساتين يدعون أولادهم وعائلاتهم للالتحاق بالموسم
تشرين- صفاء إسماعيل:
أيام قليلة، ويبدأ مزارعو الزيتون في اللاذقية بجني محصولهم، الذي يؤقّت معظمهم أوانه بعد “مطرة” أواخر أيلول، حيث تتشبّع الثمرة وتنتج كميات أكبر من الزيت الذي يعد رأسمال المحصول ومشتهى المزارعين في تحقيق الربح، وخاصة في ظل الارتفاع الكبير بأسعار زيت الزيتون، إذ تراوح سعر بيدون الزيت زنة 20 كغ العام الماضي بين 1.5- 1.6 مليون ليرة.
وكما عين أصحاب بساتين الزيتون على موعد جني المحصول، عين عمال “المياومة” كذلك أيضاً، فهو يوفّر فرصة عمل للكثيرين الذين يجدون فيه مصدر رزق جيداً، إن لم يكسبوا فيه المال لقاء جهدهم اليومي، فإنهم يحاصصون صاحب الأرض على نسبة من المحصول، يتم الاتفاق عليها مسبقاً.
بحصة تسند تكاليف أيلول
وجرياً على ارتفاع الأسعار، استبق الكثيرون أوان بدء جني المحصول بالإشارة إلى ارتفاع أجار العامل المياوم، إذ بيّن إبراهيم الذي يعمل كل عام في جني المحصول في ريف جبلة، لـ”تشرين”، أنه في كل موسم يتفق مع صاحب بستان زيتون على مشاركته في جني المحصول مقابل نسبة، مدللاً بأنه في العام الماضي اتفق على أخذ تنكة زيتون واحدة مقابل أربع تنكات لصاحب الأرض، باعتبار كان الإنتاج العام الماضي معاوماً.
محفوض: تحديد “يوميّة” العامل باتفاق مسبق.. وتختلف بين مكان وآخر حسب الإنتاج ونظافة الأرض
وأكد إبراهيم أن عمله في قطاف الزيتون يؤمّن له الزيتون والزيت كمؤونة لعائلته، وخاصة أنه لا يملك أشجار زيتون، ناهيك بأنه لا يتكبّد أجور نقل باعتبار أنه يعمل في قريته ذاتها، وبحسبة بسيطة وسريعة يضيف إبراهيم: تعب أيام قليلة يؤمّن لعائلتي مؤونة العام من الزيتون والزيت.
بدوره، أشار أبو علي إلى أنه يتفق مع صاحب الأرض على أجار يومي يساعده في تحمّل نفقات عائلته وتعليم أولاده، مضيفاً: العام الماضي كانت “يومية” العامل بين 50-60 ألف ليرة، وكانت تشكّل مصدر رزق جيد بالنسبة لنا مقابل جهد أيام قليلة، لكن الموسم الحالي لن نرضى بتقاضي المبلغ ذاته نظراً لارتفاع الأسعار، وحديث الكثيرين بأنهم سيطالبون بـ”يومية” تتراوح بين 100-125 ألف ليرة.
وأوضح أبو علي أنه استدان المال لتدبّر نفقات عائلته فيما يتعلق بالمدارس والمؤونة وغيرها من تكاليف أيلول، مستنداً إلى ما سيجنيه من قطاف الزيتون لسداد الدين.
سامي طالب جامعي، يؤكد أنه ينتظر موسم الزيتون بفارغ الصبر للظفر بمبلغ جيد يؤمّن له تكاليف دراسته ويساعد به أبويه في تدبّر بعض تكاليف المنزل بالنسبة لمؤونة الشتاء، مشيراً إلى أنه في العام الماضي تقاضى 50 ألف ليرة يومياً لمدة عشرة أيام، وقد استطاع بالمبلغ أن يشتري كتباً.
من المتوقع أن يكون إنتاج الزيت جيداً نظراً لجودة الثمرة
وأضاف: لكن الموسم الحالي سأطالب بمبلغ أكبر، نظراً لارتفاع الأسعار من جهة، وحديث الكثيرين ممن يعملون “مياومة” بأنهم سيطالبون بأجر بين 100-125 ألف ليرة.
“خيار خاسر”.. وعلى المتضرر الاستعانة بأولاده
في المقلب الآخر، أكد أبو سعيد صاحب بستان زيتون أنه سيستعين بأولاده وزوجاتهم وأولادهم للمشاركة بجني المحصول، فالإنتاج ليس وفيراً هذا العام كما السنوات السابقة، التي لا يكون فيها معاوماً، وعليه فإن استئجار عمال مياومين يعد خياراً خاسراً بالنسبة له، ولاسيما في ظل الحديث عن ارتفاع “يوميّة” العامل إلى 100 ألف ليرة.
فيما يرى أكرم صاحب بستان مجاور أن تقاضي العامل نسبة من المحصول أمر مقبول ومتعارف عليه، حيث اعتاد على التعامل بهذه الطريقة خلال السنوات السابقة، مشيراً إلى أنها حسبة مرضية للطرفين، يحققان فيها الفائدة المتبادلة.
“اتفاق في الحقلة”
بدوره، بيّن رئيس اتحاد فلاحي اللاذقية أديب محفوض لـ”تشرين” أن ثمرة الزيتون للموسم الحالي جيدة نظراً للتأثير البسيط لحشرة ذبابة الزيتون عليها، مشيراً إلى أن الإنتاج يقدّر بـ 47.5 ألف طن.
وحول ارتفاع أجور العمال لهذا العام، أكد محفوض أن القطاف لم يبدأ بعد، لكن الأحاديث المتداولة حالياً تشي بأن العامل يريد التقاضي بين 100-125 ألف ليرة عن كل يوم يقوم فيه بجني المحصول، مشيراً إلى أن عدداً كبيراً من أصحاب بساتين الزيتون سيجنون محصولهم بأنفسهم توفيراً لأجور العمال، إلا في حالات الأراضي الواسعة التي سيضطر أصحابها للاستعانة بالعمال.
وحسب محفوض، هناك حالات كثيرة متعارف عليها بأن يتم الاتفاق بين أصحاب الأراضي والعمال مسبقاً على “الحصة”، أي أن يأخذ العامل حصته من المحصول في نهاية عمل كل يوم، الأمر الذي يختلف من مكان لآخر حسب الاتفاق، مدللاً بأن البعض يتفق أن يأخذ العامل تنكة زيتون مقابل خمس أو أربع أو ثلاث تنكات زيتون يأخذها صاحب الأرض، أو الاتفاق على ربع أو ثلث أو خمس المحصول اليومي، عازياً الفرق حسب إنتاج الأشجار من ثمار الزيتون، ونظافة الأرض.
وأكد محفوض أنه في أواخر أيلول الجاري، يبدأ المزارعون بجني محصول الزيتون، وخاصة أن معظم المناطق المزروعة بالزيتون في المحافظة قد شهدت أمطاراً وقد أينعت الثمرة وتشبّعت بالزيت، متوقعاً أن يكون إنتاج الزيت جيداً، نظراً لأن الثمرة الجيدة والسليمة تنتج زيتاً بنسبة أكبر وبجودة عالية.
“رزقة جيدة”
الخبير الاقتصادي عبد الله حسن، بيّن أن موسم قطاف الزيتون يعد فرصة لعدد كبير من الأشخاص الذين لا يملكون أشجار زيتون للحصول على مؤونة الزيتون والزيت، أو الظفر بمبلغ مالي جيد مقابل العمل لأيام عدّة.
حسن: قطاف الزيتون مصدر دخل جيد لموظفين وطلاب جامعات وأرباب عائلات
ووراء غاية واحدة، تختلف الأسباب والدوافع، فالأشخاص الذين يعملون وفق نظام المياومة في بساتين الزيتون موزعون بين موظفين يقدمون إجازة أسبوعية للالتحاق بأحد البساتين والحصول على مبلغ جيد يدعم نفقات بداية العام الدراسي وتحضير مؤونة الشتاء، وبين طلاب جامعات يسعون لتدبر نفقات دراستهم، وخاصة الكتب وبعض المستلزمات الأخرى حسب كلّياتهم، وبين أرباب عائلات يعملون في الأعمال الحرة أي “كل يوم بيومه”، حيث يشكل قطاف الزيتون “رزقة جيدة”.
كما أشار حسن إلى أن هناك أشخاصاً يأتون من المحافظات المجاورة للعمل في قطاف الزيتون، بناء على تواصل من قبل أصحاب الأراضي وعلى تعامل سابق فيما بينهم.
معظم العمال سيختارون “اليوميّة” النقدية بسبب تراجع الإنتاج
ويرى حسن، أن معظم العمال سيتجهون في الاتفاق مع صاحب الأرض على أجرة يومية والابتعاد عن المحاصصة بنسبة من المحصول، وذلك بسبب تراجع الإنتاج للعام الحالي مقارنة بالسنوات الماضية التي لا يكون فيها الإنتاج معاوماً.
وحسب حسن، رغم الحديث عن رفع أجرة يومية العامل إلى 100 ألف أو 125 ألف، فإن ذلك مقبول نظراً لتقاضي العامل خلال الموسم الماضي 50 ألف ليرة “يومية”، ناهيك بارتفاع الأسعار.
وأضاف: إن أصحاب الأراضي الواسعة المزروعة بالزيتون مضطرون للاستعانة بالعمال ودفع “يومية” مرضية للطرفين، وخاصة إذا كان أصحاب الأرض خارج البلاد أو لديهم أعمال أخرى ولا يستطيعون التفرغ لقطاف محصولهم، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الزيتون التي استبقت أوان القطاف وحجزت تسعيرتها بـ 15 ألف ليرة في بعض المحال.