«ملف تشرين».. علاقة ملتبسة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.. تفاصيل بانتظار الحسم على خط مراقبة أداء الحكومة
تشرين- يسرى المصري:
أليس بالمستغرب أن مجلس الشعب خلال عدة أدوار تشريعية لم يقم بحجب الثقة وهي أحد أقوى أدوات المحاسبة عن أي وزير؟ هل هذا يعني أن أداء الوزراء كان مثالياً، أو أن أداء بعض أعضاء مجلس الشعب كان متواضعاً، أم إن النظام الداخلي لديه من الثغرات ما يجعله غير قادر على التصرف وفق الإستراتيجيات المطلوبة والمبنية على القوانين والتشريعات النابعة من بيئتنا وعاداتنا وروح بلادنا كالكثير من القوانين التي يتم استنساخها من بيئات لا تنطلق من خصوصية بلادنا ويصعب تطبيقها في نهاية المطاف.. وإذا لم تكن هناك محاسبة..فهل هذا يعني أنّ المساحة المخصصة للمحاسبة تتقلص باستمرار ويعني أنّ البطاقات الصفراء والحمراء بغير إضاءة أو فاعلية …
السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد رئيس الجمهورية طرح أفكاراً إستراتيجية تخص مجلس الشعب قال :”مجلسكم هو المؤسسة الأهم لانعكاس أدائها على مؤسسات الدولة كافة، وبذلك على المواطنين عامة، لذا فإن تطوير أنظمته وآليات عمله هو أولوية أولى تستند إليها بقية الأولويات”.
والسؤال: هل وصلت الرسالة، وما هي الخطوة المنتظرة من مجلس الشعب ، والى متى سيبقى الأداء على استحياء !؟
من يخطئ يحاسب!
يحق لمجلس الشعب حجب الثقة عن الوزارة أو وزير فهو أعلى سلطة تشريعية موجودة في أي بلد وهو الذي يرسم خطوات الحكومة في كل المجالات و من مهامه أيضاً أن يراقب عملها ويحق له حجب الثقة عنها بشكل كامل أو عن بعض الوزراء إن وجد تقصير في أداء أعمالهم.
اللحام: إذا اقتضى الأمر فهناك استجواب لكل من تستدعي الحاجة لسماعه من أعضاء الحكومة ولن يكون لهذا الأمر أي حدٍّ أو قيد إلّا مصلحة الشعب
وعندما يحتكم مجلس الشعب إلى الشعب ويجعل مصلحته هي الغاية والهدف الذي يطمح إليه سيكون من الطبيعي أن من يخطئ يحاسب.
الكلام أصبح في سياق التنفيذ..فالسيد الرئيس الدكتور بشار الأسد تحدث في عدة أدوار تشريعية عن الدور الرقابي وآليات المحاسبة للمجلس.. وهو أهم دور يقوم به على السلطة التنفيذية، موضحاً أن الرقابة لا تبدأ مع التقصير الذي يقوم به المسؤول التنفيذي بل تبدأ بالتخطيط وتكتمل عندما يكون هناك تقصير أو خلل ما وعندما تبدأ السلطة التنفيذية بالتخطيط لا بدّ أن يكون هناك حوار مباشر بينها وبين السلطة التشريعية ويناقش المجلس مع هذه الجهات ويبدأ مع الحكومة حسب الصلاحيات المنوطة به للمحاسبة عندما تقدم البيان الوزاري ولاحقاً يطلب من كل وزير خطته وما هي رؤيته لهذا القطاع المسؤول عنه ثم يأتي بعد ذلك دور المجلس في المتابعة والرقابة ولاحقاً عندما يكون هناك تقصير يكون دور المجلس هو المحاسبة وهنا يتحمل المجلس أمام الناخب وأمام المواطن مسؤولية النقاش ويجب أن يكون عضو المجلس قادراً على النقاش والموافقة على خطة يتحمل مسؤوليتها مع السلطة التنفيذية، وطبعاً هو لا يتحمل مسؤولية التنفيذ، وهذا يتطلب من كلّ عضو ألّا يتحول إلى مجرد قناة بين المواطن ومؤسسات الدولة بل هو حالة تفاعلية قادرة على طرح الأفكار والخطط ومناقشتها أيضاً مع السلطة التنفيذية لنرى إذا كانت هذه الخطة ممكنة وقابلة للتنفيذ أم لا .
فهل ينجح أعضاء المجلس في ممارسة دورهم والمهام التي أنيطت بهم وهل لدى الأعضاء الدراية الكاملة باستخدام هذه الأدوات ؟!!
مساءلة
تختلف العلاقة بين الأعضاء وجمهور الناخبين عن العلاقة بين المواطنين والحكومة، وذلك تبعاً لاختلاف الدور والصلاحيات وطريقة تولي المنصب، وغيرها من العوامل.. حيث إن أساس عمل البرلمانيين هو “النيابة عن المواطنين” في وضع التشريع، ومراقبة الحكومة، في حين أن الحكومة، تقوم بتنفيذ السياسات التي يقرها البرلمان، وتكون مسؤولة أمامه أولاً من الناحية الدستورية والسياسية، وبالتالي فالأرجح أن تكون علاقتها مع الناخبين غير مباشرة.
ويؤكد الأستاذ جهاد اللحام رئيس المحكمة الدستورية العليا، ورئيس مجلس الشعب السابق، أنه إذا اقتضى الأمر فهناك استجواب لكل من تستدعي الحاجة لسماعه من أعضاء الحكومة ولن يكون لهذا الأمر أي حدٍّ أو قيد إلّا مصلحة الشعب حتى إذا اقتضى الأمر حجب الثقة عن بعض أعضائها انطلاقاً من أن السكوت عن الخطأ أمر لا يبرر إلّا من منطلق التقاعس، كما أنّ المحاسبة ستكون ضمن أسس موضوعية دقيقة وضمن معايير واضحة.
هناك حاجة إلى أفكار جديدة لتفعيل السلطة الرقابية والمحاسبية الممنوحة للمجلس
دور فعّال
ويوضح اللحام أنه يمكن للمجلس في ضوء الصلاحيات المتاحة أن يقوم بدوره الفاعل و الرقابي على أداء الحكومة عملاً بتوجيهات السيد الرئيس والذي نص عليه النظام الداخلي في المادة /151/ من استجواب وحجب ثقة و الاستجواب هو مطالبة السلطة التنفيذية ببيان أسباب تصرفها في أمر ما أو الغاية منه من دون أن ينطوي الطلب على ما يدل التدخل في أعمال السلطة التنفيذية، وهناك آلية قانونية للاستجواب يلتزم بها عضو مجلس الشعب الذي أراد استجواب عضو أو أكثر من الحكومة بحيث يوجه استجوابه بصورة خطية ثم يبلغ رئيس المجلس الاستجواب إلى السلطة التنفيذية ويدرجه في جدول أعمال أول جلسة و يحدد موعد مناقشته بعد خمسة أيام، بعد ذلك يشرح المستجوب موضوع استجوابه ثم يجيب الوزير المختص فإذا اكتفى عضو مجلس الشعب بالجواب عُدّ الموضوع منتهياً وإلّا كان له الحق باللجوء إلى طلب حجب الثقة.
حالة نادرة
ويرى اللحام: فيما يتعلق بحجب الثقة لم يحدث ذلك من قبل خلال الأدوار التشريعية السابقة إلّا في حالة نادرة رغم ورود هذه المطالبة في النظام الداخلي حيث يحق لعضو مجلس الشعب التقدم بطلب حجب الثقة عن الوزارة أو عن أحد أعضائها بصورة خطية موقعاً من خمسة أعضاء في المجلس على الأقل ويبلّغ الرئيس الطلب فور تلقيه إلى رئيس الوزراء والوزير المعني ويدرج في جدول أعمال أول جلسة تعقد بعد يومين من تقديمه ويحق للوزارة أو الوزير المطلوب حجب الثقة عنه وطلب تأجيل المناقشة مدة لا تتجاوز ثلاثة أيام وفي حال حجب الثقة عن الوزارة يجب أن يقدم رئيس مجلس الوزراء استقالة الوزارة إلى رئيس الجمهورية، كما يجب على الوزير الذي حجبت الثقة عنه تقديم استقالته. ويكون قرار المجلس بحجب الثقة بأغلبية أعضاء المجلس ويبلغ رئيس المجلس قرار حجب الثقة عن الوزارة أو الوزير إلى رئيس الجمهورية فور صدوره.
الفرصة الكافية
ونعود إلى السؤال: كيف يحصل أعضاء مجلس الشعب على المعلومات التي يتم من خلالها اللجوء إلى أدوات المحاسبة..هل تكون عبر تقارير تفتيشية أم لجان مختصة في مجلس الشعب أو من المواطنين ومصادر فردية؟
نتفق بداية أن عضو البرلمان “شخصية عامة” ومن ثمّ يحتاج للمحافظة على مصداقيته وسمعته وإلّا فربما فقدَ مكانته، والثقة التي يريدها من الجماهير.
كما أن عضو البرلمان عليه التزام أخلاقي، باعتباره أحد طرفي عقد وكالة أو نيابة مع المواطنين (في حالة انتخابه) أو عقد تكليف مع الحزب (إذا كان يمثل حزباً من الجبهة)، وفي الحالتين فإن المعني بتحقيقه لهذا الالتزام هو المجتمع في مجموعه، ولا بدّ بالتالي أن يتمتع بأخلاقيات سياسية.
اللحام: يمكن للمجلس في ضوء الصلاحيات المتاحة أن يقوم بدوره الفاعل و الرقابي على أداء الحكومة
وفى حالة البرلمان المنتخب، فإن هذا الالتزام الأخلاقي يتحول إلى مصلحة عملية، حيث إنّ أهل هذه الدائرة هم الذين قاموا بانتخابه لتمثيلهم يتأثرون بعلاقاته معهم عندما يخوض امتحاناً ثانياً لشعبيته، أي من أجل تعزيز ثقة الناخبين، ولضمان استمراره في العمل العام.
رقابة
ويلفت اللحام أنّ على أعضاء المجلس متابعة- كل بحسب حيز تواصله المباشر مع الناس- نقاط الخلل والتقصير في تقديم خدمات الناس والمظالم التي تقع بحقهم ليكون المجلس صوت الشعب فيقترح ويطرح الأفكار التي تساعد على الحلول والبدائل الكفيلة بتحقيق العدالة الاجتماعية وإعادة بناء العلاقة الصحيحة والصحية بين المواطن والدولة.
في الواقع رغم أنه من أولى المهام المنوطة بمجلس الشعب تفعيل دوره الرقابي على أداء الحكومة ومؤسساتها وإعادة النظر في القوانين والتشريعات النافذة وتعديلها بما يتوافق مع الدستور ويلبي تطلعات مختلف شرائح المجتمع. إلّا أنّ آلية الحصول على المعلومات تقوم في الكثير من الأحيان على اعتماد بعض الأعضاء على ما يصل إليهم من شكاوى مباشرة من المواطنين وقد تكون تقارير تفتيشية أو تقارير من اللجان التابعة للمجلس..وهذا الأمر هو محل بحث حيث يتم توجيه السؤال الخطي وهو أحد آليات المحاسبة إلى الوزير المختص، وخلال المدة المحددة يصل الجواب عبر الوزارة المعنية وإذا لم تكن الإجابات كافية يتم استدعاء الوزير..وبطريقة ما فإن المعلومات حتى ولو لم تكن موثقة بالشكل المطلوب ..إلّا أنّ سؤال الوزير ومتابعته للمعلومات حول المؤسسة أو الجهة التابعة له تشكل نوعاً من الرقابة الهادفة لتصحيح الاعوجاج كما وجد ..
متابعة
بشكل عام تقوم الحكومة بوضع خطة وبرنامج عمل زمني ودور عضو المجلس أن يسأل الوزير ماذا أنجز لغاية الآن ، ويجب متابعة كل مرحلة عمل في الوزارات حسب الخطط التي تضعها وعندما يحدث تقصير في التنفيذ فهذا يستوجب مساءلة الوزير واستخدام صلاحيات المجلس ومنها حجب الثقة ولكن بعد إعطاء الوقت والفرصة الكافية للوزير .
مجلس خبراء ومستشارين
في الكثير من الأحيان تتم مناقشة قوانين اختصاصية وذات أهمية وتحتاج إلى معلومات دقيقة فهل تتوافر الكفاءات والمهارات بالمستوى نفسه لأداء الأعضاء لمناقشة هذه القوانين أم إن البعض يحتاج إلى الاستعانة بخبراء ومستشارين يقدمون لهم المعلومات المطلوبة والاقتراحات المطلوبة على مستوى التطوير الفعلي لهذه القوانين ؟
العكّام: نمر وسط ظروف صعبة وأي وزير يقصِّر يحاسب وتحجب عنه الثقة والوزير الذي يعمل سوف يعمل معه الأعضاء جنباً الى جنب
يقول عضو مجلس الشعب السابق محمد خير العكام..عندما ينعكس التنوع الموجود في الوطن ويمثل في مجلس الشعب فهذا يعني سلامة العملية الديمقراطية في سورية ويعمق هذه التجربة، وكذلك وجود عدد من الأحزاب والمستقلين يؤدي بالنتيجة إلى تنوع الرؤى ما يغني صاحب القرار بإعطائه مجموعة من وجهات النظر لتعديل مختلف القوانين بما يتماشى وينسجم مع تحسين أداء الوزارة ومؤسساتها.
وكل ما هو مطلوب من أعضائه القيام بما يمليه عليهم الضمير والوجدان بما يحقق مصالح الشعب والوطن، حيث إن هناك كمَّاً هائلاً من العمل التشريعي والرقابي في انتظارهم خاصة أنّ الشعب ينتظر الكثير من أعضاء المجلس.
فنحن اليوم في الدور التشريعي الرابع نمر وسط ظروف صعبة وأي وزير يقصّر يحاسب وتحجب عنه الثقة والوزير الذي يعمل، يعمل معه الأعضاء جنباً الى جنب.
كما أن من أولويات المجلس تحديث نظامه الداخلي والعمل وفق آليات جديدة لأن الآليات النافذة حالياً غير مجدية إضافة إلى أن هناك حاجة إلى أفكار جديدة لتفعيل السلطة الرقابية والمحاسبية الممنوحة للمجلس.
سلامة الديمقراطية
ويضيف العكام: لا مجال للتغاضي، وعلاقة السلطة التشريعية مع السلطة التنفيذية يجب أن تقام على النقد البناء واحترام وجهات النظر واختلاف الرأي تحت سقف الوطن ولأن الأولوية للملفات الاقتصادية والمعيشية فلا مجال للتغاضي عن التقصير والفساد، فالوصول الى قبة مجلس الشعب أمانة وتكليف عالي المستوى من قبل المواطن الذي اختار طواعية من سينوب عنه…و يتحدث عن همومه وتطلعاته ويأخذ على عاتقه رفع مستواه المعيشي والاجتماعي ..
قوة المجلس تقاس بمستوى أداء الأعضاء فى المجال التشريعي والرقابي.. والمحاسبة تصل إلى حجب الثقة عن الوزير لدى حدوث تقصير أو خلل
مستوى الأداء
وعن مدى استعداد أعضاء المجلس لممارسة دورهم يرى الخبراء والمتابعون أنّ ذلك سيظهر خلال النقاشات التي ستجري في المجلس ومدى تحمس الأعضاء لأخذ دورهم بشكل فاعل ولا شك في أن قوة المجلس ستقاس بمستوى أداء النواب في المجال التشريعي والرقابي.
تدارك القصور
من جهة أخرى يرى عضو مجلس شعب سابق أنّ مجلس الشعب يجب أن يكون جاداً في الارتقاء بالأداء التشريعي للمجلس من خلال تدارك القصور فى أدوار الانعقاد السابقة والتي من أهمها التعجل في إدراج مشروعات القوانين في جدول الأعمال، ومعالجة السلبيات التى اكتنفت عملية تقديم أعضاء المجلس لاقتراحات مشروعات القوانين. وفى هذا الإطار فالمطلوب أن يتضمن النظام الداخلي الجديد العديد من الآليات التي تعين اللجان مثل الحصول على البيانات، والزيارات الميدانية، ودعوة المسؤولين لسماع رأيهم. وألّا تكون الحكومةُ حكومةَ مكاتب وسكرتيرات.. المطلوب حكومة ميدانية .
قوة المجلس
لكي يمارس مجلس الشعب دوره الرقابي الحقيقي من متابعة واستجواب وحجب ثقة، فهناك اتفاق على أن قياس قوة المجلس الحالي لا تكون بالاحتكام إلى حجم المبادرات التشريعية من قبل الأعضاء لأنه بالإضافة إلى ذلك هناك مؤشرات أخرى مثل الانتظام في حضور اجتماعات اللجان النوعية والمشاركة الجادة في أعمالها، و المشاركة فى النقاشات العامة، وفوق كل ذلك استخدام الأعضاء الأدوات الرقابية المكفولة لهم دستورياً، بشكل مدروس ومبني على أرقام ويكون مدعوماً بالحجة والبرهان لكي يكون له تأثير.
وخلال الدور التشريعي الرابع يتطلع المواطنون والناخبون إلى جودة أداء أعضاء المجلس خلال مداخلاتهم بما يتضمن تحميل الحكومة لكامل مسؤولياتها في إيجاد حلول للصعوبات التي يعانيها المواطن و عدم الاسترسال في وصف الصعوبات التي تعوق عمل الحكومة، فالظرف الصعب الذي تعيشه البلاد يحتاج إلى وزراء قياديين وليس إلى وزراء موظفين.
أقرأ أيضاً: