المقاومة الفلسطينية تتصدى للفخاخ الأمريكية- الإسرائيلية.. هل يُغلق باب التفاوض أم يُفسح المجال لوسطاء جدد؟.. وواشنطن «تهدأ» بعد انحسار «طبول الحرب» نسبياً
تشرين- هبا علي أحمد:
باتت لعبة المفاوضات مكشوفة وواضحة للجميع، وهي لعبة اتخذتها واشنطن لدعم كيان الاحتلال الإسرائيلي في حرب الإبادة الجماعية التي يُمارسها في غزة.. ومع كل جولة جديدة نشهد مراوحة في المكان وعبثًا أمريكياً مفضوحاً وفجاً، مع تعمد بث إشارات «إيجابية» لكنها لا تمت للواقع بصلة، وأساساً كان طريق التفاوض واضحَ النتيجة منذ البداية مع إصرار إسرائيلي على العرقلة، وإن استمرت المقاومة المقاومة الفلسطينية في التفاوض رغم إدراكها الواقع، كي لا تعطي الاحتلال أيّ ذريعة، وبالتالي تحميلها المسؤولية لاستمرار العدوان، كما أن الاستمرار في التفاوض لا يُلغي الخطوط الحمراء التي وضعتها المقاومة منذ اليوم الأول للمواجهة، أما بعد اتضاح الصورة بشكل أوسع، فالتساؤلات المطروحة باتت حول إمكانية إغلاق المقاومة باب التفاوض وبالتالي الانتقال إلى خيارات أخرى أم إن ما سمي بـ«الفرصة الأخيرة» حول التفاوض مازال قائماً؟
قد تتجه «حماس» نحو إغلاق باب التفاوض بشكلٍ كامل مع «إسرائيل» في ظل مواصلة نتنياهو نصب الفخاخ واللعب بالألفاظ والجمل لتعطيل أي توافق
– تغيير الإستراتيجية
بعد فشل جولة المفاوضات الأخيرة في التوصل لوقف إطلاق نار وعقد صفقة تبادل الأسرى في قطاع غزة، تحدّثت تقارير إعلامية عن اتجاه حركة «حماس» إلى تغيير إستراتيجيتها في التفاوض مع كيان الاحتلال الذي يُعطل أي صفقة ويضع العقبات أمام أي اتفاق، ووفق المعلومات التي وردت أمس في أعقاب جولة التفاوض، قد تتجه الحركة إلى إغلاق باب التفاوض بشكل كامل مع «إسرائيل»، في ظل المماطلة التي تُمارس بهذا الملف منذ أشهر طويلة، ومواصلة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، نصب الفخاخ واللعب بالألفاظ والجمل لتعطيل أي توافق، كما أن كافة المبادرات أو الأوراق التي تُطرح وخاصة من الطرف الأمريكي، تصب مجملها في صالح الاحتلال وإطالة أمد العدوان.
وتحدّثت المصادر أنه من ضمن الخيارات المتاحة أمام «حماس»، قبل إغلاق باب التفاوض، إدخال وساطات جديدة بملف المفاوضات خاصة أن عدة دول عرضت وساطتها على رأسها الإمارات وسلطنة عمان وتركيا وحتى روسيا، وهو ما يشكل قوة ضغط جديدة على الاحتلال للتعامل بإيجابية مع الملف الشائك والمعقد، والذي فشلت مصر وقطر بإحراز أي تقدم فيه خلال الأشهر الماضية.
إدخال وساطات جديدة بملف المفاوضات على رأسها الإمارات وسلطنة عمان وتركيا وحتى روسيا قد يشكل قوة ضغط جديدة على الاحتلال
المراقب لمسار المفاوضات يُدرك أنه مسار فاشل لا فائدة تُرجى منه، إذ مع كل إشارة حول «تقدم» ما يعمد نتنياهو والأمريكي أيضاً إلى الالتفاف عليه، إذ كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أنه كلما تم التوصل إلى حلّ بند في المفاوضات يضيف نتنياهو بنداً جديداً، وبالتالي توضع أعباء جديدة على المفاوضات، قد تؤدي إلى أشهر عقيمة من التفاوض، مشيرة إلى أنّ وفد التفاوض الإسرائيلي الذي أرسل إلى القاهرة حمل معه مقترحاً رُفض سابقاً، ينص على حفر قنوات في محور «نيتساريم» لا يسمح بعبور مركبات، واصفةً المقترح بغير العادي لحل مشكلة المحور، ورأت الصحيفة أنّ هذه الخطة غير ممكنة، و سبق أن رُفضت منذ مدّة والفريق عارضها بشدة، مشددةً على أنّه رغم ذلك لم يتنازل عنها نتنياهو بينما رفضها الوسطاء بشكل كليّ.
نتنياهو يحاول وضع أعباء جديدة على المفاوضات قد تؤدي إلى أشهرٍ عقيمة من التفاوض
وحول الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في التفاوض، لفتت «يديعوت أحرنوت» في السياق، إلى أنها تنص على أن تقوم الفرق المهنية أولاً بمناقشة القضايا والتفاصيل حول القضايا التي يكون الخلاف حولها أقل صعوبة – مثل الفلسطينيين الرئيسيين الذين سيتم إطلاق سراحهم في الصفقة وعدد الأسرى الفلسطينيين، و يمكن لـ«إسرائيل» أن تستخدم حق النقض (الفيتو) ضدهم، وبعد ذلك، إذا توصل الطرفان إلى اتفاقات بشأن جميع القضايا، سيكون من الممكن مناقشة النقطتين الرئيستين اللتين يدور حولهما جدل كبير: وجود الجيش الإسرائيلي في محور «نيتساريم» وعلى طول محور« فيلادلفيا».
– انحسار مخاطر الحرب
بالتوازي لا تزال جبهة الإسناد اللبنانية تشغل حيّزاً كبيراً من الاهتمام الأمريكي، ولاسيما بعد عملية «يوم الأربعين» التي نفذها حزب الله ضد مواقع إستراتيجية للعدو الإسرائيلي، رداً على اغتيال الشهيد فؤاد شكر قبل نحو شهر، ولاسيما أنّ الأمور كانت تتراوح بين احتمالات الذهاب إلى تصعيد كبير وبالتالي مخاطر اندلاع حرب شاملة، وبين التبريد، لكن الوارد إلى الآن أن تبريد الجبهة هو القائم، واللافت أن واشنطن تسعى إلى الاحتواء ليس لتجنيب المنطقة من اندلاع حرب شاملة، بقدر ما هي مساعٍ لحماية كيان الاحتلال الذي– كما ذكرنا سابقاً- ابتلع الضربة.
تصعيد الكيان ومستوطنيه وتيرة جرائمهم في الضفة المحتلة هو قرار بالحرب المفتوحة غير المعلنة على الشعب الفلسطيني.
في السياق، أكد رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية تشارلز براون، انخفاض خطر اندلاع الحرب الشاملة في الشرق الأوسط، بعد انتهاء رحلته التي استمرت 3 أيام إلى الأردن ومصر وفلسطين المحتلة. وكان وصوله إلى الأراضي المحتلة قد جاء بعد ساعات فقط من قيام حزب الله عملية «يوم الأربعين».
وقال براون: خطر اندلاع حرب أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط في الأمد القريب خف إلى حدٍّ ما، مؤكداً أنّ عملية حزب الله هي واحدة من أكبر الاشتباكات في أكثر من 10 أشهر من حرب الحدود، كما أشار إلى أنه نُفذ أحد الأمرين المتوقعين، والآن يعتمد الأمر على كيفية رد إيران الذي سيكون من محددات حجم الصراع.
– عدوان على الضفة
الواضح أنّ كيان الاحتلال يتجه إلى التصعيد وارتكاب المزيد من الجرائم والمجازر الممنهجة، ففشل تحقيق الأهداف في قطاع غزة -رغم الوضع الكارثي وعلى جميع المستويات الذي حلّ بالقطاع وأهله- يدفع الاحتلال إلى إشعال الضفة الغربية المحتلة مراراً وتكراراً، إذ شنّ جيش الاحتلال عدواناً واسعاً على الضفة الغربية، في ما وصفه بـ «العملية العسكرية» مُستهدفاً أحد المنازل في مخيم نور شمس قرب مدينة طولكرم ، ما أدى إلى ارتقاء 5 شهداء، وجرح عدة فلسطينيين، حسبما أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية.
وفي إثر الجريمة الإسرائيلية، حمّلت فصائل العمل الوطني في طولكرم المجتمع الدولي مسؤولية عدم وقف العدوان على الشعب الفلسطيني، كما أُعلن عن إضراب عام في طولكرم حداداً على الشهداء الـ5 قبل أن يقتحم الاحتلال المدينة.
ودعت «حماس» إلى جعل اليوم الثلاثاء يوم غضبٍ ونفير في كافة ربوع الضفة الغربية واستثمار حالة الإضراب لإشعال نقاط التماس والمواجهة، في حين شدّدت حركة «الجهاد الإسلامي» على أنّ تصعيد الكيان ومستوطنيه وتيرة جرائمهم في الضفة المحتلة خلال الساعات القليلة الماضية هو قرار بالحرب المفتوحة غير المعلنة على الشعب الفلسطيني.
إلى ذلك، جددت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» التأكيد على أن الوضع في قطاع غزة كارثي، وأنّ المساحة التي حاصر الاحتلال الإسرائيلي أهالي القطاع فيها ضئيلة للغاية في ظل تلقي المزيد من أوامر الإخلاء لمناطق في جميع أنحاء غزة على مدار الأسبوعين الماضيين، كما أن الوصول إلى الموارد الإنسانية محدود للغاية لأن العمليات الإنسانية تنزح هي الأخرى في ظل أوامر الإخلاء هذه.
وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن عدد ضحايا عدوان الاحتلال المتواصل لليوم الـ 326 على القطاع ارتفع إلى 40476 شهيداً و93647 جريحاً، فيما لايزال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.