الذكاء الاصطناعي واستخدامه في الحروب والعدوان على غزة
تشرين- د.م. محمد رقية:
قبل القمة بين الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الأميركي جو بايدن، في نوفمبر من عام ٢٠٢٣ انتشرت اقتراحات مفادها أن الرجلَين سيتفقان على حظر الأسلحة الفتّاكة ذاتية التحكم.
لم تثمر القمة عن مثل هذا الاتفاق، لكن العديد من الخبراء يرون أن الذكاء الاصطناعي يمتلك القدرة على إحداث ثورة في الحروب، ما سيولّد تغييرات كبيرة في النزاعات المسلحة وفي المنافسة على الهيمنة العالمية.
يقول مراقبون إن بكين تستثمر بشكل هائل في الذكاء الاصطناعي لدرجة أنها قد تتمكّن من تغيير ميزان القوى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وربما أبعد من ذلك.
ولذلك آثار عميقة على النظام العالمي الذي هيمنت عليه لفترة طويلة الولايات المتحدة.
وتتمثل مظاهر استخدامات الذكاء الاصطناعي في الحروب، بأسلحة مستقلة ذاتية التحكم، حيث يمكن لجميع أنواع الأسلحة، أكانت روبوتات أو طائرات مسيّرة أو طوربيدات على سبيل المثال، أن تتحول إلى أنظمة ذاتية التشغيل بفضل أجهزة استشعار متطورة تحكمها خوارزميات بالذكاء الاصطناعي تسمح للكمبيوتر “بالرؤية”.
ويوضح الأستاذ في علوم الحواسيب في جامعة كاليفورنيا بيركلي راسل بأنها “هي أسلحة قادرة على تحديد مواقع الأهداف البشرية واختيارها ومهاجمتها أو الأهداف التي يوجد بداخلها بشر، من دون تدخل بشري”.
ويمكن للأسلحة ذاتية التحكم أن تتمتع بالعديد من المزايا بالنسبة للجيش المهاجم، إذ يمكنها أن تكون أكثر كفاءة ويمكن إنتاجها بتكلفة أقل وتُغني عن المشاعر الإنسانية الصعبة مثل الخوف أو الغضب في ساحة المعركة.
لكن هذه المزايا تثير أسئلة أخلاقية عديدة.
ونشير هنا إلى برنامج “ريبليكيتور” الذي أطلقته وزارة الدفاع الأميركية لمواجهة التفوق الذي تتمتع به الصين في القدرات البشرية، ويشمل الغواصات والقوارب والطائرات القادرة على العمل بشكل مستقل، والهدف من هذا البرنامج هو التمكن من نشر عدة آلاف من الأنظمة الرخيصة وسهلة الاستبدال في وقت قصير في مختلف المجالات من البحرية وصولاً إلى الفضاء الخارجي، حسبما تقول نائب وزير الدفاع الأميركي كاثلين هيكس.
وهناك العديد من الشركات التي تعمل على تطوير واختبار مركبات مستقلة متنوعة، مثل شركة “أندوريل” ومقرها في كاليفورنيا في وقت سابق من هذا العام، قال رئيس شركة “سكيل إيه أي” Scale AI للذكاء الاصطناعي ألكسندر وانغ خلال جلسة استماع في الكونغرس الأميركي: “على الجميع في وزارة الدفاع الأميركية أن يفهم أن البيانات هي في الواقع الذخيرة في حرب الذكاء الاصطناعي”.
وأضاف: “نملك أكبر أسطول من الأجهزة العسكرية في العالم، يولّد هذا الأسطول 22 تيرابايت من البيانات يومياً، لذلك، إذا تمكنّا من إعداد واستخدام هذه البيانات التي تولّدها مجموعات خاصة للذكاء الاصطناعي، يمكننا امتلاك تفوق في البيانات لا يمكن التغلب عليه عندما يتعلق الأمر بالاستخدام العسكري للذكاء الاصطناعي”.
إن عسكرة الذكاء الاصطناعي له آثار خطيرة على الأمن العالمي، بما في ذلك تطوير ونشر أنظمة الأسلحة الفتاكة التي يمكن أن تعمل دون تدخل بشري، ما يزيد من الهيمنة العسكرية للدول المتقدمة تقنياً على دول العالم الثالث.
وقد لعب دمج الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية دوراً محورياً في النزاعات الأخيرة، وأدى إلى ارتفاع كبير في عدد الضحايا المدنيين.
الذكاء الاصطناعي والعدوان على غزة
استخدم الجيش الصهيوني في عدوانه على غزة مختلف أنواع البرمجيات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي وتغطي مجموعة واسعة من المجالات بدءاً من المحادثات مع الأشخاص في الميدان وحتى الإشارات الواردة من الهواتف المحمولة وأجهزة الراديو وصور التوابع الصنعية وتمثل بعضها بما يلي:
١- تم استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير وتحسين أنظمة الأسلحة الموجهة مثل: الطائرات من دون طيار والصواريخ الذكية، ما يزيد من دقتها وفاعليتها ويستخدم أيضاً في عمليات تحديد الأهداف وتصنيف المقاتلين، كما يُسهم في تحسين عمليات التواصل والتنسيق بين القوات المختلفة، مما يزيد من فعالية العمليات العسكرية ويقلل من الفوضى والارتباك، وكذلك هناك تطوير للروبوتات القاتلة والأسلحة ذاتية التشغيل التي قد تُشارك في العمليات القتالية الميدانية، بالإضافة إلى توظيف الذخائر ذاتية التحكم في العمليات العسكرية الدقيقة.
٢- استخدم الجيش للمرة الأولى تقنية منظار تصويب معزز بالذكاء الاصطناعي طورته شركة “سمارت شوتر”، وزودت به أسلحة مثل البنادق والرشاشات.
وتساعد هذه التقنية الجندي في اعتراض الطائرات المسيرة أو أي هدف آخر وتجعل “كل جندي، حتى لو كان أعمى، قناصاً.
كما تقوم تقنية أخرى على إطلاق الجيش مسيرات قادرة على رمي الشباك على مسيرات أخرى بهدف تعطيل عملها.
٣- أشارت تقديرات متعددة إلى أن جيش الكيان يستخدم نظام ذكاء اصطناعي يطلق عليه اسم “لافندر” في عملياته العسكرية داخل غزة؛ وهو نظام يقوم على تحديد الأهداف المحتملة، فقد شارك “لافندر” في تحديد 37 ألف هدف خلال الأسابيع الأولى من الحرب، ويستكمل برنامج “لافندر” برنامجين آخرين هما: “أين هو أبي؟” والذي يستخدم لتعقب الأفراد الذين تم تحديدهم كأهداف وقصفهم عندما يكونون في المنزل، وبرنامج الإنجيل، الذي يهدف إلى تحديد المباني والهياكل.
والنتيجة كانت قتل عشرات آلاف المدنيين معظمهم من النساء والأطفال بغارات جوية بسبب هذا البرنامج، الذي يحلل المعلومات التي تم جمعها عن معظم سكان قطاع غزة.
وقد استخدم جيش الاحتلال تطبيق “واتساب” الشهير للتواصل الاجتماعي كأحد أبرز تقنيات الهجوم الإسرائيلي، إذ استطاع الجيش عبر الوصول إلى رسائل “واتساب” وخاصية تحديد الأماكن فيه معرفة موقع الشخص الذي يستخدمه لتبدأ منظومة الاستهداف عبر برنامج الذكاء الاصطناعي “لافندر” بتوجيه الضربات على هذه المنازل.
وهناك أيضاً” برنامج مشابه لاختيار الأهداف يدعى غوسبل.
٤- كشفت عمليات الاعتقال التي تجريها قوات الكيان في غزة استخدامها برنامج “التعرف على الوجه” والذي يمكنه “جمع صور الوجوه للفلسطينيين وفهرستها” ويمكنه تحديد أسماء الأشخاص في ثوان معدودة.
وأكد ضباط مخابرات صهاينة ومسؤولون عسكريون بأن الكيان بدأ في استخدام هذا البرنامج منذ أواخر العام الماضي من دون الإعلان عنه، بحيث يتم جمع الصور وحفظها دون علم أو موافقة السكان الفلسطينيين.
وتدير برنامج التعرف على الوجه “وحدة الاستخبارات العسكرية ووحدة الاستخبارات الإلكترونية 8200”. في الكيان، ويستخدمون تقنية طورتها شركة “كورسايت” الإسرائيلية، والتي تعتمد على أرشيف هائل من الصور التي تلتقطها طائرات مسيرة او الكاميرات وصور أخرى يتم إيجادها عبر غوغل أو أي وسيلة أخرى بحسب ما أكدت المصادر لنيويورك تايمز.
ويمكن إساءة استخدام البرنامج باعتقال أي شخص كما حصل مع الشاعر الفلسطيني مصعب أبو توهة في ١٩ تشرين الثاني الماضي باعتقاله عندما كان يمشي وسط حشد من الناس.
وخلال العام الماضي وثقت منظمة العفو الدولية استخدام الكيان تكنولوجيا التعرف على الوجه ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وأطلقت عليه اسم الذئب الأحمر وهو شبكة مراقبة متنامية باستمرار ترسخ سيطرة حكومة الكيان على الفلسطينيين.
وقالت الأمينة العامة للمنظمة في أيار الماضي: (إضافة إلى التهديد المستمر باستخدام القوة البدنية المفرطة والاعتقال التعسفي، يتعين على الفلسطينيين الآن مواجهة خطر تعقبهم بواسطة خوارزمية أو منعهم حتى من الدخول إلى إحيائهم استناداً إلى معلومات مخزنة في قواعد بيانات تمييزية للمراقبة).
٥- تم دمج الذكاء الاصطناعي وإرفاقه بالأسلحة المتنوعة الذي اعتمد عليه الكيان لتعزيز أداء الجنود، وفي مقدمة هذه الأسلحة كانت دبابة “إيتان إيه بي سي” (Eitan APC)، وهي تعتمد على العديد من المستشعرات القادرة على مراقبة محيطها بشكل دائم وتنبيه الجنود داخلها.
كما حصلت عدة مدرعات على “منظومة كأس الحماية النشطة” (Trophy Active Protection System) التي أنتجتها شركة “رافال” (Rafael) مطلع هذا العام، وهي أيضاً تعمل على حماية المدرعة عبر مراقبة محيطها وإرسال التنبيهات.
٦- الدور الأكبر الذي لعبه الذكاء الاصطناعي كان عبر استخدام المسيّرات التي كان لها دور في رسم خرائط الأنفاق التي تستخدمها المقاومة في الهجمات المباغتة، وهي الهجمات ذاتها التي تمكّنت من التغلب على أنظمة الذكاء الاصطناعي المدمجة في المدرعات.
هذا وقد قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أنه يشعر بقلق بالغ بسبب تقارير عن استخدام جيش الكيان الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تحديد الأهداف التي ستقصف في غزة، وقال يجب ألا يسند أي جزء من قرارات الحياة والموت التي تؤثر في أسر بأكملها إلى حسابات اللوغاريتمات بدم بارد والتي أدت إلى عشرات آلاف الضحايا من الأبرياء، وتابع احترام القانون الإنساني الدولي أصبح في حالة يرثى لها.
وأضاف: (حذرت لسنوات عديدة من مخاطر تحويل الذكاء الاصطناعي إلى سلاح والحد من الدور الذي تؤديه الإرادة الإنسانية).
وقال أيضاً: “(يجب استخدام الذكاء الاصطناعي كقوة من قوى الخير التي تعود بالنفع على العالم بدلاً من المساهمة في شن حرب على نطاق هائل وطمس معالم المساءلة).
وفي الختام نقول رغم استخدام كل هذه الوسائل التقنية الحديثة نراها تقف عاجزة عن التأثير على المقاتل الفلسطيني الذي يقاتل هذا الكيان بأسلحة بدائية ولكن بإرادة صلبة وينتصر عليه مدعوماً من شعبه رغم كل آثار الدمار والقتل والحصار والتجويع والحرمان.