نظام زيلينسكي ومؤتمر سويسرا.. حتى أنت يا بايدن؟!
تشرين – د. رحيم هادي الشمخي:
تتوالى إعلانات الغياب عن «مؤتمر السلام في أوكرانيا» المقرر عقده في سويسرا يومي السبت والأحد المقبلين، وهي «غيابات» رئيسية يتوقع معظم المراقبين أنها ستكون مؤثرة لناحية أنها تنزع عن المؤتمر ثقله الدولي «الأميركي بفعل غياب الرئيس جو بايدن.. والآسيوي/الإفريقي بفعل غياب دول الجنوب الرئيسية.. وكذلك الأممي بفعل غياب الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيرش» وبالتالي فإن المؤتمر سيُمثل خيبة أمل كبرى جديدة لنظام فلوديمير زيلينسكي الذي استمر طوال الأسابيع الثلاثة الماضية يستجدي الرئيس الصيني، شي جين بينغ، للحضور دون جدوى، واليوم يستجدي بايدن للحضور دون جدوى، ولا يبدو أن واقع الحال سيتغير، بل من المتوقع استمرار إعلانات الغياب رغم أنه لم يتبق فعلياً من الوقت سوى أربعة أيام.
مع ذلك هناك من يسأل بخصوص نجاح وفشل المؤتمر، ويشكك في مسألة أن «الغياب» ستقود إلى أن يخرج المؤتمر بلا نتائج، خصوصاً في ظل أن دول «ناتو» بمجملها، وعلى رأسها أميركا، تقدمت خطوات كبيرة خطيرة باتجاه رسائل التهديد الموجهة لروسيا، على خلفية التقدم الواسع للقوات الروسية باتجاه خاركوف، المدينة الثانية بعد العاصمة كييف، والخشية من سقوطها، لتصبح عملية استعادتها إلى الأراضي الروسية تحصيلاً حاصلاً.
وعليه فإن المؤتمر سينعقد على خلفية هذه التهديدات، وعلى رأسها إعطاء إدارة بايدن الإذن لنظام زيلينسكي بضرب الأراضي الروسية بأسلحة أميركية، ولا يمكن التقليل بأي حال من شأن هذا التهديد «الذي يترافق أيضاً مع خطوات أوروبية مماثلة تتقدمها فرنسا»، وكان بايدن قد اختتم اليوم الإثنين زيارة مطولة إلى فرنسا استمرت خمسة أيام، كانت أوكرانيا في رأس جدول الأعمال، سواء لناحية «الإذن» آنف الذكر، أو لناحية مصادرة الأصول الروسية لمصلحة نظام زيلينسكي، أو لناحية مؤتمر سويسرا.. وسبق أن قيل إن هذا المؤتمر سيكون بمنزلة (إنذار أخير) لروسيا. ومن هنا التساؤل والتشكيك في مسألة أن المؤتمر سينتهي بلا نتائج. ربما كانت دول الناتو تحضر لما هو أخطر (ميداني بالدرجة الأولى) ليتم إعلان ذلك في مؤتمر سويسرا.
لنلاحظ أنه كان هناك حرص أميركي على التأكيد مجدداً بأن نظام زيلينسكي لديه الإذن الأميركي لتنفيذ هجمات بالأسلحة الأميركية على الأراضي الروسية، وفق تصريحات جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأميركي أمس الأحد، بل إن سوليفان صرح أيضاً بأن الأوكرانيين «طبقوا الإذن الأميركي في ساحة المعركة»، لكنه لم يوضح متى وكيف وفي أي بقعة على الأراضي الروسية.
وكان منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، صرح في 3 حزيران الجاري بأن الولايات المتحدة مستعدة للتباحث مع أوكرانيا حول توسيع جغرافيا الضربات ضد روسيا، مؤكداً أن أميركا «لن تدير ظهرها» لأوكرانيا وأنها ستواصل «تعديل الدعم لها مع تطور الوضع» في ساحة المعركة.
تصريحات كيربي لا بد من قياسها على قاعدة يُبنى على الشيء مقتضاه، وتالياً فإن هذا «المقتضى» قد يكون طرأ عليه تعديل كبير، وفق تطور الوضع في ساحة المعركة، حسب كيربي، وهو تطور لمصلحة روسيا، كما ذكرنا آنفاً. وعليه لا بد من انتظار مؤتمر سويسرا، والتريث في مسألة ما سيخرج به، وترقب مسار الأيام الأربعة المتبقية قبل المؤتمر.
لنعد إلى مسألة إعلانات الغياب المتواصلة، وكان آخرها من دولتي المكسيك ونيكاراغوا. وفيما أعلنت الأولى أنها تتمنى مؤتمراً يشارك فيه الطرفان (روسيا غير مدعوة لمؤتمر سويسرا) وصفت نيكاراغوا المؤتمر بأنه «مهزلة سياسية». ولا بد من التذكير هنا بأن مؤتمر سويسرا سيبحث فيما يسمى «صيغة زيلينسكي» المتضمنة عشر نقاط، سبق وتم عرضها للمرة الأولى أمام قمة العشرين في تشرين الثاني 2022، والتي ترفضها روسيا باعتبارها لا تراعي مصالحها، ولا الوضع الميداني المتغير.
ويبقى غياب بايدن هو الأهم والأبرز، باعتباره ضربة قوية لنظام زيلينسكي، لم يُخفف منها إعلان البيت الأبيض أن أميركا ستكون ممثلة تمثيلاً مناسباً في مؤتمر سويسرا عبر نائبة الرئيس كامالا هاريس ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان.
وكان زيلينسكي قد ناشد بايدن- علناً –الحضور قائلاً في مؤتمر صحفي في بروكسل في 30 أيار الماضي: أعتقد أن قمة السلام تحتاج إلى الرئيس بايدن، والقادة بحاجة إلى بايدن لأنهم سينظرون إلى رد فعل الولايات المتحدة.
وخلص زيلينسكي إلى أن غياب بايدن «لن يقابله إلا تصفيق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين- تصفيق شخصي وقوفاً».
وبعد إعلان الغياب سعى المتحدث باسم الأمن القومي جون كيربي إلى التخفيف من تأثير ذلك قائلاً قبل نحو أسبوع – رداً على سؤال فيما إذا كان الرئيس بايدن يبعث رسالة خاطئة على مستوى العالم من خلال التخلي عن مؤتمر سويسرا لحضور حفل تبرعات هامشي في كاليفورنيا: « لم يكن هناك أي زعيم في كل أنحاء العالم يدعم أوكرانيا أكثر شدة من بايدن. وأضاف: إن هاريس ستحضر القمة بسبب رغبتنا في أن نكون ممثلين حول تلك الطاولة.
وشدد كيربي على أنه بغض النظر عمن يمثل الولايات المتحدة، لا يمكن القول إنها تراجعت بأي شكل من الأشكال عن دعم أوكرانيا.
لكن تصريحات كيربي وغيره من المسؤولين الأميركيين لن تخفف من تجهم زيلينسكي وخيبة أمله وقلقه.
وعملياً فإن غياب بايدن بدا غير مفهوم.. البعض وضعه في خانة أن أميركا توسع بانضباط حضورها في ميدان أوكرانيا، باعتبار أن أوان المواجهة المباشرة مع روسيا لم يَحن بعد، وأنه ما زال هناك عمل كثير قبل ذلك. والبعض الآخر وضعه في خانة جبهة غزة المشتعلة، وأن أميركا لا تستطيع تسخين الجبهة مع روسيا قبل تبريد جبهة غزة. والبعض الثالث وضع غياب بايدن عن مؤتمر سويسرا في خانة القرار السياسي الذي يوضح أن الولايات المتحدة ما زالت لديها أولويات أكثر أهمية من أوكرانيا، ويرون أن بوسع بايدن التوقف لبضع ساعات في سويسرا ولو لالتقاط صورة شخصية، هذا يكفي. أما أن يتم تبرير عدم الحضور بانشغال بايدن بحضور تجمع انتخابي فهذا غير مفهوم، وهو يوسع التشكيك بدور أميركا وجديتها في دعم نظام زيلينسكي، وتالياً هذا يقود إلى أن إدارة بايدن لديها نيات غير معلنة لناحية التورط أكثر في أوكرانيا، فيما زيلينسكي يستجدي ويستغيث مناشداً سرعة الدعم والتحرك قبل فوات الأوان، وقبل أن يرى الناتو القوات الروسية وسط العاصمة كييف.
لكن حتى الآن ما زالت رياح الناتو تجري بما لا تشتهي سفن زيلينسكي.. ومع ذلك لننتظر مؤتمر سويسرا، ونتريث، من دون استبعاد أي من الاحتمالات لما سيخرج به. من يدري فقد يخالف المؤتمر كل التوقعات.
في كل الأحوال وأياً يكن ما سيخرج به فإنه سيوضح بشكل لا لبس فيه المستوى الذي وصل إليه الدعم الغربي لنظام زيلينسكي، وما يمكن أن يصل إليه في المرحلة المقبلة.. وفي الحصيلة النهائية ما سيكون عليه مستوى الصراع بين روسيا والناتو في المرحلة المقبلة.
كاتب وأكاديمي عراقي