تمتد جذور انعدام الثقة بالغرب عميقاً.. و«إسرائيل» تحرق الفلسطينيين أحياءً في رفح من دون أن تترك للمدنيين والأبرياء ملجأً
تشرين- يسرى المصري:
مستقبل أوروبا يتحدد في فلسطين.. وبعيداً عن الوضع الإقليمي فإن مكانة أوروبا في العالم أصبحت اليوم على المحك، لا في العالم الإسلامي وحده، بل في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا وأميركا اللاتينية، حيث تمتد جذور انعدام الثقة بالغرب عميقاً.
وبخلاف موجة الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، وآخرها إسبانيا وإيرلندا والنرويج، الخطوة التي يقابلها بطبيعة الحال تقليص الدعم الموجه لـ«إسرائيل»، لا سيما لدى حلفائها الأوروبيين التقليديين، وهي الصدمة الدبلوماسية التي يبدو أن الكيان المحتل لم يستفق منها بعد.
كل هذا حشر الكيان المحتل في زاوية ضيقة وحوّله إلى ثور هائج يحاول لملمة شعثه قدر الإمكان وبأسرع وقت ممكن قبل أن ينفرط عقد الدولة الهشة، فكانت محرقة الخيام التي كشفت عن حالة ارتباك وفوضى وفقدان رؤية وبصيرة يعاني منها نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة.
وفي هذا السياق قالت مجلة “لوبس” الفرنسية: إن تردد أوروبا فيما يتصل بالحرب في غزة سوف يعجل بخسارة نفوذها ومصداقيتها لدى العديد من دول “الجنوب العالمي”، وبالتالي عليها أن تتغلب على انقساماتها وتدافع عن القانون الدولي،لأن مستقبلها يتحدد اليوم في فلسطين.
هكذا قدمت المجلة لمقال مشترك بين النائب الأوروبي منير ساتوري والكاتب نويل بنشطريت انطلقا فيه من فكرة أن مستقبل أوروبا مرتبط بما ستفعله في فلسطين، وأن الاتحاد الأوروبي إذا لم يتمكن من التغلب على الشلل والانقسامات فيه وإذا أيضاً لم يستطع أن يفرض على حكومة إسرائيل وقف إطلاق النار في غزة وإنهاء العنف والاستيطان في الضفة الغربية فوراً مع حل الدولتين فسيفقد مصداقيته إلى الأبد.
ولفت المقال إلى أن الدعم غير المشروط المقدم لحكومة نتنياهو أدى إلى تحول شعوب الجنوب ضد أوروبا، وقد شهدنا ذلك بشكل خاص في الأشهر الأخيرة في منطقة الساحل، مع ما يترتب عليه من عواقب كارثية محتملة على المدى الطويل بالنسبة لأوروبا، حسب الكاتبين.
ولهذا السبب فإن مستقبل أوروبا هو الذي أصبح على المحك في غزة، متسائلين: هل تريد أوروبا أن تصبح قلعة معزولة تقاتل جميع جيرانها في الشرق والجنوب؟ أم تريد أن تصبح قارة منفتحة على العالم، خاصة على جيرانها على الجانب الآخر من البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى؟ حيث إن ما حدث هو – حسب الكاتبين- فرض حصار كامل على قطاع غزة من دون السماح حتى الآن بدخول كميات كافية من المواد الغذائية والمنتجات الأساسية، ما أدى إلى حالة من المجاعة شبه المعممة، وتم القصف والأعمال القتالية من دون مراعاة للمدنيين، ما أدى أيضاً إلى مقتل أكثر من 35 ألف شخص، أغلبيتهم العظمى من النساء والأطفال، كما تم تهجير أكثر من 1.7 مليون من سكان غزة قسراً، وتُركوا يعيشون في ظروف محفوفة بالمخاطر، وفي الوقت نفسه تم تدمير أكثر من نصف المباني في القطاع، فضلاً عن معظم البنية التحتية المدنية الأساسية وشبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء.
كل هذا رافقته مواقف إسرائيلية معلنة لمصلحة طرد الفلسطينيين من غزة، وإعادة احتلال القطاع، والرغبة في جعله غير صالح للعيش، لدرجة أن محكمة العدل الدولية في لاهاي اعتبرت أن خطر الإبادة الجماعية قد يكون قائماً في غزة، وفي الوقت نفسه تزايد التوسع العنيف للاستيطان غير القانوني في الضفة الغربية.
ونبه المقال إلى موقف ألمانيا التي دعمت بشكل غير مشروط حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، ومنعت الاتحاد من العمل للمساعدة في إنهاء المأساة الإنسانية في غزة، وكأن المحرقة النازية ما زالت تلقي بثقلها على الضمير الألماني الجماعي، مشيراً إلى أن الحكومة الألمانية بتسترها على جرائم الحرب، التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية بوضوح في غزة، تسببت إلحاق ضرر كبير بالاتحاد الأوروبي.
من جانبها، لم تكن الحكومة الفرنسية – حسب الكاتبين- على مستوى التحديات والمسؤوليات التي يجب أن تتحملها، ولأسباب سياسية داخلية مرتبطة بتزايد كراهية الأجانب في الرأي العام الفرنسي فضّل الرئيس إيمانويل ماكرون دعم حكومة نتنياهو لفترة طويلة وكسر التقليد الدبلوماسي الفرنسي الذي كان متوازناً ومحترماً، وأضعف بذلك موقف بلاده.
وإذا كانت أوروبا تبدو حتى الآن عاجزة وغير قادرة على التأثير في هذا الصراع -يقول الكاتبان- فهذا ليس لأنها لا تملك الوسائل، والدليل هو أنها أكبر ممول دولي لفلسطين على الإطلاق، كما أنها الشريكة الرئيسة لإسرائيل في مجالات التجارة والاستثمار وانتقال الأشخاص، كما تعد أيضاً مورداً مهماً للأسلحة إلى «إسرائيل» من خلال ألمانيا، وبالتالي إذا لم تنجح أوروبا حتى الآن في ممارسة التأثير لإحلال السلام ودفع حل الدولتين فذلك لأنها لم ترغب في استخدام الأدوات القوية المتاحة لها.
ونتيجة لهذا الجبن -كما يصفه الكاتبان- فإن آلاف الأرواح مهددة في فلسطين، وقد يتعرض السلام في المنطقة كلها للتهديد إذا استمرت حكومة نتنياهو في ارتكاب المجازر والانتهاكات، مع عواقب وخيمة محتملة على أوروبا من حيث الانقسامات داخل مجتمعاتها وتدفق المزيد من اللاجئين.
عدوك هو الكيان الإسرائيلي المجرم
ولاحقاً لإجرام الكيان الصهيوني.. مجزرة جديدة في منطقة تل السلطان غرب مدينة رفح، ارتكبتها «اسرائيل» حين استهدفت بالطائرات والصواريخ مخيمًاً للنازحين هناك أسفر عن استشهاد نحو 35 فلسطينياً وإصابة العشرات، معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ.
تلك المحرقة التي جرت على مرأى ومسمع من الجميع، وعلى الهواء مباشرة، حيث شاهد العالم صور الأجساد التي أذابت النيران ملامحها، والأخرى التي فُصلت رؤوسها عنها، والثالثة المشوهة التي يصعب معها التعرف على هوية أصحابها، في مشاهد تعيد الأذهان إلى عصر المحارق العظمى في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.
محرقة جديدة تضاف إلى سجل الاحتلال الإجرامي الذي يُخرج به لسانه إلى المجتمع الدولي بصفة عامة غير مبالٍ بالمناشدات والتحذيرات التي تضغط لثنيه عن تلك العمليات التي ما كان له أن يتجرأ عليها إلا لاطمئنانه لرد الفعل العربي المتخاذل والصمت الدولي المعتاد.
وبينما تقارب حرب غزة شهرها التاسع لم يحقق الاحتلال أياُ من الأهداف الـ3 التي أعلن عنها بعد عملية «طوفان الأقصى»، فلا حرر أسيراً بالقوة ولا قضى على حماس وفصائل المقاومة، فضلاً عن فشله في ضمان ألا يشكل القطاع تهديداً أمنياً للداخل الإسرائيلي.