مسار تفاوضي على المقاس الأميركي وإلّا.. «اليوم التالي» للعدوان على غزة بلا قيادة.. وطريق العودة طويل
تشرين- هبا علي أحمد:
لم يغادر العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة منذ ثمانية أشهر مربعه الأول حتى يمكن القول إنه عاد إلى ذاك المربع بعد انهيار المفاوضات غير المباشرة في القاهرة بين المقاومة الفلسطينية وكيان الاحتلال، إذ إنّ العدوان على وقع كل جولات التفاوض وكل التداعيات المتعلقة به واصل جرائم الإبادة الجماعية التي يمارسها بحق أهالي قطاع غزة إلى جانب التجويع والتطهير العرقي والتهجير وكل الجرائم المرتبطة بها التي تستهدف الإنسان ومقوّمات الحياة، من هنا فإن العدوان لا يزال عند مربعه الأول زادت عليه عملية رفح جنوب القطاع والكارثة الإنسانية المرتقبة، وسط هذا وفي المقابل فإنّ المقاومة تصعّد عملياتها البطولية وتواصل معركتها بحزمٍ وعزيمةٍ وإصرارٍ على التحرير، مُلحقة بالكيان خسائر على المستوى السياسي والأمني والعسكري والاقتصادي والاجتماعي والنفسي.
العدوان على غزة لا يزال عند مربعه الأول زادت عليه عملية رفح في المقاب تُصعّد المقاومة عملياتها البطولية مُلحقة بالكيان خسائر على كل المستويات
«إنقاذ بلا تفاوض»
لكنّ الولايات المتحدة تعمد كعادتها دائماً إلى تشويه الحقيقة والتعتيم على الصورة لمصلحة كيان الاحتلال، كما تعمد إلى إظهار المقاومة بصورة «المعرقل» لأي تفاوض، من هنا أوحى الرئيس الأميركي جو بايدن في خطاب له أمس بأنّ الهدنة ممكنة غداً – أي اليوم- قائلاً: من الممكن تنفيذ وقف لإطلاق النار في قطاع غزة المحاصر منذ أشهر (غداً) مشترطاً إعادة حركة «حماس» للأسرى الإسرائيليين الذين احتجزتهم في السابع من تشرين الأول الماضي، لكن الحقيقة أنّ واشنطن والكيان لا يريدان التفاوض والتوصل إلى حلّ يظهر عبره الكيان بصورة المهزوم الخاسر، وما تريده واشنطن منذ البداية هو ما يريده الكيان، وهو «القضاء» على المقاومة واستمرار الاحتلال وجرائمه وتحكمه في مفاصل القطاع أيضاً، ويعتقد بايدن أنه بتصريحه يرمي الكرة في ملعب المقاومة ويزيد الضغط عليها في بيئتها ويحملها مسؤولية عدم التوصل إلى أي حل، بينما واشنطن تريد إنقاذ الكيان بأي طريقة لكن ليس عبر التفاوض، لأن الخسارة مزدوجة أميركية- إسرائيلية، وهذا ليس جديداً، بل هو إحدى المناورات الأميركية الفجّة والمفضوحة، وأنّ أي تفاوض إن لم يكن على المقاس الأميركي- الإسرائيلي بمساره ونتائجه فالأفضل عرقلته من وجهة النظر الأميركية.
البداية لطريق طويل
على خلاف الأميركي الذي يضع شروطاً محددة ومؤطرة لوقف إطلاق النار، تنطلق الدعوات الدولية لإنهاء العدوان على غزة بلا قيد أو شرط، ولاسيما في ظل استمرار المذبحة الصهيونية التي وصلت إلى رفح، إذ جدّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم الأحد، دعوته إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، مطالباً بالإفراج غير المشروط عن جميع الأسرى.
وقال غوتيريش في كلمة مسجّلة بُثّت خلال مؤتمر دولي للمانحين في الكويت: إنني أكرر دعوتي – دعوة العالم – إلى وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية، والإفراج غير المشروط عن جميع الأسرى، وإلى زيادة فورية في المساعدات الإنسانية، مضيفاً: لكن وقف إطلاق النار لن يكون سوى البداية.. فطريق العودة من الدمار والصدمة التي خلفتها هذه الحرب سيكون طويلاً، وسيحتاج سكان غزة إلى شراكات أقوى وأعمق للحصول على المساعدة الإنسانية والتنمية على المدى الطويل للوقوف على أقدامهم مجدداً وإعادة بناء حياتهم.
واشنطن تريد إنقاذ الكيان بأي طريقة ولكن ليس عبر التفاوض لأن الخسارة مزدوجة وأي تفاوض إن لم يكن على المقاس الأميركي- الإسرائيلي بمساره ونتائجه فالأفضل عرقلته
في السياق، أفادت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة «أونروا»، بأنّ نحو 300 ألف شخص تم تهجيرهم من رفح، في استمرار للتهجير القسري وغير الإنساني للفلسطينيين في قطاع غزة، مؤكدةً أنه لا يوجد مكان آمن للذهاب إليه في قطاع غزة.
وقال المفوّض العام للوكالة فيليب لازاريني: إنّ أوامر الإخلاء التي تصدرها السلطات الإسرائيلية تجبر الناس في رفح على النزوح إلى أي مكان، مشيراً إلى أن الادعاء بوجود مناطق آمنة في قطاع غزة كاذب ومضلل.
استقالات وخلافات
مع توسيع العدوان الصهيوني على غزة، ومؤخراً العملية العسكرية في رفح، تتسع رقعة الاستقالات والخلافات داخل كيان الاحتلال الصهيوني، وبات «اليوم التالي» للحرب على غزة بلا أي قيادة مبدئياً، فعلى خلفية عدم اتخاذ المستوى السياسي قرارات بشأن ما يسمى«اليوم التالي» في غزة، قدّم المسؤول عما يسمى«السياسة الأمنية والتخطيط الاستراتيجي في مجلس الأمن القومي» لدى كيان الاحتلال، يورام حِمو، استقالته من المنصب، وأوضحت القناة «السابعة» أنّ حِمو مسؤول عن متابعة سياسة «اليوم التالي» في غزة، مشيرةً إلى أنّه سيعلن مغادرته المنصب بسبب عدم التقدم في معالجة هذه المسألة.
وقف إطلاق النار البداية وطريق العودة من الدمار والصدمة سيكون طويلاً وسيحتاج سكان غزة إلى الحصول على المساعدة الإنسانية على المدى الطويل
وكانت وسائل إعلام العدو قد حذّرت في الفترة الماضية من استقالات بالجملة بعد قضية استقالة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية «أمان»، أهارون حاليفا، على خلفية فشله في كشف عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول.
وكشفت وسائل إعلام العدو في وقت سابق عن خلافات جديدة وحادة بين رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وأعضاء «كابينت الحرب» على غزة، على رأسهم وزير الحرب يوآف غالانت.
وذكرت القناة الـ«12» أن حالة من الغضب تكتنف نتنياهو نتيجة عقد غالانت جلسة نقاش استراتيجي بشأن العملية العسكرية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة من دون مشاركته أو إطلاعه.
مجازر بالجملة
في هذه الأثناء يواصل الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة لليوم الـ219، مرتكباً المزيد من المجازر بحق المدنيين العزّل، وذلك بالتزامن مع تعمّق الاحتلال في عمليته في رفح جنوب القطاع، ما أدى إلى ارتقاء عدد من الشهداء، إضافة إلى إصابات.
في المقابل تواصل المقاومة الفلسطينية بمختلف فصائلها عملياتها ضد قوات الاحتلال المتوغلة شرق رفح، وفي مخيم جباليا شمال قطاع غزة، وتخوض اشتباكات ضارية معها لليوم الـ219 على العدوان.
مع توسع العدوان على غزة نتسع رقعة الاستقالات والخلافات داخل كيان الاحتلال
وكان يوم أمس شهد عدداً كبيراً من العمليات التي نفذتها مختلف فصائل المقاومة الفلسطينية ضد تجمّعات جنود الاحتلال وآلياته على محاور القتال في قطاع غزة، وفي طليعتها استهداف كتائب القسّام تجمّعاً لجنود الاحتلال بقذائف الهاون، ودبابة “ميركافا 4” بقذيفة “الياسين 105” جنوب حي الزيتون في مدينة غزة.
وتتفاقم الأزمة الإنسانية والمعيشية في المناطق الشمالية في القطاع، مع استمرار إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات، وقد أطلق مستشفى كمال عدوان تحذيرات من توقف عمله بسبب نقص الإمداد بالوقود.
وارتفعت حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي، خلال 7 أشهر، إلى 34971 شهيداً و78641 جريحاً، وفق آخر الأرقام التي نشرتها وزارة الصحة في غزة.
وأطلقت جهات أممية، منذ يومين، تحذيراتها بسبب نفاد الوقود والمخزونات الغذائية خلال أيام، في ظل سيطرة الاحتلال على معبر رفح.