ليلة الصدمة
تشرين- د.م. محمد رقية:
عشرات المقالات والكثير من التعليقات نشرت عن الرد الإيراني على الكيان الصهيوني ليلة ١٤ نيسان ٢٠٢٤، ويمكن تصنيف ما كتب إلى ثلاثة اتجاهات عامة.
أولا – كتابات مؤيدة للرد الإيراني الذي جعل الصهيوني يعيش ليلة لم تمر عليه في حياته ومعظمها من كتاب وإعلاميي ومثقفي بلدان محور المقاومة ومناصريهم.
ثانياً- كتابات وتصريحات الكتّاب والمسؤولين الصهاينة والغرب الاستعماري الذين حاولوا التخفيف من تأثير الضربة على الكيان إلا أنهم اعترفوا بقوة هذه الضربة غير المسبوقة وبانهزامية الكيان تجاهها، ومما كتبوا، هجوم خطير وجريء وغير مسبوق وهدد أمننا القومي وعرض حياتنا للخطر وعشنا ليلة سوداء، والصواريخ دقيقة وموجعة وفشلنا في صد الهجوم على قواعدنا المستهدفة، واستعنا بأمريكا والغرب كله مع الأردن لصد الهجوم، الذي سبب أضراراً جسيمة، إيران خطر علينا،
ثالثاً- الذباب الإلكتروني العربي والصهيو- عربي والوحدة ٨٢٠٠، الذي اعتبر أن هذا الرد مسرحية وتمثيلية متفق عليها مع أمريكا والكيان وأنها أفادت نتنياهو في الخروج من المأزق الذي يواجهه في غزة. والبعض قال إنه رد فاشل، وبعضهم قال استعراضي، والبعض الآخر قال صواريخ بلا حشوة وكثير من هذا الكلام الغبي.
وبغض النظر عن كل ما ذكر فإن هناك حقائق يجب تثبيتها للتاريخ ولكل عاقل ذو بصيرة، أما الجهلة والأغبياء والمنافقون والانهزاميون والوصوليون وعبدة الدولار فلا نصيب لهم في أن يبصروا الواقع أو يروه لأن الله حرمهم هذه النعمة، فهم كالدواب، بل هم أضل سبيلاً.
وأهم هذه الحقائق التي نعتمد في معظمها على معطيات الخصم:
١- أيام عصيبة عاشها الكيان الصهيوني منذ ضرب القنصلية الإيرانية في دمشق وهو يقف على رجل ونصف وينتظر الرد الايراني.
٢- شكلت هذه الضربة التي قامت بها إيران بشكل مباشر على الكيان الزائل أكبر صفعة في تاريخ الكيان منذ حرب تشرين التحريرية عام ١٩٧٣ وشكلت صدمة كبيرة لقادة الكيان ومستوطنيه وعاشوا جميعاً ليلة رعب عظيمة في ملاجئ تحت الأرض.
وكسرت هذه الضربة كبرياء العدو وكبرياء الواقفين معه وأعطى ذلك عزاً لأمة المقاومة وتقوية لموقفها ومواساة لجراحها.
٣- أكد المتحدث باسم الجيش الصهيوني بأن إيران أطلقت 350 ما بين مسيرة وصاروخ باليستي وصاروخ كروز وما يقدر بـ 60 طناً من المواد المتفجرة.
وأشارت الدراسات الى أن عدد الطائرات المسيرة وصل إلى ١٨٧ طائرة انقضاضية بطيئة من الأنواع القديمة ورخيصة الكلفة لدى إيران وقطعت مسافة حوالي ١٥٠٠ كم.
وهي سابقة لم تحصل في تاريخ الطيران المسير حتى الآن.
٤- إضافة إلى الكيان الزائل شاركت كل من أمريكا وبريطانيا وفرنسا والأردن في اعتراض المسيرات والصواريخ الباليستية الإيرانية من خلال القواعد الأمريكية في المنطقة ومن خلال السفن الموجودة في الخليج العربي والبحر الأحمر والمتوسط العائدة لهذه الدول، والطائرات البريطانية التي أقلعت من قبرص، إضافة إلى الطيران الاعتراضي وجميع بطاريات الدفاع الجوي الصهيوني وتشمل القبب الحديدية، نظام مقلاع داؤود، نظام حيتس، نظام باتريوت الأمريكي، نظام دفاع تاد المتطور ورغم كل ذلك لم تمنع الصواريخ من الوصول لأهدافها.
٥- بلغت تكلفة اعتراض المسيرات عند الكيان حسب تصريحات مسؤوليه ١،٣٥ مليار دولار وعند أمريكا أكثر من مليار دولار.
٦- دوت صافرات الإنذار طوال ليلة الرد الإيراني في كل أنحاء الأراضي المحتلة وكل المستوطنين في الملاجئ في ضغط جديد عليهم يحتم على نسبة كبيرة منهم مغادرة هذا الكيان.
٧- ضربت الصواريخ الإيرانية ثلاث قواعد للعدو محددة سلفاً وهي قاعدة نيفاتيم الجوية، التي تحوي مقاتلات F35 وأحدث تجهيزات الطيران والدفاع الجوي والتي انطلقت منها الطائرات التي ضربت القنصلية الإيرانية في دمشق وقاعدة رامون الجوية في النقب والمقر الاستخباراتي الصهيوني في جبل الشيخ وأحدثت بها خسائر كبيرة كما أظهرت الصور الفضائية .
٨- تاريخ ١٤ نيسان لا يقل أهمية عن تاريخ طوفان الأقصى في ٧ تشرين الأول ٢٠٢٣، فكلاهما انتقل بالقضية الفلسطينية من مرحلة إلى أخرى أكثر قرباً من الانتصار على هذا الكيان.
٩- قال الإيرانيون صراحة إن ما بعدَ تاريخ ١٤/ ٤/ ٢٠٢٤ ليس كما قبله، بخصوص التعامل مع العربدة والاعتداءات الاسرائيلية المتكررة، وهذا يعني أن أي اعتداء على مصالح وشخصيات إيرانية في لبنان وسوريّة، ستقابله إيران برّدٍ مباشر منها ضدَ الكيان المحتل.
١٠ – تقول تصريحات الوزير الصهيوني سموتريتش: “نمر بفترة صعبة جداً بعد مأساة السابع من تشرين الأول.. وبعد الهجوم الإيراني الذي دمر قاعدتين جويتين مهمتين لسلاح الجو الإسرائيلي وقتل عدد كبير من الجنود الإسرائيليين.. لذلك وكما قلت سابقاً يجب مهاجمة إيران في أسرع وقت ممكن بعيداً عن أي اعتبارات”
كما اعترف ايتمار بن غفير وزير الأمن الصهيوني بتدمير قاعدتين لسلاح الجو الصهيوني ومقتل عدد كبير من الجنود إثر الرد الإيراني.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي: إن الرد الإيراني على “إسرائيل” تسبب بدمار كبير وخسائر بشرية وعلى إيران تحمل العواقب.
١١- قالت قناة “كان” العبرية نقلاً عن مسؤول كبير في وزارة الحرب الصهيونية أن الهجوم الإيراني كان أحد أعقد الهجمات التي يواجهها نظام الدفاع الجوي في العالم، لقد نفذت إيران هجوماً بمستوى أعلى مما كنا نتوقع.
١٢- وتأكيداً لم سبق نشير إلى ما قاله المحلل رونين بيرغمان في صحيفة “يديعوت احرونوت” المعروف بقربه من مصادر القرار العسكري والأمني والاستخباراتي في الكيان: “إن إيران حققت نجاحين في هجومها على (إسرائيل)، الأول عندما خلقت حالة من الهستيريا في صفوف الجمهور الإسرائيلي حتى قبل أن تطلق رصاصة واحدة.
والثاني في الانتقام لاغتيال قائد قوة القدس في سورية ولبنان العميد محمد رضا زاهدي.
ونقل بيرغمان، عن مصدر مطلع على المناقشات التي جرت داخل مجلس الحرب الإسرائيلي بشأن إيران، قوله إنه لو تم بث المناقشات مباشرة على موقع (يوتيوب)، لكان أربعة ملايين إسرائيلي تجمعوا في مطار بن غوريون وهم يحاولون الهرب من “إسرائيل”.
١٣- أضاف الرد الإيراني زخماً لصمود المقاومة الفلسطينية في معركة طوفان الاقصى، ولصمود مواطني غزة.. وإنه في الجانب الآخر عمق التأثيرات النفسية للمستوطنين الصهاينة وزرع في نفوسهم الخوف والقلق، وأقنعهم أن جيش الاحتلال ليس كما يوحى لهم على أنه الجيش الذي لا يقهر، فلم يعودوا يعولون على جيشهم ولا على حكومتهم، اللذين لم يحققا أي نجاح او تقدم في عدوانهم المستمر على غزة منذ أكثر من ستة أشهر، وفشله في تحقيق أهدافه.
ويكفي الرد فخراً أن سماء قطاع غزة عاشت ليلة كاملة من دون طيران للعدو بعد عدوان مستمر لأكثر من مئة وتسعين يوماً وهم فرحين يكّبرون ويهللون للنصر القادم.