من معينات لأسرهنّ إلى صاحبات مشروعات صغيرة.. نساء تميّزن في سوق العمل

تشرين – باسمة اسماعيل:
برغم استخدام الآليات الحديثة لصناعة السلع الغذائية والمنظفات والألبسة وغيرها، يبقى لصناعة المرأة الريفية لتلك السلع رونق أجمل، وخصوصية العمل تميز كلاً منهن عن الأخرى ولو كان في المجال نفسه، فهن يحافظن على التراث الشعبي في منتجات المرأة الريفية مع مواكبة التطور، وما يميز عملهن ومشروعاتهن الصغيرة اعتمادهن على المواد والموارد الطبيعية المتنوعة الموجودة في محافظة اللاذقية، فمنهن من أعادت إحياء النسج على النوال والشغل بالسنارة وشغل الصوف والخرز، ومنهن من أعادت تصنيع المخللات والأطعمة والحلويات والعصائر والصابون والألبان والأجبان ومواد تجميلية وعطرية وغيرها، ومنهن من وسّعت مشروعها ولم تكتفِ بعرض المنتجات فقط في صالات المرأة الريفية، بل تخطته للمحافظات الأخرى عبر اعتمادها على التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومعارفها، مستفيدات جميعهن من دعم مديرية زراعة اللاذقية – دائرة التنمية الريفية الزراعية والأسرية لهن.

رواج كبير

عائدة سليم “شيف غربي شرقي” صاحبة مشروع الأكل الصحي الذي لاقى قبولاً ورواجاً كبيراً، بينت لـ”تشرين” أن مشروعها بدأ منذ ست سنوات بعدما تقاعدت هي وزوجها وانتقلا من دمشق إلى قريتهما، وفي ظل الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب، قررت العودة لصنع الغذائيات التي كانت تعدّها أحياناً وتبيعها عن طريق الأصدقاء والأقارب.

-دور التنمية الريفية مهم في دعم المشروعات والتعريف بالمنتجات وتسويقها

وأضافت: كما استهوتني فكرة قيام أهلنا سابقاً بصناعة البسط من ثياب قديمة، فقررت أن أعمل (نولاً) ولجأت إلى اليوتيوب لمعرفة كيفية صنعه، وقام زوجي بصناعة نول بدائي بأربع خشبات، وعملت بصناعة البسط ونشرتها على إحدى الصفحات في اللاذقية وقد لاقت رواجاً، كما عرضت منتجاتي من البسط، ومشغولات السنارة، والغذائيات والمقطرات والصابون، في سوق (الضيعة) الذي تقيمه مديرية الزراعة.
وتابعت: بدأت أعمل بالأكل الصحي الغذائي النباتي، وخلال فترة قصيرة جداً صنعت لنفسي اسماً وشهرة، ثم انتقلت إلى عرض منتجاتي في صالات المرأة الريفية التي تعتمد على الدقيق والقمح والشعير والشوفان وزيت الزيتون، وفي الحلويات أعتمد على سكر استيفيا أو التمر أو دبس العنب بديل السكر العادي، مضيفة: من اشترى مأكولاتي أصبح يوصيني باستمرار، كما بدأت أعد طلبات خارجية عبر التواصي على فيس بوك، وقد توسع مشروعي إلى المحافظات الأخرى.
وأشارت عائدة إلى أهمية دور التنمية الريفية عبر تقديم الدعم المعنوي والتسويق – الدورات – المعارض – تعريف الناس بمنتجاتنا وعلى عمل المرأة الريفية، مؤكدة أنه رغم جميع التحديات المادية والمجتمعية أصبحت منتجة ومعيلة لزوجها وأولادها فالصبر والإرادة القوية هما عنوان النجاح.

المشاركة حفزتني للاستمرار
سميرة الأسد تقص لـ”تشرين” قصة نجاح مشروعها، مشيرة إلى مشروعها في صناعة الغذائيات المتنوعة من مخللات وعصائر مركزة ودبس بندورة وفليفلة ومكدوس، الذي بدأ بعرض بعض منتجاتها في معرض أقامته دائرة المرأة الريفية عام 2019 في مدينة القرداحة، وكانت هذه المشاركة نقلة نوعية لعملها الذي كان مقتصراً على نطاق قريتها وبعض القرى المجاورة لها.
وأضافت: أعطتني المشاركة حافزاً للاستمرار بسبب الإقبال من قبل الحضور على شراء كل منتجاتي وتشجيعي على الاستمرار في إنتاج كميات أكبر، ثم انتقلت لعرض منتجاتي في صالات المرأة الريفية في المحافظة، و بسبب الإقبال على شراء المنتجات توسعت في مشروعي.
وأضافت: سبب نجاح مشروعي ليس فقط إصراري على العمل لإعانة أسرتي، التي أصبحت مسؤولة عنها بعد وفاة زوجي، ولكن لشغفي وحبي بما أقوم به، ولأثبت أن المرأة قادرة على أن تكون أمّاً حنونة وساعداً قوياً لأولادها وزوجها.

اللاذقية بيئة خصبة
وعن دور دائرة التنمية الريفية الزراعية والأسرية في مديرية زراعة اللاذقية، بينت المهندسة رباب وردة رئيسة الدائرة، أن اللاذقية كانت من السباقين بالانطلاقة في مراكز التسويق ووحدات التصنيع، بفضل وجود البيئة الخصبة من السيدات المتميزات الراغبات في العمل، والاستمرار في الحياة بإعانة أسرهن وتحقيق ذواتهن.

القرى التنموية حاضنة لمشروع جماعي يستفيد منه الأهالي

وأضافت: انطلقنا في عملنا بالعمل على مشروعات التمكين – القروض – المنح – التدريب، وأصبح لدى الدائرة عدد كبير من السيدات المنتجات سواء بمشروع الزراعة الأسرية، أو بمشروع التصنيع، الغذائي، إن كان بالسيدات اللواتي حصلن على التدريب أو السيدات اللواتي لديهن موهبة ويشتغلن بالريف ويرغبن بمن يسوق منتجاتهن، بالإضافة للبيئة الخصبة من مواد طبيعية، ومن هذه البيئة الخصبة والسيدات الموجودات انطلقت الفكرة، وكانت الانطلاقة الأولى والشرارة الأولى بمعرض منتجات المرأة الريفية في جبلة عام 2006 بمشاركة /25/سيدة، وكان المعرض انطلاقة لمعارض أخرى، في مديرية زراعة اللاذقية عام 2007، ومعرض نفحات في القرداحة في عام 2008 – 2010- 2011، وفي عام 2010 زارنا السيد الرئيس بشار الأسد والسيدة الأولى أسماء الحرب، وأوصى الرئيس الأسد بأن يكون، في كل مركز ناحية أو مركز بلدة، مركز لتسويق المنتجات الريفية والتعريف بها.
وأوضحت وردة أنه رغم الحرب، كانت النساء أكثر إصراراً وعزيمة لإيجاد مصدر دخل، وكان هناك توجه من قبل الجهات المعنية لدعم السيدات سواء كان بالمنح أو القرض أو التدريب، إلى أن وصلنا لعام 2015 أسسنا مركزاً صغيراً ( كشكاً ) لتسويق المنتجات الريفية، ليخدم شريحة كبيرة من المواطنين، ويخدم تلك النساء صاحبات المشروعات الصغيرة، وحصلنا على دعم وتمويل حكومي بإنشاء صالة أكبر وهي الصالة الحالية، إضافة إلى وحدات التصنيع والمطعم البيئي.
وأكدت وردة استمرار مديرية الزراعة في دعم مشروعات المرأة الريفية، حيث بلغ عدد المستفيدات من الصالة ووحدات التصنيع والمطعم البيئي نحو /400/ سيدة، والعدد في ازدياد وبالتالي سيكون هناك زيادة في العائد الاقتصادي لهذه السيدات الريفيات، ونحن نعمل على التوسع في وحدات التصنيع.
ولفتت وردة إلى أن التنمية الريفية تشكل أولى اهتمامات وزارة الزراعة، وكانت أحد أهم المحاور الرئيسية في ملتقى تطوير القطاع الزراعي الذي أقيم في عام 2021، وانبثق عنه خمسة برامج رئيسة تتركز حول تحديث البيئة التنظيمية للتنمية الريفية “بناء النموذج التنموي”، وإحداث المرصد الوطني للتنمية الريفية وقياس التحضر، وصندوق دعم وتمويل التنمية الريفية، وتطوير سلاسل القيمة المضافة للمنتجات الريفية، وبناء استراتيجية تنمية المرأة الريفية، والتي تفرع عنها مشروعات تمت ترجمتها إلى إجراءات تنفيذية على أرض الواقع خلال الفترة الماضية.

وأضافت: أولى خطوات تطبيق البرامج التنفيذية بما يخص التنمية الريفية، كانت انطلاقة القرى التنموية تحت مسمى مبادرة “معاً نبني حلماً” التي تهدف إلى إحداث قرى تنموية نموذجية ذات اقتصاد زراعي متطور، يقوم على الاستخدام الأمثل والمستدام للموارد الطبيعية والبشرية، وكان النموذج الأول في قرية قطرة الريحان في الغاب في نيسان من عام 2022، ويليها إطلاق نموذج في كل محافظة من المحافظات.
وتابعت وردة: تم تعميم برنامج القرى التنموية على كل المحافظات، وتم اعتماد قريتي / كسب وعين التينة / في اللاذقية للعمل فيها خلال عام 2024 حسب هذا الدليل، كما اعتمدت الوزارة برنامج تأسيس وحدات إنتاجية متعددة الأغراض للتصنيع الغذائي في القريتين، بحيث تتولى الوزارة تأمين المكان والمستلزمات والمعدات والآلات ورأس المال التشغيلي وغيرها، لتكون بمنزلة حاضنة لمشروع جماعي يستفيد منه كل أسر القرية، ويرافق ذلك تدريب فني ومالي عالي المستوى للأسر الريفية للإنتاج حسب المواصفات القياسية السورية، وجودة وسلامة الغذاء، مع الحفاظ على تقليدية وعراقة المنتج “منتج بيتي”، بحيث تعمل الوحدة على مدار العام حسب توالي المواسم الزراعية في القرية، وتم اعتماد ماركة “ريفية” لمنتجات الأسر الريفية وتسجيلها أصولاً لتكون ماركة تجارية لها، بحيث أي منتج ريفي طبيعي يحقق شروط المواصفة القياسية السورية وسلامة وجودة الغذاء، وتم أيضاً اعتماد المربيات والمخللات والألبان والأجبان والحلويات والعصائر والجزرية، ودبس الرمان ودبس البندورة ودبس التمر ودبس العنب والخشافات والخل، والزيتون والمكدوس والمعجنات والمجففات تحت هذه الماركة.
وذكرت أنه تم توثيق الصناعات الريفية “المونة المنزلية” مع مؤسسة وثيقة وطن / منتج الشنكليش / بهدف تثبيت أصالة المنتج الغذائي السوري في سورية والعالم، إضافة إلى توثيق كل المراحل العملية في صناعة المنتج، إضافة إلى برنامج إقراض الأسر الريفية من المصارف لمساعدتها على تمويل مشروعاتها المتناهية الصغر، بهدف توليد دخل إضافي لهذه الأسر، مع مراعاة أن يكون الإقراض في أيسر الشروط والسبل، إضافة إلى السجل الوطني لمشروعات النساء الريفيات المنزلية الصغيرة والمتناهية الصغر، وذلك من خلال بناء قاعدة بيانات، تتضمن أعداد اًوأنواعاً وتوزع هذه المشروعات في الريف السوري، ومعلومات المستفيدات بحيث تتمكن المرأة التي تقوم بتسجيل مشروعها من الاستفادة من المزايا التفضيلية، التي تقدمها الوزارة وأهمها برامج التدريب والقروض والمنح والمعارض، والعرض في منافذ بيع منتجات النساء الريفيات حسب الإمكانيات المتاحة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار