واشنطن تأخذ بيد كيان الاحتلال إلى «ردٍّ محدود».. قواعد اشتباك جديدة تُرسم لصالح قوى المقاومة في معركة النضال لأجل فلسطين
تشرين- هبا علي أحمد:
يجد كيان الاحتلال الإسرائيلي نفسه أمام معضلات ومآزق تتسع وتتعمّق مع امتداد عدوانه الهمجي على قطاع غزة المحاصر.. من معضلة غزة والخسائر المتراكمة إلى رفح والتهديد باجتياح لم يحدث بعد- وارد أن يحدث في أي وقت- إلى معضلة الردّ الإيراني وضرورة الردّ عليه من وجهة نظر العدو، إذ يأتي ردّه لضرورات تفرضها هزائمه الإستراتيجية المتلاحقة، كما أن هذا الردّ لا يمكن الإقدام عليه من دون أن تقرره واشنطن وتحدده وتؤطره لضمان التقليل قدر الإمكان من تداعيات ليس بمقدور أي أحد من الأطراف تحملها، ولعدم جرّ المنطقة إلى صراع جديد موسّع.
بطبيعة الحال هذا ليس كرّم أخلاق من واشنطن أو من باب الحرص، بل لأن الأكلاف تفاقمت على الولايات المتحدة داخلياً وخارجياً، ولأن المعادلات الجديدة التي رُسمت في المنطقة تخطت واشنطن بمراحل وليس باستطاعتها فرملتها أو الحدّ منها، فعند كل حدث مفصلي تحدّد معادلات وقواعد اشتباك جديدة تميل لصالح قوى المقاومة ومحورها في النضال لأجل فلسطين وقضيتها ضد المحور الأمريكي- الصهيوني حتى وصل الحال بالولايات المتحدة اليوم إلى أن تكون ممزقة في الشرق الأوسط و«إسرائيل» مُهانة حسب توصيف أوردته مجلة «إكونوميست».
الردّ الإيراني تذكير صارخ بفقدان الردع الإستراتيجي لـ«إسرائيل» وأميركا.. وخلق واقعاً أصبحت فيه علامة الاستفهام حول وجود «إسرائيل» حقيقية وليست مجرد نظرية
– الردّ الإيراني ومعركة رفح
الردع الذي أوجده الردّ الإيراني على استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق أوائل الشهر الجاري، سرت تبعاته على معركة رفح التي لا يفتأ كيان الاحتلال يهدد بها، إذا كشفت آخر المستجدات أنه «كان من المقرّر البدء بإلقاء منشورات على رفح تُوجِّه الأهالي لإخلائها السبت الماضي، إلّا أن الردّ الإيراني عطّل المخطط» وهنا يمكن النظر إلى الموضوع من زاويتين، الأولى: يعدّ الردّ إسناداً غير مباشر لقطاع غزة ومعركته ضد الاحتلال الصهيوني وبالتالي فإن الردّ فرمل معركة رفح.. والثانية ورغم أن المعركة ممكنة في أي وقت لكن ربما وجد العدو في الردّ الإيراني ذريعة لحفظ ماء وجهه أمام التأخير المستمر في البدء بالمعركة، إذ ربما أدرك أنه لن يحصل على إنجازات لم يستطع الحصول عليها طوال سبعة الأشهر الماضية في غزة، وبكل الأحوال فإنّ البدء في المعركة لن يزيد إلّا من خسائر الكيان.
– فقدان الردع الإستراتيجي
على العموم فإنّ فقدان الردع الاستراتيجي للكيان والولايات المتحدة في آنٍ معاً لن يغيّر الحقائق ويعيد بالمعادلات إلى عقود خلت، وعليه فإن الردّ على الردّ لن يأتي بأي نتيجة تذكر سوى حفظ ماء الوجه، لذلك أقرّ مسؤولون أمريكيون بأن «الردّ الإسرائيلي على إيران سيكون محدود النطاق ويمكن أن يتضمن ضربات ضد القوات العسكرية الإيرانية والوكلاء المدعومين من إيران، لكن ليس من الواضح متى سيحدث» حسب تعبيرهم.
الولايات المتحدة ممزقة في الشرق الأوسط و«إسرائيل» مُهانة وعند كل حدث مفصلي يتم تحديد معادلات وقواعد اشتباك جديدة تميل لصالح قوى المقاومة
بالتزامن، عادت إيران لتؤكد ما دأبت عليه منذ ردّها بأن أي عمل ضدها سيقابل بردٍّ أكثر إيلاماً، إذ أكد الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، اليوم الثلاثاء، أنّ بلاده سترد بشكل هائل وواسع وموجع على أدنى عمل يستهدف مصالحها وعلى كل مرتكبيه، مشيراً إلى أن الدعم الأعمى الذي تقدمه بعض دول الغرب للكيان الصهيوني يوفر أرضية للتوتر بالمنطقة، معتبراً أن القضية الراهنة الأكثر أهمية في المنطقة وحتى العالم هي استمرار الإبادة الجماعية الوحشية بحق الفلسطينيين في غزة وضرورة بذل جهود فعالة لوقف جرائم الكيان الصهيوني.
في السياق، ذكرت صحيفة «إسرائيل هيوم» أنّ إيران توقّفت عن الخوف، الأمر الذي يمثّل بشرى سيئة للأميركيين وحلفائهم في المنطقة، مؤكدة أنّ الهجوم الليلي من إيران هو تذكير صارخ بفقدان الردع الإستراتيجي لـ«إسرائيل» والولايات المتحدة، كما أنّه خلق فرصةً لتغيير الوضع الجيوسياسي في الشرق الأوسط، وأنّ النظام الإيراني الحالي أسّس إستراتيجية متطورة، ويحاول بصبر لا نهاية له، خلق واقع تصبح فيه علامة الاستفهام حول وجود «إسرائيل» حقيقية وليست مجرد نظرية، في حين تحدّثت صحيفة «هآرتس» عن العزلة الدولية التي تعيشها «إسرائيل»، قائلة: عزلة «إسرائيل» مختلفة، إذ إنّها ثمرة مقاومة وعداء من مواطنين في الكثير من البلدان حول العالم، محذّرةً من أنّ التعاون مع الولايات المتحدة والحلفاء لن يكون ممكناً بصورة دائمة، في حال عدم تغيير السياسات المتّبعة، كما لفت مسؤول «أمني» إسرائيلي إلى أنّ الإيرانيين لم يقولوا كلمتهم الأخيرة بعد.
الردع الذي أوجده الردّ الإيراني سرت تبعاته على معركة رفح ويعدّ إسناداً غير مباشر لقطاع غزة ومعركته ضد الاحتلال الصهيوني
– تهجير وتجويع
كما هي عادته يعوض كيان الاحتلال الإسرائيلي هزائمه بمزيد من الإجرام بحق الفلسطينيين، إذ إنه في خضم كل ما جرى منذ ليل السبت- الأحد، فإن حديث الإبادة الجماعية يبقى حاضراً إلى جانب الإجرام الصهيوني وحرب التجويع المتواصلة، حيث أعلن برنامج الأغذية العالمي أنه يحتاج إلى وقف إنساني لإطلاق النار، ووصول أوسع إلى المناطق في غزة، كي يتغلب على المجاعة في القطاع.
وفي وقتٍ سابق، دعا المفوّض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» فيليب لازاريني «إسرائيل» إلى السماح لقوافل الأغذية التابعة للمنظمة، بالدخول إلى شمال غزّة، كما دعاها إلى فتح معابر بريّة إضافية، لتسهيل إيصال المساعدات، وسط تحذيراتٍ دولية من حدوث مجاعة في القطاع.
وارتقى العديد من الشهداء نتيجة التجويع الذي يمارسه الاحتلال، معظمهم من الأطفال، فيما استشهد آخرون بنيران الاحتلال خلال محاولتهم الحصول على الطحين، أو من جرّاء سقوط المساعدات عليهم خلال الإنزالات الجوية العشوائية، أو غرقاً أثناء سعيهم للحصول على الصناديق التي تسقط في البحر.
إلى ذلك، تحدّثت مصادر صحافية أنّ الاحتلال الإسرائيلي ينفّذ عمليةً عسكريةً، منذ أمس الإثنين، تهدف إلى إفراغ بيت حانون وشرقي جباليا، شمالي قطاع غزة، من الفلسطينيين، كما أشارت المصادر، إلى تقدّم الآليات العسكرية الإسرائيلية تجاه مراكز الإيواء في بيت حانون، ومواصلتها محاصرة مئات النازحين في مدرسة «مهدية الشوا» منذ الليلة الماضية، إضافة إلى اعتقال العشرات من الشبان، وإجبار النساء على خلع حجابهن أثناء عملية التفتيش، وإخراجهن من المنطقة.
كذلك، أجبر الاحتلال كل العائلات الموجودة في بيت حانون على النزوح منها، واعتقل عدداً من الشبان، وجاء ذلك في ظل قصف مدفعي عنيف، وقصف من الطيران الحربي وإطلاق نار كثيف.
وفجر اليوم استشهد عدد من الفلسطينيين فيما أُصيب آخرون، بعد قصف طيران الاحتلال مسجداً غربي مخيم جباليا، بينما توغّلت آليات إسرائيلية في بيت حانون، وتحدثت مصادر محلية عن انقطاع الاتصالات والإنترنت عن بيت حانون، بالتزامن مع توغل قوات الاحتلال.
وكانت وزارة الصحة الفلسطينية أعلنت عن ارتفاع عدد ضحايا عدوان الاحتلال المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول الماضي إلى 33797 شهيداً و76465 جريحاً.