أول خطوة ميدانية «عسكرية» نحو خريطة شرق أوسط جديد ليس أميركياً ولا إسرائيلياً.. الرد الإيراني وخطوط «الصبر الاستراتيجي» الحمراء: عندما تقتضي الضرورات نغلبه ولا يغلبنا
تشرين – هبا علي أحمد:
شكل الرد الإيراني على الكيان الصهيوني على استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق نقطة تحول في مجرى الصراع مع الكيان الصهيوني الغاصب أضيفت إلى نقطة التحول التي كرستها أساساً عملية طوفان الأقصى، راسماً معادلات جديدة وقواعد اشتباك مغايرة لما أرسي من قبل، كما لا يمكن في أي حال فصل الرد الإيراني عن مجمل التطورات في قطاع غزة والإبادة الجماعية التي يمارسها كيان الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني ليس فقط منذ السابع من تشرين الأول الماضي بل منذ جريمة النكبة عام 1948، وبالتالي فإن مسار الصراع مع العدو يجب أخذه في الحسبان ولا يمكن تجزئته وفصله عن خلفياته وسياقاته التاريخية، كما لا يمكن إغفال أهمية الرد مهما كانت محدوديته وما حققه – وهو ما تقصدته إيران – من أنه انطلق من الأراضي الإيرانية في مفاجأة لافتة وغير مسبوقة، كون العدو كان يترقب كل جبهات الإقليم، وأراد أن تنخرط مباشرة بالرد الذي كان مرتقباً إلّا أن توقعاته خابت وفشلت كما فشل في تحقيق أي منجز في ميدان غزة، كما أن تعويل البعض على الصبر الاستراتيجي لإيران لم يعد مجديّاً كما في كل مرة، وربما تنظر إيران إلى موضوع صبرها الاستراتيجي على أنه سلاح ذو حدين، ولا بد من أن تغلبه بدلاً من أن يغلبها عندما تقتضي الضرورات.
لا يمكن في أي حال فصل الرد الإيراني عن مجمل تطورات المنطقة خصوصاً جبهة غزة.. كما لا يمكن فصله عن مسار الصراع مع الكيان الإسرائيلي في خلفياته وسياقاته التاريخية
– خوف من الرد ودعوات للتهدئة
لفترة ليست بالقصيرة ستبقى مفاعيل الرد الإيراني حاضرة في مشهد الصراع الراهن، بل الأكثر من ذلك ستسجل للتاريخ، كما إن تداعيات الرد الإيراني والخشية من المقبل في حال أقدم الكيان على مغامرة جديدة دفعت حتى الداعمين للكيان إلى محاولة لجمه عن أي خطوات قادمة، إدراكاً منهم أن الرد الإيراني المقبل سيكون أشد وطأة وأكثر إيلاماً وسيُفاقم الصراع، لذلك تأمل بريطانيا على لسان وزير خارجيتها ديفيد كاميرون «ألا يكون هناك رد انتقامي من إسرائيل على إيران» متذرعاً بضرورة «تحويل الأنظار إلى تصرفات حماس التي لا تزال تحتجز الرهائن في غزة»، وقبله حاولت واشنطن ردع الكيان عن الرد.
ووصل الأمر إلى أن يطلب مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز من تركيا التوسط بين إيران و«إسرائيل»، مع دعوات دولية وأممية للابتعاد عن حافة الصراع، إذ صرح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بأن الوقت قد حان للابتعاد عن حافة الهاوية، ووقف أي أعمال قد تقود لمواجهات عسكرية واسعة في الشرق الأوسط، في حين دعت روسيا على لسان مندوبها الدائم لدى مجلس الأمن الدولي فاسيلي نيبينزيا إلى وقف إراقة الدماء في الشرق الأوسط منتقدة مجلس الأمن الدولي لتجاهله الهجوم على القنصلية الإيرانية، مشدداً على أن الاجتماع العاجل الذي عقده المجلس الأمن بشأن الهجوم الانتقامي الذي شنته إيران على «إسرائيل» هو استعراض للنفاق والمعايير المزدوجة ويكاد يكون مخجلاً، مؤكداً أنه لو كانت بعثة غربية هي التي هوجمت لكان الموقف مختلفاً، في الوقت ذاته أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن دفاع بلاده في مجلس الأمن عن الخطوة المشروعة لإيران.
ستبقى مفاعيل الرد الإيراني حاضرة في مشهد الصراع الراهن، والخشية من المقبل دفعت حتى الداعمين للكيان إلى محاولة لجمه عن أي خطوات قادمة من شأنها أن تفاقم الصراع
– الهجوم الأكثر تنسيقاً وتركيزاً
في رصد لوسائل إعلام العدو نجد أنه من الصعب التعتيم على الحقائق والمعادلات التي ثبتها الرد الإيراني، إذ استنكرت صحيفة «معاريف» محاولات بعض وسائل الإعلام، كما بعض الجنرالات، التخفيف من قيمة ما فعلته إيران وحدّته وخطورته، معتبرة أن الإيرانيين انتصروا قبل إرسال صواريخهم وطائراتهم بوقت طويل، لافتة إلى أن رد إيران كان له في الأساس «مغزى رمزي»، لكن في الخلاصة، تعمل إيران وفقاً للقواعد التي تمليها هي، وإنها تفعل ذلك بعقلانية مطلقة، ولا يبقى لنا إلا أن نتعلم من اللباقة التي تعمل بها، في حين رأت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أنّ ليلة الرد الإيراني على استهداف القنصلية في دمشق كانت مهزلةً استراتيجيةً بالنسبة لـ«إسرائيل»، مشككة في ما إذا كان باستطاعة الإسرائيليين، أن يقولوا لماذا تم تنفيذ اغتيال يمكن أن يقود إلى مواجهة أكثر تعقيداً بمليون مرة مما هي عليه في الشمال والجنوب، بينما القصة هناك أيضاً بعيدة عن أن تنتهي، وتساءلت الصحيفة ساخرةً: كيف يُفترض أنّ يقوم القادة، الذين سبق أن أقرّوا عدة مرات خططاً لغزو رفح، والذي لم يحدث بعد، بتهديد طهران؟.
في السياق ذاته، تحدثت وسائل إعلام العدو عن؛ إنّ هجوم إيران ليلة 14 نيسان كان الهجوم الأكثر تركيزاً وتنسيقاً من الذخائر الدقيقة «الصواريخ الموجّهة» في التاريخ الأمني العالمي، في حين لفتت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية إلى أن حجم الهجوم الإيراني يضعه بين أكبر الهجمات التي شهدتها الحروب الحديثة، ويثير التساؤلات حول قدرة «إسرائيل» على الدفاع عن نفسها في المستقبل من دون مساعدة خارجية.
الإيرانيون انتصروا قبل إرسال صواريخهم وطائراتهم، وإيران تعمل وفقاً للقواعد التي تمليها هي وبعقلانية مطلقة
– الفوائد الغربية من صراع جديد
على خلفية الرد الإيراني أكد خبراء دوليون أن «إسرائيل» تريد إشعال النار في أنحاء الشرق الأوسط لعدم قدرتها على تدمير «حماس»، مشيرين إلى مزايا سيحظى بها الغرب من هذا التصعيد، إذ إنه من شأن حرب جديدة في الشرق الأوسط أن تعزز عمل المجمع الصناعي العسكري الأمريكي، وكذلك صناعات بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا العسكرية.
إلى ذلك، أكدت طهران أن خطوتها ضد كيان الاحتلال كانت دفاعاً عن النفس ورداً على اعتداءات الكيان المحتل، وتمّت بطريقة مهنية، ومنطقية ومسؤولة، لافتة إلى أنها كانت ضرورية ومتناسبة نتيجة السلوك غير المسؤول للكيان الصهيوني والغرب، إلا أنّ إيران لا تريد مزيداً من التوتر في المنطقة، وحملت إيران مجلس الأمن الدولي عدم القيام بمسؤوليته عن عدم الرد تجاه الاعتداء على القنصلية، ما دفع إيران إلى الرد على الاعتداء، قائلة: لن نتردد أو نجامل أحداً في الرد على من يتجاوز خطوطنا الحمر، ولولا الضوء الأخضر الأمريكي لما تجرأ الكيان الصهيوني على الاعتداء، وعلى واشنطن تحمل مسؤولية العواقب.