77 عاماً على التأسيس.. السوريون إذ يستمرون بإحياء ذكرى ميلاد حزب البعث: للحقيقة والتاريخ.. إنصافاً وتأكيداً والتزاماً بسورية الوطن شعباً وهوية.. ونصراً على كل عدو ومتآمر
تشرين – مها سلطان:
ليس كل السوريين «بعثيين».. لكنهم لا يختلفون على الوطن، عندما يكون الوطن هو القضية فإن كل السوريين حزب واحد أياً تكن التسميات والانتماءات.
ليس كل السوريين «بعثيين».. لكنهم وبعد 14 عاماً على أشرس حرب إرهابية يتعرض لها بلدهم وما زالت مستمرة فصولاً أشد وأقسى، يدركون تماماً أن المطلوب لم يكن إسقاط «حزب» أو «نظام» بل إسقاط سورية كدولة وطنية، وكدولة بتوجهات قومية عربية.
ليس كل السوريين «بعثيين».. ولكنهم اليوم و«تباعاً» لا ينكرون أن «دولة البعث» كانت رقماً صعباً على مستوى الإقليم «والمعادلات الدولية» هذا عدا عقود الاستقرار والأمن «بما فيها الأمن الغذائي والمعيشي».. وإن كانوا اختلفوا طوال هذه العقود على مسيرة حزب البعث ودوره وإدارته، فإنه خلاف لم يهدم للدولة ركناً، ولم يقوض قوتها الداخلية ولا مكانتها عربياً وإقليمياً.
ليس كل السوريين «بعثيين» لكنهم كذلك بسوريتهم وعروبتهم.. بـ«طينتهم» التي مثلها حزب البعث سواء انتموا له أم لا.. اختلفوا معه أو اتفقوا
ليس كل السوريين «بعثيين».. لكنهم كذلك بسوريتهم وعروبتهم، أو لنقل بـ«طينتهم» التي مثلها حزب البعث، سواء كانوا منتمين له أم لا، اختلفوا معه أو اتفقوا، لذلك عندما يحل يوم 7 نيسان من كل عام، يكون كل السوريين معنيين بذكرى تأسيس حزب البعث التي تتم اليوم الـ77 عاماً.
– للحقيقة والتاريخ.. إنصافاً وتأكيداً
كان مطلوباً أن يستقيل من مهامه الوطنية، فتبقى سورية نهباً للاضطرابات والانقلابات.. مرتهنة للضعف والتبعية.
كان مطلوباً أن يستقيل من مهامه القومية العربية، فتبقى العروبة فاقدة لسورية وهي أحد أهم أعمدتها.. فتستمر هذه العروبة عرجاء تستجدي.
لكن حزب البعث استمر وطنياً..عربياً.. اشتراكياً.
ثم.. وفي ربيع الكفر والتكفير، كان مطلوباً أن يسقط فتسقط معه سورية مادياً ومعنوياً، وطنياً وعربياً.. كان مطلوباً أن يسقط من الوعي والوجدان السوري والعربي، لذلك كان الحملة الإرهابية ضد سورية «وضد حزب البعث العربي الاشتراكي» شرسة في كل مراحلها «بما فيها العسكرية.. ألم يقل غزاة العراق عام 2003 إن هدفهم تخليص العراقيين من «البعث» باعتباره الشر المطلق.. وأنه بتدميره ستكون للعراق قيامة جديدة.. وحتى الآن لم يرَ العراقيون سوى جهنم تلفح بنيرانها الإرهابية حاضرهم ومستقبلهم.. هذا ما أرادوا تكراره في سورية منذ ذلك الوقت لكنهم فشلوا مرة بعد مرة وصولاً إلى عام 2011 وانطلاق شرور الربيع العربي».
كان مطلوباً أن يسقط حزب البعث العربي الاشتراكي في سورية، وبالبعد العربي أيضاً.. زمن سورية انتهى، هكذا أعلنوا، وهكذا توهموا.. زمن العرب والعروبة انتهى، فليعُد العرب إلى زمن التفتت والاقتتال، ليكونوا كيانات صغيرة ضعيفة، ولا حاجة للأحزاب بل لأوصياء فقط يديرون أمور هذه الكيانات وعلاقاتها مع بعضها البعض بعدما عجزت – عندما كانت دولاً – طوال ما بعد الاستقلال أن تدير أمورها وأن تبني علاقات سوية متوازنة فيما بينها ومع غيرها.
إنه منطق القبيلة وليس منطق الدولة الوطنية.. هذا ليس قولنا بل هو قول الغرب نفسه الذي تعامل مع الكثير من الأنظمة العربية على أنها قبائل وليس دولاً، ألم تنعت صحيفة «إيكونوميست» البريطانية، ذات مرة، الأنظمة الخليجية بأنها «قبائل ترفع أعلاماً» قبل أن توسع جغرافية النعت لتضيف إليه أنظمة عربية أخرى.
كان مطلوباً من سورية – ومن حزب البعث العربي الاشتراكي – أن تتحول إلى هذا الحال «قبيلة ترفع علماً» لتكتمل خريطة الضعف العربي، ولكن.. لا سورية فعلت ولا حزب البعث فعل.. صحيح أن حزب البعث – ومنذ بدء الحرب الإرهابية على سورية – تحول بكامل تركيزه وعمله باتجاه الداخل، وصحيح أن تطورات الساحة العربية – بدءاً من غزو العراق – أصابته في مواضع شتى ودفعته إلى ما يمكننا تسميته «قلة حيلة» بسبب الأحداث المتتالية بصورة كارثية.. وصحيح أن الحملة ضده كانت شرسة جداً.. إلا أنه – قيمة ومضموناً وعملاً – لم يتخلَّ عن شعاره الذي رفعه: أمة عربية واحدة ذات راسلة خالدة.. هذا شعار لم يسقط رغم انحسار دور حزب البعث عربياً، لماذا؟
لم يكن البعث حزباً تصادمياً ولا انفعالياً ولا منغلقاً بل كان جَمْعيّاً فاعلاً مؤثراً ومنفتحاً.. وفي الوقت نفسه لم يكن من دون انتكاسات أو انشقاقات أو مؤامرات داخلية وخارجية شأنه شأن كل الأحزاب في العالم
– «البعث».. قيماً وممارسة وعملاً
أولاً، لأن هذا الشعار لم يكن يوماً شعاراً حزبياً، أي شعار حزب البعث العربي الاشتراكي فقط، بل هو شعار كل السوريين الذين لطالما قدموا الانتماء العربي على ما عداه.. لطالما كان السوريون قلباً وقالباً مع الأمة.. السوريون ليسوا كلهم بعثيين، وإذا ما اتجهنا إلى مقارنة بين السوريين ما قبل الحرب الإرهابية على بلادهم وما بعهدها فإننا لا نستطيع القول إن هذه الحرب لم تكن لها تأثيرات عليهم وعلى معتقداتهم وتوجهاتهم وآرائهم، وإنها لم تُصبْهم بالكثير من الخذلان وخيبات الأمل، لكنهم لم يُسقطوا شعار: أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، فكيف يستطيع حزب البعث أن يسقطه، وهو نابع من إرادة شعبية وليس من نزعة سلطة وتسلط كما حاولوا أن يصوروا حزب البعث في سبيل تشويهه عقيدة وانتماء وعملاً.
ثانياً، لأنه لم يقم على أساس طائفي أو ديني، ولم تؤسسه جهات خارجية أو تدفع إلى تأسيسه أو تموله، بل كان حزباً جامعاً لكل السوريين، متحدثاً باسمهم وحاملاً لهمومهم، وتكفينا عودة سريعة إلى مرحلة التأسيس.. وإلى المؤسسين.
ثالثاً، لأنه خرج من صفوف الشعب، لم تكن «الاشتراكية» شعاراً بل كانت عملاً يومياً وممارسة تكرست في كل قطاعات الدولة على اختلاف مستوياتها وأدوارها، وبذلك امتلك حزب البعث ديمومة العطاء والقدرة على التطور والتطوير والتجاوب مع متطلبات كل مرحلة داخلياً و«خارجياً».
رابعاً، لأنه لم يكن حزباً تصادمياً ولا انفعالياً ولا منغلقاً، بل كان جَمْعيّاً فاعلاً مؤثراً ومنفتحاً.. لكنه في الوقت نفسه لم يكن من دون انتكاسات أو انشقاقات أو مؤامرات «داخلية وخارجية» شأنه شأن كل الأحزاب في العالم، ولا يضير حزب البعث أو ينال منه أنه كان حزباً حاكماً، ففي نهاية المطاف أليس هذا هدف كل حزب؟.. أن يوجد في موقع يكون قادراً فيه على التأثير وبما يجعله موجوداً دائماً على ساحة الفعل.. أليست هذه حال الأحزاب في أوروبا أو الولايات المتحدة «في حال كان بعضنا يعدها نبراساً ومقياساً».. لماذا كان حلالاً على هذه الأحزاب أن تسعى إلى السلطة وتعمل كل ما بوسعها للبقاء فيها.. فيما هو حرام على حزب البعث.. أليس كل حزب موجود في السلطة في أي بلد حول العالم، يسمى الحزب الحاكم، فلماذا تعد هذه التسمية تهمة عندما يتعلق الأمر بحزب البعث؟!
لم يكن سهلاً على الإطلاق ترتيب وتنظيم الأوضاع في بلد هو جزء من منطقة رسم حدودها المستعمر لتكون حدوداً متفجرة تحكم كل دولة على حساب التطوير والاستقرار الداخلي.. وهذا كان أهم إنجاز للبعث
خامساً، بالعودة إلى سنوات تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي، ثم تحوله إلى «حزب قائد»، أي من سنوات الاضطرابات والانقلابات إلى عقود الدولة النامية المستقرة.. لم تكن تلك السنوات بالسهلة.. لم يكن سهلاً على الإطلاق ترتيب وتنظيم الأوضاع في بلد هو جزء من منطقة رسم حدودها المستعمر الفرنسي والبريطاني لتكون حدوداً متفجرة تُبقي كل دولة محكومة مرتهنة متأهبة دائماً على حساب عملية التطوير والاستقرار الداخلي.. لم يكن تنظيم الأوضاع في سورية سهلاً، فكيف الحال بالإمساك بزمام الأمور فيها وقيادتها.. كان على حزب البعث التعامل مع بذور الفتنة التي زرعها المستعمر والذي عمل – حتى بعد خروجه مدحوراً مهزوماً – على إبقاء جذور الطائفية والمذهبية حيّة لتكون هي البوصلة بدلاً من الانتماء الوطني، وكان السوريون يشهدون عاماً بعد عام كيف تمت إعادة اللحمة بينهم في أربع جهات سورية على أساس الوطن الواحد والشعب الواحد المتساوي في الحقوق والواجبات، من التعليم وتوحيد مناهجه، إلى توفير الخدمات على قدم المستويات، وصولاً إلى الجيش الواحد الموحد في الانتماء الوطني، وفي العقيدة نحو أمة عربية واحدة ليكون في خدمتها كما هو في خدمة وطنه سورية.. كل هذا شهده السوريون وعاشوه وتمسكوا به.. تمسكوا ليس بحزب البعث بحد ذاته بل بما حققه من عقود رفاه واستقرار، وأي أحد لا يستطيع إنكار ذلك.
سادساً، في مرحلة التأسيس وفي كل المراحل بعدها، كانت فلسطين هي البوصلة، والعدو واحد ومعروف.. هذه لم تكن بوصلة حزب البعث فقط، بل بوصلة كل السوريين.. حزب البعث عمل على إدامة القضية الفلسطينية متجذرة في وعي السوريين وفي أهدافهم جيلاً بعد جيل، فكانت فلسطين موجودة ركناً أساسياً في النظام التعليمي وفي الثقافة والمعرفة وفي الممارسة اليومية، تماماً كما كانت القومية العربية موجودة بالطريقة ذاتها، منهج عمل وثقافة، بل بإمكاننا القول نظام حياة.. ربما لهذا سجّل السوريون على الدوام موقفاً متقدماً في الدفاع عن فلسطين وعن العروبة.. لنذكر هنا أن من ضمن المطالب الغربية الأساسية من سورية – ما قبل «الربيع العربي» وتحديداً منذ منتصف التسعينيات – إجراء تغيير جذري في النظام التعليمي السوري وبما يُخرج فلسطين والعروبة منها، أو أن يتم المرور عليها مرور الكرام، فلا ترسخ في وجدان الطفل السوري ووعيه، ولا تنتقل معه مرحلة بعد مرحلة، ومن جيل إلى جيل.. ونحن هنا لا نفشي سراً، الجميع يعرف ذلك، كما لا يخفى على أحد أن أحد الأهداف الرئيسية للربيع العربي كان إسقاط فلسطين، باعتبارها القضية الوحيدة التي تجمع الأمة.
سابعاً، لا أحد يستطيع أن ينكر دور حزب البعث منذ التأسيس رسمياً في 7 نيسان 1947 وأنه كان الحزب الأكثر حضوراً على الساحة العربية.. كانت له فروع في أغلب الدول العربية (وفي العراق كان حزباً حاكماً)، لا أحد يستطيع أن ينكر أنه استطاع تحقيق استقطاب عربي واسع كحزب نضالي مقاوم.
ثامناً.. كان بإمكان حزب البعث أن يتخلى عن كل ما سبق ويتحول حزباً داخلياً موضعياً وهو الذي لم يتوقف كثيراً عند مسألة «المادة الثامنة» سواء استمرت قائمة أم لا، سواء كان حزباً حاكماً أم لا، فهو عندما رفع شعاره وأهدافه لم يكن في الحكم، ولم يكن شعاراً للسلطة بقدر ما كان شعاراً وطنياً عقائدياً.. لم يتخلَ حزب البعث عن حمل الأمانة، لا سورياً ولا عربياً.. لذلك هو لم يَسقط بإلغاء المادة الثامنة كما كان يُراد له، أو كما كان العدو وأدواته يُمنّون أنفسهم، بل كانوا متيقنين من سقوطه، لهذا كانت خيبة أملهم هائلة.
– ليس دفاعاً عن حزب البعث
كل ما سبق ليس دفاعاً عن حزب البعث بقدر ما يطرح جملة أسئلة: لماذا علينا أو لماذا مطلوب منا أن نَكْفر بكل شيء ونُكفّر كل شيء: تاريخنا، حضاراتنا، رموزنا، الماضي القريب والحاضر.. هل يُعقل أن كل ما مضى وكل ما لدينا هو سيىء ومشوه ويجب إسقاطه.. هل يُعقل أنه ليست لدينا محطة تاريخية مشرفة، وأن كل تاريخنا كاذب ومزور ومخجل.. لماذا علينا أن نكون أمة بلا تاريخ ولمصحلة مَنْ.. هل يُعقل أنه لا يمكننا الاتفاق والالتقاء حول قضية أو هدف؟
لا نقول إن حزب البعث مُنزّه عن الخطأ، فهو كأي حزب في العالم قد يُخطئ الرؤية والتقدير فيُخطىء العمل، ثم يتراجع للتصحيح ويستقيم مجدداً.. قد تصيب بعض أفراده نوازع شخصية ومطامع فردية كأي حزب في العالم، لكن النهج الأساسي لا يتأثر ولا يتغير.. وإذا كان حزب البعث أصابه ذلك فهذا لا يلغي تاريخه وإنجازاته.
لماذا كان مطلوباً منّا – في مسألة حزب البعث تحديداً- أن ننظر إلى تلك المساحة الفارغة القليلة جداً من الكأس.. إذاً كيف استطاعت سورية طوال عقود ما بعد الاستقلال أن تكون دولة لها كل المقومات الأساسية المعروفة لأي دولة.. دولة مؤسسات ونهج واضح محدد: مجتمع وجيش واقتصاد ورؤى مستقبلية.. وكيف استطاعت أن تصمد وتواجه وتنتصر رغم شراسة الحرب الإرهابية التي تواجهها إذا كان حزب البعث حزباً سلطوياً وتسلطياً؟
– وعليه.. نحيي ونحتفي
لكل ذلك، ولغيره كثير جداً.. نحيي ذكرى ميلاد حزب البعث العربي الاشتراكي الـ77 ونحتفي بها.. هكذا هم السوريون على تعدد أحزابهم وانتماءاتهم، لا يختلفون على الوطن، وعندما يكون الوطن هو القضية فإن كل السوريين حزب واحد.. بهدف واحد.