ماذا بعد امتناع واشنطن عن الـ«فيتو»؟.. الكيان الإسرائيلي تحت ضغط الترقب والتبعات المحتملة.. والتساؤلات تتركز على الميدان والتنفيذ على الأرض
تشرين- هبا علي أحمد:
فُتحت معركة في مجلس الأمن الدولي أمس ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي، وأفرزت عن تبني مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، من دون أن تحرك الولايات المتحدة الأميركية ساكناً على غير العادة.. لكن امتناع واشنطن عن استخدام الـ«فيتو» هو ذاته امتناعها عن التصويت، بمعنى أنه رغم مسرحية الغضب الإسرائيلي، فإنها ما زالت تدعم الكيان قلباً وقالباً وامتناعها عن التصويت لا يُبرؤها من المجازر المرتكبة بحق الفلسطينيين في غزة ورفح.. ربما أرادت واشنطن أن «تأخذ قسطاً من الراحة» لم يوفرها لها الكيان وبالتالي كان عليها أن تنتزعه انتزاعاً عبر مجلس الأمن الذي تبنى القرار، لكن هل يستطيع المجلس أن يسير في الطريق إلى نهايته، بمعنى تنفيذه الفعلي على الأرض وإجبار الصهيوني على الخضوع؟.
«إيجابيّة» قرار مجلس الأمن تبقى منقوصة إن لم يستطع أحد إلزام الكيان بالتنفيذ مع ما يرتبط به من إنهاء الحصار وفتح المعابر الإنسانية وتمويل إعمار غزة
ربما الجواب كان واضحاً، بل أتى مباشرة باستمرار آلة الحرب الصهيونية عملها على الأرض، أي إن الكيان أعطى ظهره للقرار كما كل القرارات الدولية السابقة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وكما عند كل مفصل يومي، إن صح القول، يبقى حديث عملية عسكرية في رفح قائماً، وكذلك يبقى الجوع يفتك بأهالي غزة ونقص الوقود والاحتياجات الأساسية لاستمرار عمل مستشفيات القطاع في التحذيرات والمناشدات من دون أي نتيجة.
– إيجابية منقوصة
رغم الترحيب الدولي الواسع بقرار الأمس، لكن «إيجابيته» كما وصفها البعض تبقى منقوصة إن لم يستطع أحد إلزام الكيان بالتنفيذ مع ما يرتبط بذلك من ضرورة إنهاء الحصار وإعادة فتح المعابر الإنسانية لإدخال المساعدات وكذلك تمويل عملية إعادة إعمار غزة، وبالتالي الكرة اليوم في ملعب مجلس الأمن الدولي وهو أمام فرصة حقيقية لاستعادة الثقة التي فقدها كمنظمة دولية أصبح اللجوء إليه في سياق التسلسل القانوني- السياسي ليس إلّا، لأن النتائج معروفة مسبقاً ومحكومة بالفشل، وإن نجحت فهي وقتيّة أي في لحظتها، تماماً كما تبني القرار المذكور ولكن ماذا بعد التبني؟ هنا تكمن كل القصة.. أما عن أميركا التي قدمت ذريعتها للكيان بعد التصويت على القرار «لأنه فقط لا يدين عملية حماس في السابع من تشرين الأول الماضي» واعتبرت القرار غير ملزم، وبالتالي واشنطن تُشرعن للكيان استمرار عدوانه وبضوء أخضر، أما لماذا لم تستخدم الـ«فيتو» فربما يعود الأمر لسببين: الأول كما ذكرنا مسبقاً لـ«قسط من الراحة» ولتخفيف اندفاعة الكيان قليلاً لإعادة ترتيب الأوراق، والثاني مرتبط بالموسم الانتخابي والضغوط التي تعيشها إدارة الرئيس جو بايدن داخلياً على خلفية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وحتى الضغوط الخارجية.
رغم ذلك فإن امتناع واشنطن عن استخدام الـ«فيتو» أثار عاصفة داخل الكيان الذي يرى أن امتناع الولايات المتحدة عن فرض الـ«فيتو» في مجلس الأمن بمنزلة رفع «بطاقة صفراء لإسرائيل» الأمر الذي يعكس انتقاداً آخذاً بالتزايد بشأن السياسة الإسرائيلية، في ظل الحرب المتواصلة على قطاع غزة منذ أكثر من 5 أشهر، حسب مصادر داخل الكيان.
هل يستطيع مجلس الأمن أن يسير في الطريق إلى نهايته.. بمعنى إلزام الكيان بتنفيذ قرار وقف إطلاق النار على الأرض؟
وقال رئيس حزب «نوعام» عضو كنيست الاحتلال آفي ماعوز: «نحن في أيام مصيرية، الأمم المتحدة والولايات المتحدة اختارت الوقوف في طريق إسرائيل في حربها».
– الردّ الإسرائيلي
وغداة تبني القرار في مجلس الأمن الدولي، كان ردّ الاحتلال باللغة ذاتها التي لا يفقه غيرها، إذ قصف منزلاً في محيط مجمع الشفاء الطبي غرب مدينة غزة ما أسفر عن 30 شهيداً، مع نسف المجمعات السكنية في محيط المجمع الطبي حيث شنّ إعدامات ميدانية واعتقالات، في حين شهد محيط المجمع اشتباكات عنيفة بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال، كما استهدف الاحتلال منزلاً في مخيم المغازي وسط القطاع بالتزامن مع شن عدة غارات على مدينة دير البلح.
وفي رفح جنوب القطاع، استهدف الاحتلال فجر اليوم منزلاً يؤوي نازحين شمال المدينة ما أسفر عن استشهاد 15 شخصاً بينهم 4 أطفال، وجرح العشرات.
واستُشهد فلسطيني، وأصيب آخرون بقصف الاحتلال مجموعة من الأهالي في الحي السعودي غرب رفح، ولم تتمكن طواقم الإسعاف من نقل عدة إصابات معظمها خطرة، نتيجة استهداف طائرات الاحتلال الإسرائيلي التي استهدفت أيضاً مناطق جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا شمال القطاع ومدينة خان يونس جنوب قطاع غزة.
ومساء أمس أفادت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بخروج مستشفى الأمل التابع للجمعية في خان يونس جنوب القطاع عن الخدمة، بعد إجبار قوات الاحتلال الإسرائيلي طواقم المستشفى والجرحى على إخلائه وإغلاق مداخله بالسواتر الترابية.
إلى ذلك، خاضت المقاومة الفلسطينية اشتباكات ضارية مع قوات الاحتلال المقتحمة لمخيم بلاطة في نابلس بالضفة الغربية من عدة محاور بالأسلحة المناسبة، وأوقعت قوة راجلة للاحتلال في كمين محكم محققة إصابات مباشرة في صفوفها.
– إلى محكمة الجنايات
إذا كانت المعركة في مجلس الأمن سياسية، فإن المعركة القانونية التي تنتظر الكيان ليست بأقل أهمية، بل أخطر منها على الكيان الذي وُضع في قفص الاتهام منذ دعوى جنوب إفريقيا ضده في محكمة العدل الدولية، واليوم تدعو المقررة الأممية الخاصة بالأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيزي، إلى فرض عقوبات على الكيان وإحالته إلى محكمة الجنايات، إذ قدمت المقررة تقريراً شاملاً عن جرائم الاحتلال في قطاع غزة والضفة الغربية أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف، مؤكدة أنه ارتكب جريمة إبادة جماعية بحق الفلسطينيين.
ويكشف التقرير تفاصيل الجرائم التي ارتكبتها «إسرائيل» ضد سكان غزة والضفة الغربية، ما يشكل حسب الأدلة الدامغة جريمة إبادة جماعية موصوفة ومنسقة، حصلت بأوامر واضحة من قيادات إسرائيلية على مختلف المستويات.
جرائم الاحتلال لم تبدأ في 7 تشرين الأول بل هي امتداد لمراحل من التطهير العرقي للفلسطينيين وبسبب سياسة الحصار فإن ربع سكان غزة مهددون بالموت و«إسرائيل» أسقطت على غزة ما يعادل قنبلتين نوويتين
وأضافت ألبانيزي في تقريرها: إن جرائم الاحتلال لم تبدأ في 7 تشرين الأول، بل هي امتداد لمراحل من التطهير العرقي الجماعي للسكان غير اليهود في فلسطين، مؤكدةً أنّ ذلك حدث في عامي 1947-1949 ومرة أخرى في عام 1967 عندما احتلت «إسرائيل» الضفة الغربية وشرقها، وشبهت ألبانيزي ذلك بأيديولوجية عمليات الاستعمار الاستيطاني مثل تجربة الأميركيين الأصليين في الولايات المتحدة والأمم الأولى في أستراليا، محذرة أنه بسبب سياسة الحصار الإسرائيلي فإن ربع سكان غزة مهددون بالموت، وأنه خلال الأشهر الأولى من الحرب أسقطت «إسرائيل» على قطاع غزة أكثر من 25 ألف طن من المتفجرات، أي ما يعادل قنبلتين نوويتين.
وكشفت المقررة الأممية أن الاتهامات الإسرائيلية لـ«حماس» باستخدام أهل غزة دروعاً بشرية لا أساس لها من الصحة، وأن «إسرائيل» هي من يستخدم المدنيين في غزة دروعاً بشرية من خلال اعتبار كل شيء في غزة هدفاً لها بما فيها الكنائس والجوامع والمستشفيات.
وشملت الاتهامات- وفق التقرير- العمل على ضمان إجراء تحقيق شامل ومستقل وشفاف لتوثيق انتهاكات القانون الدولي، والتعاون مع هيئات دولية مستقلة لتقصي الحقائق، مطالبةً أيضاً بإحالة الوضع في فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية فوراً ودعم تحقيقاتها الجارية.