ما أفقر العالم إذا خلا من حنان الأم..!
القنيطرة – محمد الحُسَين:
عيد الأم، وما أدراك ما الأم؟ إنها أيقونة الحياة بكل ألوانها وتجلياتها وجمالياتها وفضاءاتها، المتوهجة محبة للخير، الموشحّة توقاً للجمال، المخضّبة شوقاً للسنديان والبطم والنعناع والخزامى، والصباحات المزهرة فرحاً، والمساءات المطرّزة ألفة ووداداً.
نعم إنها الأم السورية التي حملت الرسالة الأسمى، ورهنت روحها وحياتها لأبنائها، فكانت نبعاً للعطاء لا ينضب، ومدرسة للرعاية والتربية على الأخلاق وحب الوطن.
فالأمومة منبع الخير والطهر، وهي الرسالة الأسمى، والقيمة الأقدس التي تكللت بها المعاني العظيمة والأحداث الجليلة، وبمغزاها ارتبطت القضايا المصيرية، وتقاطعت مفاهيم خلق الروح من الروح في معنى الأمومة الأولى وصولاً إلى الإنسان ورسالته ومعانيه وأثره في الحياة.
في عيد الأم نقدم التهنئة أولاً وأخيراً لسورية الوطن الأم، ولكل أمهات سورية العظيمات حفيدات الحضارة والأبجدية الأولى.
وفي حضرة عيد الأم، لا أستطيع تجاوز نداء القلب، وغير قادر على كبح جماح دمع، يتساوق في العينين، لأن الموت غيّب والدتي، فأستحضرها وأقول: ما أفقر العالم إذا خلا من حنان الأم!
وفي عيدها أحتاج إلى الكتابة، لأنني مملوء بالدمع، ومسكون بالآهات والغصات، وكأنني أعيش مجمرة حزن مقدس!
في عيد الأم، تنتصب والدتي الحاضرة الغائبة سارية محبة، ومنارة فخر، وأيقونة حياة، فتشتعل شموع الحنين، وتتوهج الذاكرة بأربعين عاماً، قضيتها بين يديها، وفي أهدابها، وأمام ناظريها، وتعود الأيام الجميلة التي كُنا نرفل فيها، وينهض الشوق المخبوء، وتتفجر أصدق الكلمات.
مع أنني أدرك أن الموت هو الحقيقة المطلقة المؤكدة في حياتنا، إلا أنني لم أكن أعلم أن الابتسامة الحانية المرتسمة على وجهكِ يا أمي، ستغادرنا إلى الأبد، وأن الصوت الدافئ الرخيم الطافح بكل الحنان سيختفي، وأن الحسّ المتوفّز للخوف علينا والتضحية من أجلنا سيزول.
آه.. ما أصعب الحقيقة، وما أفدح المصاب.. لقد غاب المثل الأعلى، والمظهر الأجلى لكل شيء في حياتنا.
أمي الفاضلة!
إن السنين دربتني على استيعاب الألم والتعايش معه، وأعلم أيضاً أن الباقين في القلب ليسوا من الراحلين، كما أن الزمن يتسع للبناء والحياة.. وأعرف أنك ترفضين أن تُحطّمنا الأقدار والرزايا، فحيثما توجد الحياة، هناك موت أيضاً.. وثمة أشياء أعظم من الموت، وأجل من الحياة نفسها. أما الوفاء لك، فهو عزاؤنا برحيلك، وفي أغصانٍ وأوراقٍ شجرةٍ، أنتِ الجذور الطيبة لها، والجذع الذي حملها.
منى أن تكون كلماتي منديلاً لمسح الدمع، وبلسماً لطرد الحزن.
وأقول أخيراً: نضّر الله وجه والدتي ورحمها.