في الرحلة الشّامية «3».. ضيوفاً على اتحاد الصحفيين
تشرين- ادريس هاني:
استقبلتنا بحفاوة الصديقة رائدة وقّاف في مقر اتحاد الصحفيين السوريين، وهي تشغل منصب نائب رئيس الاتحاد ورئيسة لجنة الحريات في اتحاد الصحفيين في الجمهورية العربية السورية، وكان ذلك رفقة السيد خالد الشويكي عضو مجلس الشعب وعضو المكتب التنفيذي لاتحاد الصحفيين وأمين الشؤون الاجتماعية في الاتحاد، ودائماً كنا في إطار وفد البندقية، حيث جرى نقاش داخل الاتحاد، عُرض بعضه على صفحة الاتحاد نفسه، انصبّ على الوضع السوري ووضعية الإعلام، وذلك باعتبار أنّ الحرب على سورية باتت حرباً إعلامية غطّت وبررت كل أشكال التدخل التعسفي وخرق سيادة بلد سُلِّم غدراً للعبة الأمم، السيدة رائدة شاهدة على ذلك الخطاب الذي آمنّا به منذ الوهلة الأولى للحرب على سورية، وفي ألف ليلة وليلة من السّرديات التي جاوزت المدى في التّهويل وشيطنة بلد استطاع أن يخرج من فتنة الارتهان الثّالثي بصفر دَيْن قبيل الأحداث، فالحرب على سورية منذ البداية لم تكن بريئة، وهي في تقديري كانت حرباً على البرنامج التنموي، على وتيرة النّمو، على اقتصاد نجح في التحرر من المديونية، على التصنيع والزراعة وحجم الاحتياطي من القمح وعلى البنية التحتية.
هناك تسلمنا من السيدة رائدة تقرير الحريات، وهو شهادة أخرى على أنّ سورية أكثر شجاعة في تدبير الأزمة بأبعادها الوطنية والإقليمية والدولية، حيث إنّ محاربة التضليل ضمن الحرب الناعمة هي موضوعُ وهمُّ الاتحاد، وهمُّنا أيضاً، حيث ما زلنا طوال هذه الحرب شهوداً على الانتهاكات التي أصابت الصحفيين السوريين من الإرهاب، ويهدف التقرير أيضاً إلى الملاحقة المحلية والدولية لمنتهكي حقوق الصحفيين وعدم الإفلات من العقاب عبر التوضيحات المقدمة للدوائر الدولية المختصة، وكان تقرير سنة 2022، قد خلص إلى تجديد الاتحاد مطالبته الاتحاد الدولي للصحفيين بالسعي لرفع الحصار عن سورية والإجراءات القسرية الأحادية الجانب، وفقاً للقرار المتخذ في كونغرس الاتحاد الدولي الثلاثين المنعقد في تونس عام 2019.
لقد عانى الصحفيون السوريون من حالة قمع من الإرهابيين والعدوان الذي مارسه الاحتلال ضد الأصوات غير الخاضعة للأجندة الخارجية، ناهيك بالحرب النفسية والتشويه وقلب الحقائق، حيث استيقظ العالم على سردية واحدة قوامها التشويه والشيطنة وتبرير انتهاك السيادة والإرهاب، كل شيء يومها كان تحت مزاعم المهنية التي دخلت المنطقة الرمادية، الإعلام كأداة حربية تفوق، بل يتوقّف عليها مشروع عسكرة الأزمة، وهذا مما وقفنا عليه في وقته، حيث المسألة تجاوزت سؤال الوعي إلى إرادة الاعتقاد بالمسارات التي تجلب الحظوة والمصالح، وهو ما فتح المجال حينئذ لعصائب التضليل، وبروز ظاهرة الصحافة الصفراء بتقنيات رفيعة، باتت المهنية قضية تقنية، أي كيف تضلل بتقنية فائقة، لم يعد المضمون هو جوهر العملية الإعلامية، فالتضليل والاستغباء والمغالطة وجدت في التقنية ما يصلح لهذا الضرب من الكهانة الإعلامية.. كانت دمشق نموذجاً لهذا الصبيب التضليلي الجارف للمنقول الخبري والمعقول من تحليله.
اليوم سورية تتعرّض إلى مظاهر مختلفة من التضليل، أي لعبة الألفاظ الجديدة التي تسعى إلى خلط الأوراق وتحريف تاريخ ذي موجة قصيرة ظهر فيها من كان ينوي شرّاً بهذا البلد ومن نوى خيراً، ومن قعد في منتصف الطريق ينتظر خلف من يصلّي صلاة العشاء الأخير، التي أعتبرها شكلاً من الإفلات من محكمة الضمير، فبعد أن تضع الحرب أوزارها، تشرئبّ أعناق الوصولية الخارجية من جديد، لكن ثمة ما يجهله ويتجاهله هذا النوع من الخلائق، وهو أنّ سورية مشتل للذّكاء الذي اختبر خوابي المكر بصنوفه السياسية والإعلامية، إنّه بلد «غوّار الطوشة»، حيث قبقابه ما زال حارساً لأغنية إيلي شويري بأداء ممتد من جوزيف عازار حتى دريد لحام:
«بكتب اسمك يا بلادي
عالشمس الما بتغيب
لا مالي ولا ولادي
على حُبِّك ما في حبيب».