الكيان الإسرائيلي ومحاولات الهروب إلى الأمام.. مواصلة العدوان والتجويع الممنهج ضد غزة وتوسيع التصعيد شمالاً.. كل السيناريوهات قائمة ومفتوحة
تشرين- هبا علي أحمد:
المشهد مُثبت في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ ستة أشهر، على الواقع التالي: مسار مفاوضات يحيط به الجمود ويستنزف الوقت، وإن تحرك فوفق ما يريده الكيان الصهيوني ومن خلفه الولايات المتحدة التي تكمن في أدق التفاصيل والجزئيات، مع بث إشاعات حول تقدم ما بات واضحاً وما يُراد من وراء ذلك.. وعلى الخلاف حول من سيتولى الحكم في غزة «بعد حماس» مع استمرار حرب التجويع والحصار والإبادة الجماعية والتطهير العرقي في ظل مسرحية المساعدات الأميركية المزعومة التي قيل إنه دخلت 6 شاحنات محملة بالمساعدات من أحد «المعابر الإسرائيلية» إلى شمال قطاع غزة، وهي تابعة لمنظمة الغذاء العالمية WFP عبر الميناء الأميركي (مثار الجدل حالياً) والتي خضعت لتفتيش دقيق ومراقبة جوية صارمة من جيش الاحتلال، في حين تشهد كل الجبهات تصعيداً يحمل في طياته نُذر حرب ليس بمقدور أحد – إن وقعت – ضبط مسارها وامتداداتها بعد أن تخرج الأمور عن السيطرة، ومع ذلك يتعنت كيان الاحتلال ويتمسك بمواصلة عدوانه لتبقى معركة رفح في المداولات، وعلى ما يبدو لن تحول الخلافات بين أركانه السياسية، التي تتعمّق، دون ذلك، أي دون الهجوم الإسرائيلي على رفح.
مقاومة مستمرة
وعليه فإن عمليات المقاومة الفلسطينية، سواء في غزة أو الضفة الغربية والقدس، تتصاعد حاصدةً معها المزيد من القتلى في صفوف جنود العدو، الأمر الذي يُثقل على كاهل الكيان مع تعميق خسائره البشرية ومدى أهمية ذلك بالنسبة له وانعكاسه داخلياً، إذ أفادت وسائل إعلام العدو بوقوع إصابتين في صفوف جنود الاحتلال من جراء تنفيذ عملية طعن عند حاجز النفق غرب بيت لحم والمؤدي إلى القدس المحتلة، قائلة: المنفذ وصل إلى الحاجز بدراجة كهربائية وبعدها ترجّل وبدأ عمليته، في حين قال الناطق باسم شرطة الاحتلال: «نحن في مرحلة متفجرة جداً»، في حين استشهد منفذ العملية.
كل الجبهات تشهد تصعيداً يحمل في طياته نُذر حرب ليس بمقدور أحد إن وقعت ضبط مسارها وامتداداتها بعد أن تخرج الأمور عن السيطرة
وليل أمس، خاضت المقاومة الفلسطينية اشتباكاتٍ عنيفةً ضد قوات الاحتلال المتوغلة عند أكثر من محور، ولا سيما شرق خان يونس، وغربها في مدينة حمد جنوب قطاع غزّة، في ظل محاولاتٍ إسرائيليةٍ مستمرة لتثبيت مواقعها والتقدّم، ما أدى إلى إيقاع قوتين راجلتين للاحتلال في كمين محكم، شمال خان يونس، بعد الاشتباك معها من مسافة صفر، إضافة إلى استهداف دبابة إسرائيلية من نوع «ميركافا» بقذيفة «الياسين 105» محلية الصنع في مدينة نفسها، كما تمكنت المقاومة من تفجير عبوتين مضادتين للأفراد في قوتين إسرائيليتين راجلتين والاشتباك مع أفرادهما، وإيقاعهم بين قتيل وجريح.
عدوان مستمر
في اليوم الـ159 للعدوان، يواصل الاحتلال الإسرائيلي قصفه الجوي والبري والبحري على مناطق متفرقة من قطاع غزة، ما أدّى إلى ارتقاء شهداء وعدد كبير من الإصابات، أغلبيتهم من النساء والأطفال.
المجاعة وحرب التجويع الممنهجة التي يمارسها الاحتلال بحق أهل غزة الشاهد الأبرز على مدى الإجرام والتوحش الصهيوني وعلى وقع عجز مجلس الأمن عن وضع حد للعدوان
وأفادت مصادر صحية ومحلية في القطاع بارتقاء شهيدين وإصابة 4 أطفال من جراء قصف الاحتلال منزلاً في حي الدرج شمال مدينة غزة، كما استشهد عدد من الفلسطينيين بقصف الاحتلال منازل عدة في القطاع، في حين نفذ جيش الاحتلال عدة عمليات تفجير في مدينة حمد بخان يونس في إطار تدمير ممنهج للأبراج السكنية في المدينة.
ناقوس الخطر
أما المجاعة وحرب التجويع الممنهجة، التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، فهي الشاهد الأبرز على مدى الإجرام والتوحش الصهيوني، ومرة أخرى أمام مرأى العالم وعلى وقع الصمت الدولي المتفاقم وعجز مجلس الأمن الدولي عن وضع حد للعدوان على القطاع المحاصر، إذ أكد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أنّ استمرار الإبادة الجماعية في غزة والجرائم في الضفة الغربية، إضافة إلى حرب التجويع التي يمارسها الاحتلال، كل ذلك يدق ناقوس الخطر لكارثة غير مسبوقة في هذا القرن، في ظل عجز أممي في مجلس الأمن بسبب العرقلة الواضحة والمتعمدة للولايات المتحدة لأي إجراء فعال من هذا المجلس من خلال اللجوء إلى حق النقض، داعياً إلى أن يتخذ المجتمع الدولي إجراءات جدية لدعم الشعب الفلسطيني، والوقف الفوري للعدوان والخروج من الوضع المتردي الحالي.
فجوة الخلافات تتسع وعزلة دولية
مع دخول العدوان شهره السادس من دون تحقيق الأهداف الإسرائيلية المزعومة وفي ظل الغضب المتزايد داخل الاحتلال من أهالي الرهائن، تتسع فجوات الخلافات الداخلية بين المسؤولين الإسرائيليين بشأن العديد من الملفات المتعلقة بالحرب، وكتبت صحيفة «يديعوت أحرنوت» أنّ إطالة الحرب من دون تقديم خططٍ لما يسمى «اليوم التالي» تؤدي إلى تراجع تأييد «إسرائيل» في العالم وتزايد الضغط العالمي عليها، وذلك إضافة إلى تزايد الأصوات الداعية إلى وقف الحرب.
مع دخول العدوان شهره السادس من دون تحقيق الأهداف الإسرائيلية المزعومة تتسع فجوات الخلافات الداخلية بين المسؤولين الإسرائيليين بشأن العديد من الملفات المتعلقة بالحرب
وأمس، استقال مندوب جيش الاحتلال في طاقم المفاوضات، اللواء في الاحتياط، نيتسان ألون، من منصبه، بسبب رفض رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو توسيع صلاحيات طاقم المفاوضات، وكان ألون يتولى رئاسة هيئة إدارة ملف الأسرى في «الجيش».
وأنهى ما يسمى «زعيم حزب أمل جديد» جدعون ساعر شراكته مع أعضاء «كابينت الحرب» الحالي بيني غانتس وغادي آيزنكوت، مطالباً بالمشاركة بـ«الكابينت»، مبرراً ذلك بأنه «مستاء من حكومة الحرب، لأنّ صوته غير مسموع فيها».
«إسرائيل» لا تُشاهد الصورة بكاملها وهي أنّ كل دول العالم تقريباً تُعارِض وبشدّةٍ سياساتها وأنها اليوم في عزلةٍ دوليّةٍ
في السياق ذاته، قال البروفيسور اليهوديّ- الأميركيّ جيفري ساكس إنّ «إسرائيل» لا تُشاهد الصورة بكاملها وهي أنّ كل دول العالم تقريباً تُعارِض بشدّةٍ سياساتها، وهي عملياً اليوم توجد في عزلةٍ دوليّةٍ، إلّا من الدعم الأميركيّ ودولٍ صغيرةٍ مثل ميكرونيزيا، مُوضحاً أنّ الأمور في طريقها للتغيّر، وحتى الجمهور الأميركيّ بدأ وبكثافةٍ يُدير ظهره لها، مشيراً إلى أن «إسرائيل» تقوم بعملية إبادةٍ جماعيّةٍ وتطهيرٍ عرقيّ في قطاع غزة، لافتاً في الوقت عينه إلى أنّ ما يجري في القطاع هو مذبحة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ لعشرات آلاف المدنيين الفلسطينيين.
تصعيدٌ في الشمال
لكن هذه الخلافات والوضع الداخلي المتأزم لم تردع الاحتلال من توسيع دائرة عدوانه الذي يمتد إقليمياً وبالتحديد جبهة شمال فلسطين المحتلة مع لبنان التي تتجه إليها الأنظار راهناً وبشكل يومي، إذ استهدفت طائرة مسيّرة إسرائيلية بصاروخ سيارة في مدينة صور جنوب لبنان، ما أدى إلى ارتقاء شهيدين وإصابة شخص، كما استهدفت غارة إسرائيلية أطراف بلدة علما الشعب، في حين أطلقت نيران مباشرة من لبنان باتجاه هدف إسرائيلي في الجليل الغربي، وتحدثت تقارير عن إطلاق حزب الله صواريخ عدة باتجاه منطقة الجليل الأعلى، في حين أعلن وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب أن لبنان سيتقدم بشكوى ضد «إسرائيل» في مجلس الأمن لاستهدافها المدنيين في محيط مدينة بعلبك.