«دجاجة تبيض ذهباً» لأهلها.. وصفة إنقاذية لمناطق أدمنت الفقر… بانتظار إعادة توطين البشر والاستثمار
تشرين – رشا عيسى:
الاستثمار الزراعي في الأراضي الجبلية نقطة مفتاحية لدعم عملية التنمية الريفية والمشاريع الأسرية على حدٍّ سواء، كما تشكل عمليات تتبعها لإحداث خرق في سياق استمراريتها ملامح العمل المتوقع رسمياً وعلى مستوى هذه المناطق ما يؤمن متطلبات المعيشة للقاطنين فيها ودعم مشاريعهم سواء في الحيازات الصغيرة أو المتوسطة وحتى الهامشية مع اتجاه رسمي زراعي لتحديث البيئة التنظيمية للتنمية الريفية، وإحداث المرصد الوطني لها.
زراعة القرى الجبلية ودعمها بات أمراً ملحاً لأهميته ليس فقط على النطاق المحلي بل على الوطني، ولكن يبقى الوصول إلى النجاح المتوقع بحاجة إلى توجيه المزارعين وعبر الجمعيات الفلاحية والوحدات الإرشادية العاملة على الأرض في حسن اختيار محاصيلهم الزراعية وبشكل يؤمن ريعية مناسبة وسريعة تدفعهم للاستمرار بممارسة العمل الزراعي، كذلك مظلة حكومية واسعة لتقديم الدعم المطلوب.
استمرار الزراعات الريفية
الباحث الزراعي الدكتور مجد درويش بيّن لـ” تشرين” أنّ زراعة المناطق الجبلية أو استثمار المناطق الهامشية في الجبال، إحدى ركائز ومقومات استمرارية الزراعات الريفية، والتي تؤمن متطلبات المعيشة للكثير من الأهالي في الريف، ورغم أن إنتاجية هذه المناطق قد تكون محدودة كما يشرح درويش نظراً لصغر الحيازات الزراعية، إذا ما تمت مقارنتها بالمساحات الزراعية المفتوحة، إلّا أنها تشكل الأساس الداعم لعملية التنمية الريفية وللمشاريع الأسرية الذي يعول عليه،ولاسيما في عدد لا بأس منه من محافظات كاللاذقية وطرطوس وصولاً إلى حدود محافظات إدلب وحماة وحمص، على اعتبار أنها تمتاز بطبيعة جبلية ذات مساحات كبيرة خارج نطاق الاستثمار الزراعي الفعلي خاصة بعد ما تعرضت له هذه الجبال من كوارث الحرائق التي أودت بجزء من غطائها النباتي الطبيعي.
درويش: زراعة المناطق الجبلية أو استثمار المناطق الهامشية في الجبال، أحد مقومات وركائز استمرارية الزراعات الريفية
وحدد درويش الصعوبات التي تعترض إمكانية الاستثمار الزراعي في هذه المناطق، ومنها ما يتعلق بمشاكل فنية مرتبطة بتوفر الماء اللازم للزراعة، وأيضاً وعورة هذه المناطق، وتم العمل على هذه المشكلة عبر التوصية بإقامة سدات مائية صغيرة نفذ بعضها من قبل الجهات المعنية، بشكل دائم، وإقامة مدرجات تقلل من شدة الميل وتأمين شبكات طرق مناسبة تسهّل العمل والوصول إليها، وهنا نحتاج إلى تأمين معدات وآلات يمكنها أن تتكيف مع طبيعة العمل الزراعي، فالجرارات والمعدات الكبيرة الحجم لا يمكنها العمل في مثل هذه الحيازات.
بيئة تشريعية
وأشار درويش إلى ضرورة وجود بيئة تشريعية زراعية تتيح لسكان المناطق الريفية في الجبال التي تعرضت للحرائق بشكل كامل إمكانية استغلالها زراعياً وبغطاء نباتي مناسب وبشكل يعيدها خضراء وأفضل مما كانت عليه سابقاً.
تبرز هنا أهمية أن تولي الجهات المعنية دوراً ما لدعم المشاريع الأسرية في الحيازات الصغيرة والمتوسطة وحتى الهامشية منها سواء في مجال الإنتاج النباتي أو الحيواني، عبر توفير الدعم اللازم لتأمين المتطلبات الزراعية وبشكل مباشر من معدات وآلات ومستلزمات أم عبر تأمين قروض طويلة ومتوسطة الأجل لشرائها، مشيراً إلى الدور الحكومي في هذا المجال.
يجب أن توجد بيئة تشريعية زراعية تتيح لسكان المناطق الريفية في الجبال التي تعرضت للحرائق إمكانية استغلالها زراعياً وبغطاء نباتي مناسب
إستراتيجية زراعية
أما فيما يتعلق بالاستراتيجيات الزراعية في استثمار هذه المناطق، فأوضح درويش أن نجاح هذه الخطوة ملتصق تماماً بتوجيه المزارعين وعبر الجمعيات الفلاحية والوحدات الإرشادية المنتشرة العاملة على الأرض، في حسن اختيار محاصيلهم الزراعية وبشكل يؤمن ريعية مناسبة وسريعة تدفعهم للاستمرار بممارسة العمل الزراعي، كبعض المحاصيل ذات الأهمية الطبية والعطرية والتي يمكن زراعتها تحت غطاء نباتي من الأشجار المثمرة، مع اتباع بعض الأساليب الزراعية التقليدية والتي كانت شائعة سابقاً كزراعة الأشجار المثمرة في حواف الأراضي، واستغلال المساحات الأوسع بزراعة بعض المحاصيل التي نحن بأمس الحاجة إليها حالياً، كالمحاصيل الحبية ومنها القمح والشعير وبعض المحاصيل البقولية والعلفية، في ظل تراجع مساحات زراعتها وضعف الإنتاج المحلي، خصوصاً في مناطق زراعتها الرئيسة.
حاجة ملحة
إنّ الحاجة الملحة في وقتنا الراهن للعودة إلى زراعة هذه المحاصيل (محاصيل الحبوب والبقول والعلف) في الساحل السوري، الذي يعد منطقة استقرار أولى من حيث معدل الهطول المطري، وفي المناطق الجبلية، يمكن أن يشكل الدافع لدى مزارعينا لزيادة الاهتمام بهذا الأسلوب الزراعي تحت وطأة صعوبة تأمين إنتاج مناسب من هذه المحاصيل يغطي حاجة الاستهلاك المحلي، وفي ظل الأعباء الكبيرة المترتبة على الحكومة من جراء الاستيراد وبالقطع الأجنبي.
ويجب عدم إغفال دور القطاع العام والجهات الحكومية التي هي الأساس في أي نهضة زراعية مقبلة سواء من جهة تنظيم القطاع الزراعي ورسم سياساته المستقبلية، كما لابد من التنويه بأهمية ودور التشجيع الحكومي الزراعي في هذه المناطق الريفية وتأمين متطلبات استمرارية الحياة، ولاسيما لتلك التي تمتاز بوعورتها، وهذا ما يدفع السكان للبقاء في حيازاتهم ولوقف نزيف الهجرة الداخلية وحتى الخارجية، والعديد من الدول حول العالم تولي أهمية لاستثمار مناطقها الجبلية وتمنح السكان القاطنين فيها الكثير من المزايا التي تشجعهم على العمل والإنتاج الزراعي.
أيوب: الزراعة بدأت بإعداد الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة الريفية من منظور جندري حيث شهد الريف السوري بسبب الأزمة تغييراً في كافة البنى المجتمعية الاقتصادية
على رأس الأولويات
وعن إستراتيجية وزارة الزراعة لتحقيق التنمية الريفية أكدت مديرة التنمية الريفية بالوزارة الدكتورة رائدة أيوب أنّ التنمية الريفية تشكل أول اهتمامات وزارة الزراعة وكانت أحد أهم المحاور الرئيسة في ملتقى تطوير القطاع الزراعي الذي أقيم في عام 2021، وانبثقت عنه خمسة برامج رئيسة تتركز حول تحديث البيئة التنظيمية للتنمية الريفية (بناء النموذج التنموي)، وإحداث المرصد الوطني للتنمية الريفية وقياس التحضر، وصندوق دعم وتمويل التنمية الريفية، وتطوير سلاسل القيمة المضافة للمنتجات الريفية، وبناء إستراتيجية تنمية المرأة الريفية، والتي تفرعت عنها مشاريع تمت ترجمتها إلى إجراءات تنفيذية على أرض الواقع خلال الفترة الماضية.
معاً نبني حلماً
وبيّنت أيوب أنّ أولى خطوات تطبيق البرامج التنفيذية لمخرجات الملتقى بما يخص التنمية الريفية كانت انطلاقة القرى التنموية تحت مسمى مبادرة (معاً نبني حلماً) والتي تهدف إلى إحداث قرى تنموية نموذجية ذات اقتصاد زراعي متطور يقوم على الاستخدام الأمثل والمستدام للموارد الطبيعية والبشرية، وتكون قادرة على إدارة عملية التنمية والتغيير بنفسها للانتقال إلى حياة أفضل مما كانت عليه سابقاً، وكان النموذج الأول في قرية قطرة الريحان بالغاب في نيسان من عام 2022، لافتة إلى أنه سيتم إطلاق النموذج الثاني قريباً بقرية المراح بمحافظة ريف دمشق، ويليها إطلاق نموذج بكل محافظة من المحافظات.
أطلقت وزارة الزراعة دليل التنمية الريفية المتكاملة في بداية هذا العام ليكون منهج عملٍ لتعميم برنامج القرى التنموية على كافة المحافظات وتم ترشيح 22 قرية للعمل فيها خلال عام 2024 حسب هذا الدليل
دليل التنمية الريفية
وقالت أيوب: أطلقت وزارة الزراعة دليل التنمية الريفية المتكاملة في بداية هذا العام ليكون منهج عملٍ لتعميم برنامج القرى التنموية على كافة المحافظات وتم ترشيح 22 قرية للعمل فيها خلال عام 2024 حسب هذا الدليل، كما اعتمدت الوزارة برنامج تأسيس وحدات إنتاجية متعددة الأغراض للتصنيع الغذائي “مشاريع جماعية” بحيث تتولى الوزارة تأمين المكان والمستلزمات والمعدات والآلات ورأس المال التشغيلي وغيرها لتكون بمثابة حاضنة لمشروع جماعي تستفيد منه كل أسر القرية ويرافق ذلك تدريب فني ومالي عالي المستوى للأسر الريفية للإنتاج حسب المواصفات القيــاسية السورية وجودة وسلامة الغذاء مع الحفاظ على تقليدية وعراقة المنــتــج “منتج بيتي”، بحيث تعمل الوحدة على مدار العام حسب توالي المواسم الزراعية بالقرية، مبينة أنه تم تأسيس 33 وحدة تصنيع حتى الآن موزعة في مختلف المحافظات.
وأضافت أيوب: استكمالاً لحلقات سلسلة تصنيع المنتجات الزراعية في الوحدات التصنيعية سواء الجماعية أو الفردية تم ربط المخرجات بصالات بيع متخصصة لتعود بالنهاية كفائدة نقدية مباشرة على الأسر الريفية المنتجة، حيث تتوزع هذه الصالات على مستوى المناطق والمدن، وعددها حالياً 16 صالة، وتعد من أهم المنافذ التسويقية للأسر الريفية.
سلاسل القيمة المضافة
وأوضحت أيوب أن من إجراءات وزارة الزراعة لتحقيق التنمية الريفية التركيز على سلاسل القيمة المضافة لدعم المنتج الريفي السوري وتسويقه والذي يهدف إلى تحسين المستوى المعيشي للأسر الريفية من خلال تطوير المنتج والارتقاء به وتحقيق قيمة مضافة له وتسويقه، حيث تم اعتماد نموذج متكامل لآلية تطوير المنتج الريفي من الإنتاج إلى التصنيع والجودة والمواصفة والتعبئة والتغليف والترويج والتسعير والإعلان لكامل السلسلة، وإسقاطها على كافة المنتجات الريفية وبالتالي زيادة العائدات وكميات الإنتاج وفرص العمل لدى الأسر الريفية وتحسين مستواها المعيشي، واعتماد (ماركة ريفية) لمنتجات الأسر الريفية وتسجيلها أصولاً لتكون ماركة تجارية لها، بحيث أي منتج ريفي طبيعي يحقق شروط المواصفة القياسية السورية وسلامة وجودة الغذاء، يمكن أن يحمل هذه الماركة، وتمّ اعتماد المربيات والمخللات والألبان والأجبان والحلويات والعصائر والجزرية ودبس الرمان ودبس البندورة ودبس التمر ودبس العنب والخشافات والخل والزيتون والمكدوس والمعجنات والمجففات تحت هذه الماركة.
وأشارت أيوب إلى أن الوزارة بدأت بإعداد الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة الريفية من منظور جندري، حيث شهد الريف السوري بسبب الأزمة تغييراً في كافة البنى المجتمعية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية والزراعية، والتي ألقت بظلالها على الواقع المعيشي للأسرة الريفية وأدت إلى تغيير في الخريطة الاجتماعية وكذلك تغيير في توزيع أدوار أفراد الأسرة سواء الأدوار الإنتاجية أو الاجتمـاعية، حيث كانت البرامج السابقة موجهة لتمكين المرأة اقتصادياً لتكون صاحبة قرار اجتماعي نتيجة الظروف القاهرة التي دفعتها لتكون معيلة لأسرتها اقتصادياً، ونتيجة هذه الظروف أيضاً الكثير من اليد العاملة تركت الزراعة وانتقلت إلى مهن أخرى داخل سورية وخارجها وأصبحت المرأة العامل الأساس في الزراعة، وبضوء هذا التغيير المجتمعي كان لابدَّ من التغيير في البرامج الموجهة لتنمية المرأة الريفية لتكون هذه البرامج استجابة حقيقة لاحتياج هذه الأسر الريفية.
التنمية الريفية تشكل أولى اهتمامات وزارة الزراعة وكانت أحد أهم المحاور الرئيسة في ملتقى تطوير القطاع الزراعي
وأكدت أيوب أن الوزارة عملت على تأسيس خريطة مكانية لتوزع الأسواق ووحدات التصنيع، والبدء بتوثيق الصناعات الريفية “المونة المنزلية” مع مؤسسة وثيقة وطن وكانت البداية مع منتج الشنكليش والكشك، بهدف تثبيت أصالة المنتج الغذائي السوري في سورية والعالم، بالإضافة إلى تطبيق منهجية التأريخ الشفوي في توثيق كل المراحل العملية في مختلف أنواع المونة والطبخ والمأكولات السورية في جميع المحافظات، لكون عمل مشاريع تنمية المرأة الريفية والتنمية الأسرية، يتقاطع مع عمل مؤسسة وثيقة وطن، وخاصة أن المؤسسة تعمل على توثيق المهن والمأكولات في عدد من مشاريعها.
برامج التمويل
وبيّنت أيوب أنّ برنامج التمويل الريفي مع المصارف الخاصة والعامة يهدف إلى إقراض الأسر الريفية لمساعدتها على تمويل مشاريعها المتناهية الصغر بهدف توليد دخلٍ إضافي لهذه الأسر مع مراعاة أن يكون الإقراض بأيسر الشروط والسبل، لافتة إلى السجل الوطني لمشاريع النساء الريفيات المنزلية الصغيرة ومتناهية الصغر وذلك من خلال بناء قاعدة بيانات تتضمن أعداد وأنواع وتوزع هذه المشاريع في الريف السوري ومعلومات المستفيدات (مشاريع فردية أو جماعية سواءً كانت النساء مستفيدات أو غير مستفيدات من البرامج المذكورة أعلاه) ما يتيح توفير المعلومات لتحسين التخطيط مستقبلاً والتعلم من الدروس، وبحيث تتمكن المرأة التي تقوم بتسجيل مشروعها من الاستفادة من المزايا التفضيلية التي تقدمها الوزارة وأهمها برامج التدريب والقروض والمنح والمعارض والعرض في منافذ بيع منتجات النساء الريفيات حسب الإمكانات المتاحة.