ألغام السياسة يفككها صوت الميدان المقاوم المتسع إقليمياً.. لا صوت إلّا لوقف العدوان ونصرة غزة
تشرين- هبا علي أحمد:
رغم كثرة الأحاديث والتسريبات فيما يخص العدوان الصهيوني المتواصل على قطاع غزة منذ خمسة أشهر، والبحث عن هُدن تنتجها مفاوضات أطراف عدة في عواصم عربية وغربية تؤدي إلى وقف إطلاق النار على مقاس الاحتلال، إضافة إلى الحديث الدائر حول مصالحة وطنية فلسطينية تُبنى عليها حكومة فلسطينية جديدة قادرة على التعامل مع المعطيات الجديدة التي أفرزتها وستفرزها التحولات السابقة والقادمة، ناهيك بحديث معركة رفح التي يمضي العدو قدماً إلى تنفيذها مع بعض التأجيل.. رغم كل ذلك يبقى الثابت أن كيان الاحتلال لا حديث له سوى مواصلة العدوان حتى لو تمّ التوصل إلى هدنة فهي هدنة محددة ومقيدة ومشروطة، ولأن الميدان المتسع إقليمياً يدرك هذه الحقيقة فإن صوت الميدان يعلو على صوت المفاوضات ويفعل فعله داخل فلسطين وخارجها، وهو مستمر ما لم تتحقق الشروط بوقف العدوان على قطاع غزة بشكل كامل ونهائي، وهذا أهم المطالب وأساسها.
الاحتلال يعمد إلى وضع ألغام في طريق المقاومة تحقق له مكاسب يبحث عنها منذ خمسة أشهر ولم تتحقق ويريد تفصيل المفاوضات بناءً على رغبته ورغبة واشنطن
لغم باريس الجديد
أما أميركا الداعم الأول والأساس للاحتلال فهي رهن إشارته وليس العكس، أي ما يريده العدو الصهيوني يلهث الأميركي لتنفيذه، فالعدو يريد هدنة قبل شهر رمضان وواشنطن تدفع في هذا الاتجاه- لكنها كما قلنا محدودة ومشروطة – و«تأمل بالتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بحلول الإثنين المقبل» كما قال الرئيس جو بايدن، ورغم أن المقاومة الفلسطينية تبدي المرونة تجاه أي تحرك يحقق وقف العدوان من دون المساس بشروطها الأساس إلا أن الاحتلال ما زال قيد المماطلة ويعمد إلى وضع ألغام في طريق المقاومة تحقق له مكاسب يبحث عنها منذ خمسة أشهر ولم تتحقق، ويُفصّل المفاوضات بناء على رغبته ورغبة واشنطن، ما يجعل أي اتفاقات جديدة رهن الميدان، وكل ما يسوق له العدو يندرج في سياق الضغط على المقاومة وبيئتها المقاومة والصامدة رغم كل الجرائم الوحشية التي يرتكبها الكيان الصهيوني.
وفي الألغام السياسية الجديدة، سربت مصادر إعلامية عن تلقي حركة «حماس» مقترحاً من باريس، يسمح بوقف مبدئي لكل العمليات العسكرية لـ40 يوماً، ويتضمن المقترح الالتزام بالسماح بدخول 500 شاحنة مساعدات يومياً، وتوفير آلاف الخيام والكرفانات، إضافةً إلى إصلاح المخابز والمستشفيات في قطاع غزة.
المقاومة غير معنية بالتنازل عن أي من مطالبها ولن تتنازل عن وقف العدوان وتحقيق صفقة مشرّفة وجديّة
وعن صفقة تبادل الأسرى، ينص المقترح على تبادل بنسبة 10 فلسطينيين مقابل أسير إسرائيلي، مع إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين من النساء والأطفال تحت 19 عاماً وكبار السن مقابل الإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين، إضافة إلى العودة التدريجية للمدنيين النازحين إلى شمال غزة، باستثناء الذكور في سن الخدمة العسكرية.
في حين تحدث مصدر في «حماس» عن أن تلك التسريبات تأتي في إطار الحرب النفسية على المقاومة وهي تسريبات وأفكار أميركية طرحت خلال «باريس2»، ويريد الاحتلال أن يوحي بأن الحركة موافقة عليها، وبالتالي كل ما يُطرح ليس جدياً وهو للمناورة من أجل الضغط على المقاومة، وأكد المصدر أن المقاومة غير معنية بالتنازل عن أي من مطالبها، وما يُطرح لا يلبي ما كانت قد طلبته، ولن تتنازل عن وقف العدوان وتحقيق صفقة مشرّفة وجدية تحقق مطالب الشعب الفلسطيني، لافتاً إلى أن الاحتلال يسعى إلى تحميل «حماس» مسؤولية أي فشل لاحق للمفاوضات وهو ما قد يمهد لعملية على رفح.
حديث الميدان
ما سبق ذكره هو حديث السياسة، أما الميدان المقاوم الثابت فله حسابات أخرى تترجم بالمقاومة والصواريخ والمعارك ضد العدو، وهنا يقصد الميدان الفلسطيني والإقليمي، ولا سيما جبهة جنوب لبنان، شمال فلسطين المحتلة، حيث الأنظار مركّزة عليها راهناً، ففي قطاع غزة أكّد مصدر في المقاومة الفلسطينية من حي الزيتون أنّه لليوم التاسع يفشل جيش الاحتلال الإسرائيلي في التقدم باتجاه وسط الحي، مشدّداً على أن مقاتلي المقاومة أقرب للعدو مما يتوقع، وهم يتابعون تحركاته ويستهدفونها بالأسلحة المناسبة، لافتاً إلى أنه في ظل فشل العدو الميداني قام بتفجير عشرات المنازل في جنوب حي الزيتون، وقصف أخرى بالطائرات وسط الحي وشماله، كما أعلن أنه خلال هذه الفترة دمّرت المقاومة أكثر من 20 آلية، ونفّذت عشرات الكمائن، واستهدفت تموضعات القناصين، وقصفت تجمع الآليات ومقر القيادة.
للميدان المقاوم الفلسطيني والإقليمي حسابات أخرى تُترجم بالمقاومة والصواريخ والمعارك ضد العدو
وفي جبهة جنوب لبنان شمال فلسطين المحتلة، أعلنت المقاومة الوطنية اللبنانية استهداف قاعدة «ميرون» للمراقبة الجوية في جبل الجرمق بدفعةٍ صاروخية كبيرة من عدّة راجمات، مؤكدة أنّ هذه العملية تأتي دعماً لقطاع غزة، وردّاً على عدوان الاحتلال الإسرائيلي على محيط مدينة بعلبك في البقاع.
وأفاد الإعلام الإسرائيلي بأنّ صليةً ثقيلةً من الصواريخ أُطلقت من لبنان باتجاه منطقة «ميرون»، مشيراً إلى سماع صوت عددٍ من الانفجارات، كما ذكر أنّ حزب الله أطلق ما يزيد على 100 صاروخ بأقل من 24 ساعة، في حين قال مسؤول ما يسمى «الأمن الجاري العسكري» في مستوطنة «كريات شمونة» غاي أوحيفان: هناك خوف كبير وسط السكان في كريات شمونة من تهديد حزب الله، وهو تهديد يصعب جداً استيعابه والتعايش معه.
الوقت قد حان لرحيل الولايات المتحدة
رغم الانشغال بالعدوان الصهيوني على غزة فإن ذلك لم يَحُل دون توجيه الأنظار إلى الوجود الأميركي في المنطقة، بل على العكس فإن الأنظار متجهة بالتوازي إلى الطرفين – الأميركي والإسرائيلي معاً- ولا سيما أن المقاومة العراقية شكلت جبهة إسناد فاعلة لغزة في مواجهة العدوان الإسرائيلي المستمر منذ 7 تشرين الأول 2023، حيث تحدّثت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية، في تقرير لها، عن وضع القوات الأميركية في العراق مع تصاعد الهجمات ضدها والاستياء الشعبي، داعية واشنطن إلى إعادة التفكير في جدوى وجودها، مؤكدة في الوقت عينه أنّ الوضع في العراق يظل محل اهتمام كبير لواشنطن، مشيرة إلى أنّ بغداد قد تقرر في نهاية المطاف أن الوقت قد حان لرحيل الولايات المتحدة و«التحالف»، ومن الواضح أن الوجود العسكري الأميركي الكبير في العراق أصبح غير مقبول.
ورأت المجلة «أنّ الانسحاب المتسرع والفوضوي من العراق على الطريقة الأفغانية من شأنه أن يلحق الضرر بمصداقية الولايات المتحدة، وكذلك الأمر بالنسبة للرحيل تحت النار».