مساران متداخلان متناقضان يحكمان المنطقة.. الحرب والسلام لمنْ الغلبة؟
تشرين- هبا علي أحمد:
يزداد المشهد تعقيداً في الإقليم مع مواصلة الاحتلال الغاصب عدوانه على قطاع غزة لأكثر من أربعة أشهر، مع تحضيره لمعركة رفح، وسيكون ما بعدها ليس كما قبلها، وما يزيد من التعقيد والغموض إفشال كيان الاحتلال لمسار التفاوض وعرقلته، مع مؤشرات إلى احتمال التصعيد على جبهة الشمال، ولا سيما أن هذه الجبهة محكومة بوقف العدوان الذي يرفضه الكيان.. كما يحكم المشهد في المنطقة عموماً مساران متداخلان وعلى النقيض من بعضهما، أو صوتان إن جاز التعبير، صوت الحرب وصوت التفاوض والمصالحة والسلام والذي تُعد المصالحة الوطنية الفلسطينية بوابته الأساس، وبين هذا وذاك تمضي الولايات المتحدة الأميركية في اختلاق الأكاذيب، فهي تدفع ظاهراً الكيان للتفاوض والعمل على وقف عدوانها لكنها في الحقيقة تُزكي العدوان وتشعل فتيل التوتر والصراع في المنطقة في ظل احتدام التنافس على النفوذ فيها مع قوى آخرى مثل روسيا والصين، ولا سيما مع دعوتهما الدائمة لوقف إطلاق النار في غزة والتحذير من تداعيات استمرار العدوان على الشرق الأوسط برمته، والسؤال الذي يُطرح أيهما سيرجح، ولمن ستكون الغلبة في ظل هذا التداخل والتناقض للحرب أو السلام؟
المشهد في المنطقة يحكمه عموماً مساران أو صوتان إن جاز التعبير.. صوت الحرب وصوت التفاوض والمصالحة والسلام
صوت الحرب
مع استهداف المقاومة اللبنانية – حزب الله- قاعدة عسكرية في مدينة صفد على بُعد ١٥ كيلو متراً من الحدود، يرى مراقبون أن ذلك وضع كيان الاحتلال أمام تحدٍّ جديدٍ ربما يختلف عن مجمل التحديات التي اختبرها الكيان على مدى أربعة أشهر، وتحدثت وسائل إعلام العدو عن أن حزب الله نجح بفرض نوع من حزامٍ أمني في شمال فلسطين المحتلة، حيث باتت المستوطنات هناك مهجورة.. هذه التطورات بمجملها من شأنها أن تضع قواعد اشتباك جديدة على حدود فلسطين المحتلة مع لبنان باعتبار جبهة جنوب لبنان جبهة مساندة هدفها الأساس والمعلن وقف العدوان على غزة ومنع الاستفراد بالمقاومة الفلسطينية, كما وصفها الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله، ما يؤشر إلى استمرار التصعيد على الجبهة ذاتها وخاصة أن العدو استهدف أمس بناية سكنية في مدينة النبطية ما أدى إلى استشهاد ثمانية مواطنين بينهم أطفال وجرح سبعة آخرين مع مواصلة استهداف القرى في جنوب لبنان.. والواضح أن الولايات المتحدة ليست في وارد وقف اندفاع كيان الاحتلال إلى مواصلة همجيته، كما أنها ليست في وارد دفعه إلى الاحتكام لصوت الواقع الذي يتحدث عن هزيمة الكيان، بل على العكس تماماً يتكشف يومياً الخداع الأميركي في هذا السياق عبر مسؤوليها الذين يتوافدون إلى المنطقة سراً وعلانية، ولا يحملون معهم إلا ما يدعم كيان الاحتلال، إذ أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي «إف بي آي» أن مديره كريستوفر راي قام مؤخراً بزيارة غير معلنة إلى «إسرائيل» للقاء مسؤولين في الاستخبارات الإسرائيلية وبحث الحرب في غزة.
تمضي الولايات المتحدة بتزكية العدوان وإِشعال فتيل التوتر والصراع في المنطقة في ظل احتدام التنافس على النفوذ فيها مع روسيا والصين
بيان المكتب يؤكد الدور الأميركي المنافق والمشبوه، إذ قال البيان: أكد راي أن مكتب التحقيقات الفيدرالي كان وسيستمر في الاستجابة لطلبات «إسرائيل» للحصول على الدعم، «مشيداً بأهمية عمل إسرائيل المتعلق بحركة حماس.. مكرراً دعم الـ«إف بي آي» لإسرائيل بعد أحداث 7 تشرين الأول».. وفي بيان المكتب لا نسمع إلا صوت الحرب التي تتوارى واشنطن خلف رفضها.
صوت السلام
نستنتج بعد أربعة أشهر على العدوان الإسرائيلي- الأميركي على غزة، أن مسار أي تسوية لا يمكن أن ينضج، ويأتي بالنتائج الضرورية مادامت الولايات المتحدة طرفاً فيه، وكذلك مادامت تواصل دعمها المطلق للكيان، ولا بدّ أمام هذا الواقع من صوت آخر يحمل استراتيجية السلام في علاقاته الدولية وتصوراته لمستقبل العالم، واليوم تحمل موسكو على عاتقها هذه المهمة بـ3 مبادرات حسب ما أشارت إليه مصادر معلومات، تتضمن إحياء الرباعية الدولية، إلى جانب دعوة وزراء الخارجية العرب لدول الجوار الفلسطيني إلى اجتماع خاص تشاوري في موسكو، وثالث المبادرات وأهمها عقد لقاء في موسكو بين الفصائل الفلسطينية لإنهاء الانقسام، إدراكاً من روسيا أن أهم خطوة في مسار مواجهة العدوان هي التأسيس لمصالحة وطنية فلسطينية.
وفي هذا السياق تحدث مراقبون عن أن روسيا تشكل قوة أساسية في النظام الدولي، ودورها الداعم للقضية الفلسطينية مرحب به دائماً ومحل تقدير للكل الفلسطيني، لافتين إلى أن هذه الدعوة مهمة ومطلوب أن تكون هناك استجابة وعمل مشترك لتوحيد الجهد الفلسطيني للضغط على حكومة الاحتلال لدفعها للانسحاب من الأراضي المحتلة ووقف الحرب المجنونة على قطاع غزة، مع ضرورة أن يكون هناك حل وطني فلسطيني شامل لكل القضايا، فالمطلوب من كل الفصائل الفلسطينية أن تقف عند مسؤولياتها بقرار فلسطيني مستقل على طاولة حوار وطني فلسطيني.
كيان الاحتلال أمام تحدٍّ جديدٍ على حدود فلسطين المحتلة مع لبنان.. حزب الله نجح بفرض نوع من حزامٍ أمني في الشمال من شأنه أن يضع قواعد اشتباك جديدة
تسريبات مضلّلة
رغم تعنت الاحتلال الإسرائيلي في مسار التفاوض لوقف عدوانه، لكنه يعمد مع الأميركي إلى تسريبات حول الاتفاق على صفقة تبادل أسرى، ورغم أنها تسريبات لم نعد نصدقها- مادام شرط المقاومة بوقف العدوان لن يتغير أبداً- فإن العدو يهدف إلى إنقاذ ماء وجهه داخلياً وإسكات احتجاجات أهالي الرهائن، إضافة إلى تحويل الأنظار عن جرائمه الوحشية، إذ أكدت لجان المقاومة الفلسطينية أنّ التسريبات الأميركية والإسرائيلية وماكينة إعلامهما المضللة، المتزايدة والتي لا تتوقف بشأن صفقة تبادل الأسرى، هدفها خداع وتضليل العالم، ولصرف الأنظار عما يجري من جرائم ومجازر وحرب إبادة جماعية في قطاع غزة، ولإسكات وتضليل أهالي الأسرى الإسرائيليين، من أجل تخفيف الضغط الداخلي عن المجرم بنيامين نتنياهو وحكومته الفاشية، مشدّدة على أنّه لن تكون هناك أي صفقات أو اتفاقيات ما لم تحقق مطالب الشعب الفلسطيني ومقاومته بوقف العدوان وحرب الإبادة الجماعية.
تحذيرٌ من مخاطر عملية رفح
في هذه الأثناء، تتواصل التحذيرات من أثر خطر لعملية عسكرية في رفح التي يوجد فيها نحو 1,4 مليون شخص نزحوا من شمال غزة نتيجة العدوان، حيث أفادت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بأن الأعمال العدائية الإسرائيلية المستمرة في رفح تمثل خطراً كارثياً على حياة المدنيين والبنى التحتية، مشدّدة على أن «إسرائيل» باعتبارها القوة المحتلة تتحمل بموجب القانون الدولي المسؤولية عن ضمان تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان المدنيين، لافتة إلى أن التهجير القسري محظور صراحة بموجب القانون الإنساني الدولي، وكذلك استخدام الدروع البشرية والهجمات العشوائية، التي تتسبب بمقتل وإصابة وتدمير أعداد غير متناسبة من المدنيين.
إلى ذلك أكدت وزارة الصحة الفلسطينية أن الاحتلال الإسرائيلي اقتحم مجمع ناصر الطبي في خان يونس وحوّله إلى ثكنة عسكرية بعد هدم السور الجنوبي، وقام بتجريف المقابر الجماعية داخله، وأجبر من تبقى من النازحين وعائلات الطواقم الطبية على النزوح القسري منه.