بيرنز وما يحمله لاجتماع القاهرة.. المرحلة الأخطر من العدوان على غزة بدأت وواشنطن تفاوض لحرف الأنظار.. الأمن القومي العربي تحت التهديد «لمن يهمّه الأمر»؟
تشرين- هبا علي أحمد:
منذ بداية العدوان الصهيوني على قطاع غزة قبل نحو أربعة أشهر، كُثر الحديث عن تداعياته وامتداداته الإقليمية وكيف أن هذا العدوان لا يستهدف غزة والشعب الفلسطيني فحسب، بل يستهدف أيضاً إشعال المنطقة بمختلف الطرق والوسائل، وغزة هي قاعدة الانطلاق التي ينفذ من خلالها الأميركي بأداته الإسرائيلية إبادتهما الجماعية لكل مقوّمات الحياة، وإذا كان العدو الإسرائيلي معنياً بالدرجة الأولى بتحويل غزة إلى منطقة أمنية وعسكرية خالصة له لارتباطها- كما كل بقعة في فلسطين بالمقاومة – فإن الأميركي معنيّ أولاً وأخيراً بالمنطقة وامتداداته الجيوسياسية والجيواقتصادية ومعه العدو أيضاً، ومع تلويح كيان الاحتلال بمعركة عسكرية في رفح جنوب قطاع غزة استبقها أساساً بحملة جوية، فإن الامتدادات الإقليمية للعدوان على غزة باتت أكثر وضوحاً، وبات من الواضح أن مصر أول المتضررين إن لم يتمّ احتواء الموقف على نحو عاجل، لعدة ضرورات، منها ما يتعلق بوقف الإبادة الجماعية وجرائم الحرب التي يمارسها الكيان بدعم أميركي، ومنها ما يتعلق بحماية الأمن القومي العربي لمن يهمّه الأمر.
منذ بداية العدوان على غزة كثر الحديث عن امتداداته الإقليمية.. ومع التلويح بالعدوان على رفح بات من الواضح أن مصر أول المتضررين
بيرنز والملف الغامض
تتصدر مصر المشهد بانتظار ما سينتج عن اجتماع القاهرة المقرر اليوم، وسيجمع إلى جانب رئيس الاستخبارات الأميركية وليام بيرنز، رئيسَي «الموساد» دافيد برنياع و«الشاباك» رونين بار ومسؤولين إسرائيليين آخرين معنيين بملف الأسرى، إضافة إلى رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ورئيس الاستخبارات المصرية عباس كامل «والاجتماع يعد استكمالاً لاجتماع باريس».
وفي الوقت الذي ينتظر به الغزيّون وقفاً لإطلاق النار، فإن تعنت كيان الاحتلال باستمرار الحرب يجعل من الغموض سيد الموقف، ولاسيما أن واشنطن متعنتة وإن بطريقة مواربة وتدفع للاستمرار بالحرب مع مزاعم بضرورة حماية المدنيين، كما أن واشنطن كما الاحتلال لن تتنازل وتخسر جولة لمصلحة المقاومة الفلسطينية، فرئيس استخباراتها، كما تحدثت معلومات، يعود إلى القاهرة اليوم بعد أن غادرها السبت الفائت ويحمل ملفاً غامضاً، وفصائل المقاومة لا يوجد تصور لديها عن أي تعديلات يمكن أن يحاول فرضها، إضافة إلى ذلك فإن الرئيس الأميركي جو بايدن تحدث أمس عن هدنة مؤقتة لمدة 6 أسابيع وقد يتم التفكير ببناء اتفاق «أكثر ديمومة» فيما بعد، ما يعطي صورة واضحة عن النيّات الأميركية التي تدفع إلى الحرب، ولكن لا بدّ من هدنة لها لتُنهي ترتيباته الداخلية وترتيباتها في «الداخل الإسرائيلي» بما يُنقذ رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو.
لا بدّ من وقف العدوان لضرورات تتعلق بوقف الإبادة الجماعية وحماية الأمن القومي العربي
وإلى جانب ما سبق قال منسق الاتصالات الاستراتيجية لمجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي إن بلاده «لا ترغب في أن يتم تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة».. وفي الواقع تقول واشنطن الحقيقة لأن الإبادة الجماعية التي تمارسها مع الاحتلال لن تُبقي من يُمكن تهجيره.
تفاوض لحرف الأنظار
كل المعطيات السابقة تؤكد المؤكد أن العدوان على غزة ومعركة رفح المقبلة ليسا بضوء أخضر أميركي فحسب، بل بأوامر أميركية عن سابق إصرار وترصد ترمي إلى المساس بالأمن القومي للمنطقة انطلاقاً من مصر بعد غزة – كما أشرنا آنفاً – وليس ببعيد أن يكون المستهدف القادم الأردن إن استمر العدوان على غزة بالوتيرة ذاتها، وقد يتساءل أحدهم إن كانت الصورة على هذه الشاكلة فلماذا تدخل واشنطن في المفاوضات ولا يغادر مسؤولوها المنطقة إلا ليعودوا إليها؟
واشنطن تستثمر في الوقت.. تفاوض في الاجتماعات وتُشرعِن للإبادة الجماعية على الأرض لحرف الأنظار عن جرائم الاحتلال
لا يحتاج الأمر إلى كثير من التفسير، وببساطة واشنطن تلعب وتستثمر في الوقت.. تفاوض في الاجتماعات وتُشرعِن للإبادة الجماعية على الأرض، وكلما طال الأمد تتفاقم الكارثة الإنسانية في غزة وهذا ما يخدم واشنطن، وكلما تُفاوض تحرف الأنظار عن تلك الجرائم، ولقد أصاب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الحقيقة عندما قال: «الإدارة الأميركیة تفتقد الصدق المطلوب للمساعدة في إیجاد حل سیاسي من أجل إنهاء الحرب علی غزة».
مأزق إضافي
ما يجري في غزة ورفح وعلى طاولة المفاوضات، لا يعني ألّا نوجه الأنظار إلى الضفة الغربية عموماً، جنين ومخيمها على وجه الخصوص، حيث خطر الضفة على العدو لا يقلّ أهمية عن مأزق غزة، وبعد ساعات من مواجهات بين شبان فلسطينيين وقوات الاحتلال في جنين، انسحب الاحتلال من المدينة ومخيمها، تحت رصاص المقاومين.
ما يجري في غزة ورفح و على طاولة المفاوضات لا يعني ألّا نوجه الأنظار إلى الضفة الغربية حيث خطرها على العدو لا يقلّ أهمية عن مأزق غزة
وكانت قوات كبيرة من جيش الاحتلال معزّزة بآليات عسكرية وجرّافات اقتحمت مدينة جنين، وسط تحليق مكثّف لطائرات الاستطلاع في سماء المدينة ومخيمها، وسبق عملية الاقتحام قيام جرافات الاحتلال بعملية حفر وتدمير للأراضي الزراعية في سهل جنين من الجهة الغربية، كما زجّت قوات الاحتلال بتعزيزات عسكرية على كل أطراف المدينة.
وفي وقت سابق، تحدثت وسائل إعلام العدو عن أن شهر رمضان المقبل يشكل قلقاً كبيراً للأجهزة الأمنية الإسرائيلية في ظل الحرب المستمرة على قطاع غزة والتوتر المتصاعد في الضفة الغربية.
إلى ذلك، أقرّ جيش الاحتلال بمقتل 3 عسكريين في معارك جنوب قطاع غزة، بينهم ضابطان، أحدهما قائد الكتيبة «630» وبذلك ترتفع حصيلة قتلى جيش الاحتلال منذ بدء العملية البرية في قطاع غزة إلى 233، لتبلغ الحصيلة الإجمالية 570 قتيلاً من الجنود والضباط منذ بداية الحرب في 7 تشرين الأول الماضي.