المنطقة في النقطة الأكثر حرجاً لأميركا وكيانها ولا بد من تحقيق «أي خرق» فهل سيكون ذلك في جولة بلينكن؟.. مسار الهدنة يراوح مكانه و«إسرائيل» توسع تهديداتها باتجاه رفح- فيلادلفيا
تشرين – مها سلطان:
تدرك الولايات المتحدة الأميركية أكثر فأكثر أن الوقت ليس في مصلحتها، جبهة غزة لا تزال مفتوحة، ومعها يتعمق ويتسع مأزق أميركا على الجبهات الأخرى، المأزق المزدوج هنا، الذي لا يتجلى في الأفق أي مخارج جيدة له، حيث إنه لا يمكن لأميركا القبول بإغلاق جبهة غزة على صفر نتائج للكيان الإسرائيلي ولها بطبيعة الحال، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تدرك أميركا أن المنطقة باتت تتجه أسرع نحو «الانفجار الكبير» الذي سيعيد ترتيب معادلات القوة إقليمياً ودولياً «على ساحة المنطقة لمصلحة الخصوم» وبما يضع حداً نهائياً لوجودها وتفردها بمعادلة النفوذ والسيطرة، وتالياً هذا سينعكس خطراً وجودياً على الكيان الإسرائيلي.
مخارج بلا مكاسب
هذا المأزق المزدوج يتضاعف إذا ما حسبنا أن أميركا لم تمسك حتى الآن بطرف خيط واحد باتجاه مخرج ما، فبالنسبة لها كل المخارج المتاحة لا تشكل أي مكسب لها، بل جميعها تقود إلى نتيجة واحدة، التنازل أو لنقل تقاسم النفوذ- الوجود مع غيرها، ومن ضمن ذلك أن المنطقة بـ«أطرافها جميعاً» تريد من أميركا إذا ما أرادت البقاء أن تغير كامل السياسات وأن تكون العلاقات ندية وعلى قاعدة المصالح المتبادلة وليس على قاعدة المصالح الأميركية أولاً.. هذا المسار كان بدأ- كما هو معروف- قبل عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول الماضي، وبعد هذه العملية بات المسار أشد وطأة على أميركا خصوصاً مع انقضاء أربعة أشهر حتى الآن من دون أن تستطيع الإدارة الأميركية، إدارة جو بايدن، أن تتقدم خطوة واحدة، رغم أن مبعوثيها باتوا في إقامة شبه دائمة في المنطقة، وآخرهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن الذي بدأ من السعودية أمس جولة جديدة له في المنطقة هي الخامسة له «والسادسة للكيان الإسرائيلي»، وهناك اتفاق على أن مسألة الخروج من المأزق من دون دفع أثمان لم تعد متاحة أمام أميركا، لذلك فإن ما تفعله الآن هو العمل على ألا تكون هناك أثمان باهظة جداً.
الحديث الأميركي عن الاعتراف بدولة فلسطينية مبهم وملغوم.. المسألة ليست بالاعتراف بقدر ما هو أين ستكون هذه الدولة وعلى أي أراض وأي حدود وأي سلطة؟
«الدولة الفلسطينية»
جولة بلينكن تأتي مع اتساع حديث الإدارة الأميركية عن «حل الدولتين» والاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتكثيفها من التصريحات التي تتحدث عن «خيارات عديدة» تبحثها في سبيل ذلك، لتلحقها بريطانيا كالعادة وكما هو متوقع، وهناك حديث موسع أن جولة بلينكن ستركز في أحد محاورها على هذا المسار، ولا يخفى هنا الخبث الأميركي، حيث تريد واشنطن تشكيل حالة استقطاب إيجابية في المنطقة من خلال اللعب على مسار حل الدولتين والاعتراف بالدولة الفلسطينية وبما يقود إلى حالة ضغط «عربية» باتجاه إغلاق جبهة غزة كما تريد واشنطن، أو أقله من دون أن يبدو الأمر كهزيمة للكيان من جهة، وتراجع لمكانتها من جهة أخرى.
علماً أنه ليس من المتوقع أن تكون جولة بلينكن فاتحة لبدء هذا المسار مع استمرار التهديدات الإسرائيلية، وآخرها باتجاه رفح ومحور صلاح الدين- فيلادلفيا، وبشكل يستفز مصر ويضاعف شكوكها حيال النيات المبيتة، باعتبار أن ملف التهجير لا يزال قائماً، وباعتبار أيضاً أن الحديث الأميركي عن الاعتراف بدولة فلسطينية ليس واضحاً بما يكفي، وهو يضاعف المخاوف والشكوك، حيث إن المسألة ليست هنا في مسألة الاعتراف بقدر ما هي في مسألة أين ستكون هذه الدولة الفلسطينية، على أي أراض، وأي حدود، وأي سلطة؟
لا يمكن لأميركا إغلاق جبهة غزة على صفر نتائج لكنها تدرك بالمقابل أن المنطقة تتجه أسرع نحو «انفجار كبير» سيزيحها لمصلحة الخصوم الإقليميين والدوليين
ولا شك بأن هذه المسألة ستكون مدرجة على جدول جولة بلينكن إذا ما كان الاعتراف بالدولة الفلسطينية موجوداً فعلياً على جدول الأعمال، وبالنظر إلى أن الإدارة الأميركية ستواصل حديث الدولة الفلسطينية، كما هو متوقع، فإننا لن ننتظر طويلاً حتى نعرف النتائج أو بعضها، حتى لو كان ذلك على مستوى التسريبات، حيث يرى المحللون أن الإدارة الأميركية تدفع باتجاه تسريع هذا المسار طلباً لنتائج محددة تريدها بصورة سريعة وبما يحقق خرقاً في جدار أربعة أشهر من انفتاح جبهة غزة.
البحر الأحمر
المسألة الأخرى على جدول جولة بلينكن هي بلا شك جبهة اليمن- البحر الأحمر، باعتبار أنها بدأت من السعودية، وتأتي وسط تكثيف أميركا وبريطانيا ضرباتهما الجوية على اليمن، وفي ظل التهديد بعملية برية، رغم أنه لا يخفى على أحد أن أميركا كيفما حسبتها فإن هذه العملية البرية محفوفة بمخاطر هائلة بالنسبة لها، ولها في عملية الكيان الإسرائيلي البرية في قطاع غزة مثال واضح، فإذا كان أحد أهداف جولة بلينكن هو حشد الدعم لهذه العملية البرية فإن النتائج ستكون مشابهة لما كان عليه «تحالف الازدهار» الذي لم يستطع استقطاب أي دولة في المنطقة «باستثناء البحرين التي لها حديث آخر يكاد يكون معلوماً للجميع»، وستفشل كما فشل «تحالف الازدهار» وكما هي الضربات الجوية فاشلة، «تتواصل الهجمات ضد السفن الأميركية والبريطانية والسفن المتجهة إلى الكيان، حيث تم استهداف سفينة شحن بريطانية اليوم الثلاثاء بطائرة مسيّرة وذلك غداة عشرات الهجمات الصاروخية الأميركية – البريطانية على الأراضي اليمنية».
أميركا لم تمسك حتى الآن بطرف خيط واحد باتجاه مخرج ما.. بالنسبة لها كل المخارج بلا مكاسب بل جميعها تقود إلى نتيجة واحدة التنازل أو تقاسم الوجود والنفوذ
حتى الآن تعجز أميركا أو هي تعيش حالة نكران لواقعها في المنطقة وترفض أن تعيد قراءة معطياتها وفق ما أفرزه مسار «الربيع العربي» المشؤوم، لذلك هي تواصل التخبط وتسجل الفشل تلو الآخر.. حتى الآن.
هدنة جديدة
أما مسار التفاوض حول هدنة جديدة واتفاق لتبادل الأسرى فما زال يراوح مكانه رغم كل ما يقال عن أنه مسار «نشط للغاية»، فالكلمة الفصل لا تزال لفصائل المقاومة الفلسطينية التي ترفض أي هدن واتفاقات من دون ضمانات بوقف كامل للحرب، خصوصاً أن المطروح فعلياً على هذا المسار يصب في خدمة الكيان الإسرائيلي وتهديداته المستمرة بالعودة إلى العدوان مع انتهاء الهدنة كما حدث في الهدنة السابقة، وعليه ما الفائدة من اتفاق جديد، والذي هو فخ جديد للمقاومة، حسب قراءة جميع المحللين، هدفه الأساسي سحب أوراق القوة من يديها، ومن ضمنها ورقة الأسرى.
يشار إلى أن اتفاق الهدنة الجديد الذي طرحته واشنطن يتضمن «وقف القتال لمدة 6 أسابيع مع تبادل الأسرى على مراحل».
جولة طويلة
بكل الأحوال، يبدو أن جولة بلينكن ستكون طويلة، وفقاً لجدول أعمال مثقل و«ليس مزدحماً» لناحية أنه بات من المحتم ومن الضرورة القصوى لواشنطن أن تحقق «إيجابية ما»، حيث وصلت التطورات إلى نقطة حرجة ولا بد من طرح المسائل بصورة أكثر حسماً، بمعنى أكثر تهديداً كما توحي التصريحات والتحركات الأميركية الأخيرة.