وقائع الميدان تحاصر الكيان ولا بد من تجرّع كأس «القرارات الصعبة».. نتنياهو بمواجهة المزيد من «غضب الجنود»: عمّا ندافع؟
تشرين – مها سلطان
يبدو أن الكيان الإسرائيلي يتجه أكثر نحو توسيع دائرة الاعتراف بوقائع الميدان ووطأتها التي تتضاعف كل يوم بفعل الخسائر الكبيرة بين جنوده، وآخرها يوم الإثنين الماضي حيث سقط 24 جندياً له بضربة واحدة للمقاومة الفلسطينية، هذه الضربة التي ضاعفت كابوس «الأسرى» الذي يجثم على حكومة الكيان ومتزعمها بنيامين نتنياهو، وحوّلته إلى كابوس مزدوج، مع انضمام ذوي الجنود الذين يقتلون إلى ذوي الأسرى، حسب الإعلام الإسرائيلي، في مواجهة حكومة نتنياهو ما سيُعجل بسقوطها، ومن دون أن يشهد نتنياهو نهاية المرحلة الثالثة من العدوان التي أطلقها وقال إنها ستستمر ستة أشهر على الأقل.
أغلب مسؤولي الكيان باتوا يضمّنون تصريحاتهم إقراراً بالعجز عن «تحقيق أكثر مما تحقق» هذا إذا اعتبرنا أن هناك ما تحقق لهذا الكيان غير إمعانه في القتل والتدمير والتهجير
مؤخراً، لا نعتقد أن هناك من لم يلحظ الاختلاف في مسار التصريحات الإسرائيلية، ورغم استمرار التهديدات الإسرائيلية إلا أن أغلب مسؤولي الكيان يضمّنون تصريحاتهم إقراراً بالعجز عن «تحقيق أكثر مما تحقق»، هذا إذا اعتبرنا أن هناك ما تحقق لهذا الكيان غير إمعانه في القتل والتدمير والتهجير.
لذلك لم يكن مستغرباً أن يبدأ هؤلاء حديث «القرارات الصعبة» التي باتت حتمية لإعادة الأسرى الذين يقدر عدد ما تبقى منهم بـ136، ولا شك بأن القرارات الصعبة عندما يتم فتح الباب لها فهي لا بد ستنسحب على أكثر من مستوى في المرحلة المقبلة، من بينها الميداني.. وعليه فإن مسار التفاؤل بقرب التوصل إلى اتفاق هدنة وتبادل أسرى بات أوسع، خصوصاً بعد تصريح وزير الحرب بيني غانتس بأن الحكومة ستتخذ قرارات صعبة لإعادة الأسرى، وفي كلمة متلفزة، تم بثها مساء أمس، تعهد غانتس لذوي الأسرى بأنه لن يكون هناك تردد باتخاذ قرارات صعبة، وقال: كما عرفنا كيفية اتخاذ قرارات صعبة في الماضي سنعرف كيفية اتخاذ هذه القرارات في المستقبل أيضاً إذا كانت هناك صفقة حقيقية على الطاولة.
الكيان ومعضلة «لمن الأولوية»؟
يأتي هذا وسط استمرار حملة النواح والندب مما يسمى المعارضة الإسرائيلية ومتزعمها يائير لابيد حيال الوضع الكارثي الذي وصل إليه الكيان والذي تتحمل مسؤوليته حكومة نتنياهو التي كان عليها أن تضع الأولوية لإعادة الأسرى ثم «احتواء حماس»، وقال لابيد أمام «الكنيست» مساء أمس: كل يوم يسقط المزيد من الجنود الإسرائيليين ويتضاءل الأمل بعودة الأسرى، وتساءل: كيف وصلنا إلى هذه الحال؟ وأضاف: أمننا لن يتحقق فقط بقتل قادة حماس، متابعاً: جنودنا يسألوننا «عن أي دولة نقاتل؟».
على المنوال نفسه ينسج الإعلام الإسرائيلي، محذراً من أن القادم أسوأ، وحسب صحيفة «جيروزاليم بوست» نقلاً عن تقارير عسكرية فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يعد بوسعه تحقيق أي إنجازات في غزة على المستوى الاستراتيجي أكثر مما حققه حتى الآن، وتقول: إن الاستمرار في القتال على هذا النحو سيؤدي في نهاية المطاف إلى مقتل مئات الجنود الإسرائيليين من دون طائل.
واعتبرت «جيروزاليم بوست» أنه كان من المرعب للإسرائيليين مشاهدة 24 جندياً يسقطون في ضربة واحدة، وبما عزز المخاوف من أن عدد القتلى سيتضاعف بشكل كبير في هذه المرحلة، خصوصاً مع تقليص وجود الجيش وتراجع حركته ما يجعله هدفاً سهلاً، «وتقصد الصحيفة هنا عملية الانسحابات وإعادة الانتشار وتخفيض عدد الجنود وإنهاء كل المواجهات البرية تقريباً والاعتماد على الغارات الجوية التي أقرها نتنياهو بعد إعلانه عن بدء المرحلة الثالثة من العدوان على غزة، التي شهدت اتساع مسار رفض الجنود الإسرائيليين للقتال في غزة».
وأكدت الصحيفة أن كل ذلك سيقوي الضغوط على حكومة نتنياهو لتسريع عملية اتخاذ «القرارات الصعبة» وإبرام صفقة تُعيد الأسرى «حتى من دون القضاء على حماس».
جديد مسار الهدنة المحتملة
ومنذ أيام تتواصل التسريبات حول اتفاق هدنة جديد قيد التفاوض، حيث تشير هذه التسريبات إلى أن مدة الهدنة قد تكون شهراً يتم خلالها تبادل جميع الأسرى على ثلاث مراحل: الأولى لـ«المدنيين»، والثانية للمجندات وجثث الأسرى القتلى (الذين سقطوا بالقصف الإسرائيلي المتواصل على غزة)، والمرحلة الثالثة للجنود.
هذه التسريبات خيّمت عليها تصريحات لوزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريش، خلال اجتماع له مع ذوي المحتجزين، قال فيها إنه لا يمكن التعهد بإعادة جميع الأسرى أحياءً.
ولم يذكر سموتريش لماذا وإن كان الجميع يعلم أن من قتل من الأسرى أو من سيقتل لاحقاً، حتى إقرار الهدنة الجديدة، في حال إقرارها، قتل على أيدي جيش الكيان في الغارات والعمليات العدوانية التي ينفذها منذ أكثر من ثلاثة أشهر على قطاع غزة، بعد عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول الماضي. وعليه فإن سموتريش يمهد ويخبر ذوي الأسرى مسبقاً بأن المزيد من القتلى قد يسقطون بين الأسرى ما دام العدوان على غزة مستمراً.
الأصوات تتعالى داخل الكيان من أن الأمن لن يوفره استمرار العدوان ولا استهداف قادة المقاومة ولا إطلاق التهديدات ولا المناطق العازلة وأنه لا بد من تغيير المسار.. لكن كيف؟
مستوى آخر من الاعتراف بوقائع الميدان بدأ يتسع، حيث تتعالى الأصوات داخل الكيان من أن الأمن لن يوفره استمرار العدوان، ولا استهداف قادة المقاومة، ولا إطلاق التهديدات، ولا بناء المزيد مما يسمى «المناطق العازلة»، وأنه لا بد من تغيير المسار والسياسات، لكن كيف؟ هذا ما لم يقله أصحاب هذه الأصوات الذين يكتفون بالقول إن مسار الهزائم سيتوقف مع إزاحة نتنياهو، علماً أن أي حكومة إسرائيلية ستأتي ستكون حتماً وحكماً أمام المعضلات ذاتها، أي مسار الهزائم نفسه، لأنها ستعتمد النهج نفسه، ولا خيارات أخرى أمامها.
مع ذلك، بدأ كيان الاحتلال يعمل على إقامة منطقة عازلة داخل غزة، حيث تم هدم 1100 من المباني القريبة من «الحدود» حتى الآن، ورغم كل ما يقال عن نصائح وتحذيرات أميركية للكيان من إقامة هذه المنطقة وتقليص مساحة الأراضي الفلسطينية إلا أنه فعلياً ليست هناك معارضة أميركية لها، وحسب تصريحات لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يوم الثلاثاء الماضي فإنه (.. في حين أن الولايات المتحدة واضحة بشأن عدم التعدي على أراضي غزة، إلا أنه قد يكون هناك مجال لـ«ترتيبات انتقالية»).
وهذه الـ«ترتيبات الانتقالية» هي نقض تام لتلك التحذيرات التي يبدو أنها فقط للتداول الإعلامي، أما وراء الأبواب المغلقة فإن كل أمر وكل تحرك متفق عليه مع الإدارة الأميركية.
التسريبات تستمر حول اتفاق هدنة جديد مدته شهر واحد.. من ضمنه تبادل واسع للأسرى على ثلاث مراحل الغلبة فيها لشروط الجانب الفلسطيني
أيضاً على «جبهة الشمال» فإن للاحتلال ترتيباته، حيث عمل صباح اليوم الخميس على إغلاق أغلب الطرق في منطقة الجليل الغربي وإقامة العديد من الحواجز بعد الاشتباه بما سماه «حادثة تسلل» التي وضعت جيش الاحتلال في حالة تأهب شديد وتركيز على هذه الجبهة.
الأميركي ليس أفضل حالاً
الأميركي الذي ينصح الإسرائيلي ميدانياً ليس بأفضل حال، ويسلك السلوك نفسه بمواجهة النصائح والتحذيرات التي يتلقاها حيال نهجه في المنطقة والأخطاء الاستراتيجية القاتلة التي يقع فيها مع استمراره في التصعيد، تماماً كما يفعل الكيان الإسرائيلي، وعليه فإن جبهة البحر الأحمر ستبقى مفتوحة على سيناريوهات خطرة، ولأنه من غير المناسب لواشنطن أن يستمر تفلت هذه الجبهة من بين أيديها، أو أن تستمر الحال وفق معادلة «القصف والقصف المضاد» مع الغلبة لليمنيين، إذ إن كل الهجمات الصاروخية التي نفذها تحالف واشنطن المسمى «تحالف الازدهار»، والتي بلغت ثماني هجمات كثيفة وموسعة حتى الآن، لم تفلح في شلّ قدرة اليمنيين على شن الهجمات، أو كما تقول واشنطن ردعهم، ففي صباح هذا اليوم أجبرت صواريخ اليمنيين سفينتين تحملان إمدادات عسكرية أميركية على تغيير مسارهما عند محاولة عبور مضيق باب المندب بحماية البحرية الأميركية، أعقب ذلك بيان لشركة «ميرسك» أعلنت فيه أنها ستعلق عبور سفن الشركة الأميركية التابعة لها في البحر الأحمر.