رعب الشمال يجتاح «إسرائيل».. وغزة لا تنتظر الدبلوماسية
تشرين- راتب شاهين:
في وقت تغيب فيه أي رؤية واقعية للنزول عن الشجرة لدى حلف العدوان على غزة، تصبح الغشاوة أكبر عند العدوان الذي يحاول قطف بعض الإنجازات في ساحة غزة أو خارجها، من أجل تسويق إبادته لكل أشكال الحياة في غزة، إضافة إلى عمليات اغتيال في المنطقة، على أنها انتصار يبنى عليه إقليمياً ودولياً من جهة وداخلياً ضمن الكيان الذي ينتظر «اليوم التالي» لإيقاف العدوان، من أجل شنق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سياسياً، وتحميله كل التبعات والأحداث منذ السابع من تشرين الأول من العام الماضي.
البازار السياسي يتصاعد داخل الكيان من أجل أثبات كل طرف أنه أكثر وحشية من نتنياهو نفسه، لكن «اليوم التالي» للحرب يبتعد كل يوم أكثر مع احتمال تصاعد الحرب في الشمال من مناوشات على الحدود الجنوبية للبنان إلى حرب يبدو أن الجميع ينتظر انفجارها، وهي الحرب المؤجلة إلا في حال حدوث أمر ما على الصعيد الدبلوماسي قد يلغيها، وهذا لا يبدو في الأفق، مع التصريحات المتناقضة ضمن حلف العدوان.
في اليوم الـ96 من العدوان على غزة، واصلت الطائرات الإسرائيلية قصفها لمختلف مناطق القطاع المحاصر مخلفة أعداداً كبيرة من الشهداء والجرحى ودماراً واسعاً في الممتلكات والبنية التحتية.
وارتكب الاحتلال الاسرائيلي 12 مجزرة ضد العائلات في قطاع غزة راح ضحيتها 126 شهيداً و241 إصابة لترتفع حصيلة العدوان الإسرائيلي الى 23.210 شهيداً و59.167 إصابة منذ السابع من تشرين الأول.
رعب الشمال يسقط في النفوس الإسرائيلية..
مهما حاولت حكومة الاحتلال الإسرائيلي لتهدئة نفوس مستوطنيها وجنودها المتوترة، والتقليل من حجم القلق الناتج عن رعب فتح جبهة الشمال، بالتركيز على غزة وكيفية تهجير سكانها، إلا أن التسريبات والاستعدادات لذلك تكشفه الممارسات الإسرائيلية، من نقل المزيد من المستوطنين من مستوطنات شمال فلسطين إلى العمق الإسرائيلي، ويصب في ذلك ما قالته هيئة البث الإسرائيلية: إن وزارة الصحة أوصت المستشفيات الإسرائيلية بالتأهب لاحتمال استقبال مصابين بالآلاف في حال توسع القتال على الجبهة الشمالية مع حزب الله اللبناني.
ورفعت وزارة الصحة من حالة الجاهزيّة لدى أنظمة «التسرير» واستقبال المصابين في المشافي، وصناديق المرضى في كل أنحاء البلاد، وخاصة في الشمال.
وتلقى مستشفيان في صفد ونهاريا توجيهات بالاستعداد لحالة استقبال العديد من المصابين، ونقلهم إلى مستشفيات أخرى كذلك.
كل هذه التدابير تمت بعد أن زعم الجيش الإسرائيلي مسؤوليته عن اغتيال قائد الوحدة الجوية لحزب الله في جنوب لبنان، لكن حزب الله اللبناني نفى ادعاء الاحتلال الإسرائيلي باغتيال مسؤول وحدة المسيّرات أو القوة الجوية في الحزب. وقال الحزب في بيان: إن مسؤول وحدة المسيّرات أو القوة الجوية في الحزب، لم يتعرض بتاتاً لأي محاولة اغتيال كما ادعى العدو.
النيات الأميركية واضحة.. لا وقف لإطلاق النار
مجريات الحرب على غزة كشفت النيات الأميركية فلم تعد تأويلاً، بل تصريحات موثقة صدرت عن المسؤولين في واشنطن، فهذه حقاً حرب أميركا على غزة، لكن بالمقابل هذا اعتراف بصورة أخرى بانتصار المقاومة حتى الآن على آلة العدوان الإسرائيلية – الأميركية.
المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي قال: إن الولايات المتحدة لا تؤيد وقفاً لإطلاق النار حالياً في غزة لأنه سيكون في مصلحة المقاومة.
التصريح يؤكد أن أمر الحرب أميركي، وأن واشنطن تريد الاستمرار فيها من أجل أمور قد لا نعلمها الآن، لكن بالمقابل تريد من ربيبتها «إسرائيل» تحقيق «انتصار» يبنى عليه في السياسة ولو طالت الحرب مع أشواط منفصلة بهدن مؤقتة، حيث أضاف كيربي في تصريحه: «ما زلنا ندعم التوصل إلى هدن إضافية»، حتى مجرد تصريح دبلوماسي لا يمكن أن يؤخذ من واشنطن، ويمكن الاستناد إليه في السياسة يدعو أقله إلى حل نهائي للحرب.
تبادل أدوار
لا نستطيع أن نقول إن التمايز الشكلي واللفظي بين مسؤولين في الإدارة الأميركية ومسؤولين في الكيان المحتل، هو خلاف استراتيجي ضمن حلف واحد على الأساسيات والأهداف الكبرى، أكثر منه خلاف او دردشة إعلامية من أجل إظهار خلاف شكلي ليس إلا، فوزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش كتب على حسابه في منصة «إكس»: «مرحباً بوزير الخارجية الأميركي بلينكن. نحن نقدر بشدة الدعم الأميركي لـ«إسرائيل»، ولكن نحن سنتصرف دائماً وفقاً للمصالح الإسرائيلية، لذلك سنواصل القتال بكل قوة»، وهذا ما تريده واشنطن، لكن لاعتبارات دولية لا تدع «تل أبيب» تصرح عنه.
ليس هناك خلاف أميركي – إسرائيلي على «إنهاء» وجود سكان غزة في القطاع، لكن التباين هو في الطريقة، فالولايات المتحدة الأميركية تريد من أهل غزة المغادرة إلى أي مكان، وحتى إلى أوروبا على أرجلهم -أي نكبة ثانية للفلسطينيين- بينما الكيان الإسرائيلي يريد الشيء ذاته لكن بإبادتهم، فهو لا يستطيع انتظار المجتمع الدولي في هذا الأمر الذي أوكله لآلته الحربية، رغم محاولة إلباس الأمر لباس «الطوعية»! من أجل تخدير دول العالم والمنظمات الدولية، فسموتريتش قال: سنعمل على تمكين الهجرة الطوعية من غزة كما فعل المجتمع الدولي تجاه اللاجئين من سورية»، هذا التصريح يكشف المخطط الذي تبناه ما سماه سموتريتش «المجتمع الدولي» تجاه الشعب الفلسطيني في الشتات، وكيف أن ما سمي «الربيع العربي» كان يستهدف بالدرجة الأولى القضية الفلسطينية.
وعن المشروعات التي تروج لها جهات دولية وجدواها وأفقها، فقد أغلق عليها المسؤول الإسرائيلي المتطرف الباب، إذ أعرب سموتريتش عن رفضه تحويل «ولا حتى شيكل واحد» إلى السلطة الفلسطينية.
غزة لا تنتظر الدبلوماسية
بعد عقود من التجارة السياسية الدولية بقضية فلسطين، والتجارب بمحاولة تصديق الوعود الدولية، عبر الضغط والإكراه وحتى رمي وعود بـ«دويلة» فلسطينية على فتات وطن ممزق بين القطاع والضفة وأراضي 48، والدعوات لسماع صوت العقل بالقوة، إلا أن الساعد وحده من يتكلم الآن في فلسطين، ويأبى أن يتوقف عن الثرثرة الجميلة، التي تصدح في الميدان، حروفها مقاتل وصواريخ وقذائف، وطائرات من دون طيار وقذيفة «الياسين» التي تبهجنا دائماً.
أوركسترا في جنوب فلسطين وفي شمالها متناغمة، تنطق بأن المقاومة مستمرة ولا عودة إلى ما قبل السابع من تشرين الأول، فعقارب الزمن ممنوع عليها العودة إلى الوراء.. والمستقبل الذي ترسمه المقاومة وحده هو الطريق والمصير.