ملف «تشرين».. الصين وروسيا والمنطقة.. كل هذا الحظ؟!
تشرين د. رحيم هادي الشمخي:
هل هو الحظ فعلاً الذي يخدم الصين وروسيا في المنطقة.. لماذا تبدو كل الأحداث في المنطقة وتطوراتها وسياقاتها – وحتى نتائجها المستقبلية – مُفصّلة على مقاس المصالح الصينية الروسية؟
لا شك أن الولايات المتحدة في موقع العاجز عن الفهم وعن الفعل، لماذا كل العواصف التي تفتعلها في المنطقة تستقر بما تشتهي السفن الصينية- الروسية، وآخرها الحرب الإسرائيلية الوحشية المستمرة على غزة وما تفرزه من تطورات وتغيرات جذرية، وكل محاولات أميركا لتوجيهها لمصلحتها، وجديد المحاولات التحالف المسمى «تحالف الازدهار» في البحر الأحمر.. كلها تبوء بالفشل؟
في أميركا قد يسمونه حظاً وفي عاميتنا نقول «حظ بيفلق الصخر»، ولكن هل هذا كله حظ فقط ؟
في روسيا، وفي الصين تحديداً يسمونه تكتيكاً وحسن تدبير ورؤية بعيدة المدى، وقراءة دقيقة للمتغيرات العالمية، والمنطقة من ضمنها، والأهم البناء على غباء السياسات الأميركة خصوصاً في العقدين الماضيين لناحية أنها لم تدرك كم تغير العالم وكم تغيرت المنطقة، وعليه فهي ما زالت تمارس السياسات القديمة نفسها.
رغم أن الحظ في السياسة تحديداً يقوم بمجمله على المخاطرة إلا أنه لا بد أن يكون محسوباً ومدروساً بدقة لضمان احتواء النتائج في حال لم تكن المخاطرة في محلها
.. وأيضاً إلى جانب قليل من الحظ، لا بأس، علماً أن هذا الحظ، في السياسة تحديداً، يقوم بمجمله على المخاطرة في أحيان كثيرة، رغم ذلك لا بد أن يكون محسوباً ومدروساً بدقة، لضمان احتواء النتائج في حال أن هذه المخاطرة لم تكن في محلها.
على الأكيد تدرك الولايات المتحدة الأميركية أن هذا ليس كله حظاً، وأن محور روسيا الصين وما يستقطبه من حلفاء ومؤيدين، بات من غير الممكن درء خطره على الزعامة العالمية الأميركية، هذه الزعامة التي بلغت حالياً مستوى متدنياً جداً إذا ما نظرنا إلى خارطة الصراع العالمية، ومواقع كل طرف فيها.
لكن أميركا لا تقف مكتوفة الأيدي، فهي ما زالت تفتعل العواصف وتديرها في المنطقة «وغيرها» وبمواجهة الصين وروسيا، وكان يفترض أن يكون «تحالف الازدهار» أحدها، ولكن لا يبدو أن رياحه تجري بما تشتهي سفن واشنطن.
لنلاحظ أنه في الوقت الذي وجهت فيه واشنطن دعوة غير مباشرة إلى الصين للانضمام إلى هذا التحالف، كانت تشن حملة دولية (إعلامية) ضد الصين باعتبارها جزء «من التهديد الذي يشكله أنصار الله» على الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
صحيفة «نيوزويك» الأميركية، وفي مقال لها في 20 كانون الأول الجاري، اتهمت الصين بدعم أنصار الله، وقالت إن «القوة الحقيقية والممول النهائي» الذي يقف وراء أنصار الله، هي الصين وليست إيران كما هو المُعتقد؟!
وتقول الصحيفة: بدلاً من محاولة الدفاع عن آلاف السفن التي تعبر السويس والبحر الأحمر، وإيقاف «السهام» بمجرد أن تصبح في الهواء، سيكون من المنطقي أكثر ملاحقة «الرماة» مصدر هذه الهجمات على المستويين العملياتي والاستراتيجي.
وتضيف: على المستوى العملياتي، يعرف مجتمع الاستخبارات مكان معسكرات أنصار الله، حتى يمكن تدمير مخابئ أسلحتهم. وعلى المستوى الاستراتيجي، ونظراً للدعم المالي الذي تقدمه إيران لهم، يجب على الولايات المتحدة إعادة فرض الحظر لإنهاء قدرة إيران على دعمهم.
وتتابع: «.. ومع ذلك، فإن إيران ليست الممول النهائي، بل الصين» وتعتبر الصحيفة أن زيادة مشتريات الصين من النفط الإيراني الخاضع للعقوبات «يتيح لإيران تقديم مزيد من الدعم المالي لأنصار الله، ولوكلائهم الآخرين في المنطقة».
هذا حال أغلب الإعلام الأميركي، بأهم وسائله، حتى أن هذا الإعلام يتهم البحرية الصينية بالتواطؤ مع أنصار الله، عندما قررت بكين أن لا مصلحة لها في ذلك التحالف الأميركي، واعتماد المرور الآمن في البحر الأحمر بعيداً عن الموانئ الإسرائيلية، إلى جانب وقوفها ضد العدوان الإسرائيلي على غزة، وصولاً إلى ما تسميه صحف إسرائيلية «حملة عقوبات غير معلنة» تمارسها الصين ضد قسم من التجارة معها متعلق ببعض التكنولوجيات، حيث تضع بكين الكثير من العراقيل في وجه اتمام عمليات التصدير إلى الكيان الإسرائيلي، خصوصاً أن بعض هذه التكنولوجيات يمكن استخدامها لأغراض عسكرية.
ووفق مصادر فإن الجانب الصيني أبلغ صنعاء رفضه أي تحالفات تهدد الأمن الملاحي وإمدادات الطاق في البحر الأحمر وأنه يتفق معها على أن وقف العدوان على قطاع غزة وإدخال المساعدات الكافية لأهل غزة، هما الحل الأمثل لنزع فتيل التوتر في البحرين الأحمر والعربي.
ليس هذا فقط، بل عمدت وسائل إعلام صينية إلى نشر صور أقمار اصطناعية تظهر انسياب الملاحة في البحر الأحمر من باب المندب حتى قناة السويس بشكل طبيعي ودون عوائق، كما نشرت حركة الملاحة في البحر الأحمر في إطار ردّها على ادعاءات وكالة «أسوشيتد برس» الأميركية تحويل أكثر من 100 سفينة وجهتها إلى رأس الرجاء الصالح.
طبعاً هذا لم يعجب أميركا ولا كيانها، وهما اللذان يجهدان لتحويل البحر الأحمر إلى قضية دولية، تحتوي بها الولايات المتحدة الانحدار المتسارع في هيمنتها على المنطقة.
كل المخططات الأميركية في المنطقة تجري رياحها بما تشتهي السفن الروسية- الصينية.. حتى «تحالف الازدهار» يوفر فرصة كبيرة أمام بكين وموسكو لتوسيع دائرة الحضور والنفوذ في المنطقة
مع ذلك اضطرت واشنطن إلى طلب مساعدة بكين والتوسط لدى من تسميهم داعمي أنصار الله «إيران مثلاً» من أجل ممارسة الضغط عليهم، وهو ما ردت عليه إيران مباشرة بالقول إن المقاومة اليمنية/ أنصار الله لديها أدواتها الخاصة وتتصرف وفق قراراتها وقدرتها، مضيفة:«حقيقة أن أطرافاً دولية معينة مثل الأميركيين والإسرائيليين يعانون من ضربات أنصار الله لا ينبغي أن يدعو ذلك إلى التشكيك في قوة الجماعة في المنطقة».
على الخط الموازي تقف روسيا. ولا شك أنها هي الأخرى تشعر بارتياح وتفاؤل حيال كل ما يحدث بدءاً من أوكرانيا وصولاً إلى المنطقة. في أوكرانيا باتت أميركا (والغرب) أبعد ما يمكن عن تحقيق أي هدف، بل هي محاصرة بصورة شبه كلية بتطورات جبهة غزة وجهود عدم اتساع جبهات الحرب ضد الكيان الإسرائيلي، وهذا انعكس على ضعف الدعم والتمويل، وانخفاض مستوى التركيز الأميركي (الغربي/الأوروبي) على أوكرانيا إلى الحد الأدنى، وعليه فإن اشتعال جبهة غزة، ثم تشكيل تحالف الازدهار، وكل تلك التوقعات بالفشل التي تحاصره، هي أفضل ما حدث لروسيا منذ بدء حرب أوكرنيا في شباط 2022.
أما في المنطقة، فهذا يعطي روسيا (كما للصين) كامل الفرصة لملء الفراغ، أو لنقل حالياً استغلال التركيز الأميركي فقط على الكيان الإسرائيلي ومصالحه بعيداً عن مصالح الحلفاء في المنطقة خصوصاً المُصنفين في خانة الحلفاء الاستراتيجيين لأميركا (في الخليج العربي) والاستثمار في هذا التركيز للاستحواذ تباعاً على المواقع الأميركية، وحتى قلب معادلة «تحالف الازدهار» ضد أميركا باعتباره تحالفاً لخدمة الكيان الإسرائيلي فقط ، تحالف يُحرج حلفاء الولايات المتحدة ويدفعهم للابتعاد أكثر عنها.. هنا يأتي دور الصين وروسيا اللتين تغتنمان كامل الفرصة وعلى مرآى الولايات المتحدة الأميركية.
أكاديمي وكاتب عراقي
اقرأ أيضاً:
ملف «تشرين».. «حارس الازدهار».. أي معادلات جيو- اقتصادية يريد الغرب فرضها ولماذا استهداف مصر؟