ملف «تشرين».. «حارس الازدهار».. أي معادلات جيو- اقتصادية يريد الغرب فرضها ولماذا استهداف مصر؟

تشرين د. حيان سلمان:

في مسألة التحالف الغربي الجديد الذي أعلنت الولايات المتحدة الأميركية تزعّمه في البحر الأحمر بمواجهة المقاومة اليمنية/أنصار الله/ التي توسع يوماً بعد يوم عملية تثقيل الخسائر بالكيان الإسرائيلي.. في هذه المسألة وعندما يتعلق الأمر بالمنطقة، وبالدول العربية، تحديداً المتشاطئة مع البحر الأحمر فإن التركيز يكون على دول بعينها، وهي معروفة للجميع، وهنا تبرز مصر بالدرجة الأولى وقناة السويس لناحية ما يمكن تسميته حملة تخويف مصر من المقاومة اليمنية وعملياتها وتأثيرها على القناة وبما ينعكس خسائر فادحة على الاقتصاد المصري، فإلى أي درجة هذا صحيح؟
يُضاف إلى ذلك أسئلة مركزية حول المعادلات الجيوسياسية الجديدة في المنطقة ودخول البحر الأحمر «رأس حربة» لها في هذه المرحلة، وكيف يمكن تجيير التطورات والمسارات لمصلحة المنطقة والعرب في عالم متعدد الأقطاب المقبل؟
يظهر التوتر واضحاً في البحر الأحمر مع استمرار عمليات المقاومة اليمنية في استهداف أي سفينة إسرائيلية أو مرتبطة بالكيان الإسرائيلي، وحسب متابعتنا لحركة الملاحة في البحر الأحمر وجدنا كثرة الادعاءات غير الدقيقة عن تأثر قناة السويس بعمليات المقاومة كما يزعم الإعلام الصهيو- غربي، والمتعاملون معه، وخاصة وكالة «بلومبرغ» وصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، باعتبار مصر هي أكثر المتضررين، وهو ادعاء يحتاج إلى مزيد من التحليل الاقتصادي وتفاصيل النقل البحري في البحر الأحمر، وهنا نذكر ما يلي:

حتى الآن الأرقام الاقتصادية لا تشير إلى خسائر تذكر في عمل قناة السويس أو في حركة السفن عبرها وما يجري من حملة تشويش وتخويف هدفه التأثير على مصر ودورها وقرارها

– المقاومة اليمنية تستهدف السفن التي تتوجه إلى الكيان الصهيوني أياً كان نوعها أو الجهة/الدولة التي تنتمي لها، وهذه السفن هدف مشروع لمقاومة العدوان الصهيوني على غزة وأهلها، لكن الإعلام الغربي يسعى إلى التضخيم والتهويل، لحماية مصالحه وسفنه المستهدفة، من خلال التركيز على دول محددة مثل مصر ووضعها في دائرة التشويش والتخويف، في سبيل التأثير على دورها وقرارها، خصوصاً أن مصر رفضت الانضمام إلى التحالف المسمى «حارس الازدهار».
– يستطيع أنصار الله إذا ما أرادوا إعاقة النقل البحري في البحر الأحمر، في كل وقت وفي أي مرحلة يساندهم في ذلك (دكتاتورية الجغرافيا لباب المندب والجزر اليمنية الموجودة في البحر من جزر مأهولة وغير مأهولة وعددها اكثر من 130) ولم تتأثر قناة السويس، بل على العكس زادت إيراداتها السنوية من سنة لأخرى، وزادت أهميتها وفاعليتها باعتبارها الطريق الأقصر بين آسيا وأوروبا، (يمر عبر باب المندب أكثر من  20% من السلع الاستهلاكية العالمية. ويمر عبر قناة السويس حوالى 12% من التجارة العالمية للسلع والخدمات و10% من شحنات النفط العالمية، و8% من الغاز، وأكثر من 30% من حاويات الشحن العالمية..  ووفقاً لمعلومات صادرة عن هيئة قناة السويس فإن حوالى 50% من السلع القادمة من باب المندب تمر عبر قناة السويس، وحوالى 98% من البضائع والسفن القادمة من جنوب قناة السويس تمر عبر باب المندب.
– ووفقاً لمعلومات ومصادر فإن قناة السويس تعرضت عدة مرات لتوقف عملها قبل عمليات أنصار الله، والكثير من المحللين الاقتصاديين يتوقعون أن وراء ذلك المخططات الصهيونية، كما حصل مع سفينة «ايفرغين» في آذار الماضي عندما جنحت وعطلت عمل القناة لمدة /6/ أيام وسببت خسائر للتجارة الدولية بحدود /10/ مليارات دولار يومياً منها /28/ مليون دولار لقناة السويس، أي حوالى /200/ مليون دولار خلال فترة تعطل العمل بالقناة، وهذا يصب في إطار تشويه سمعة القناة وعملها، وبما يمهد الوضع للإسراع في تنفيذ قناة «بن غوريون» لمنافسة قناة السويس.
– تتوقع إدارة هيئة قناة السويس أن تصل إيراداتها في نهاية هذا العام 2023 إلى /11/ مليار دولار، وهذا يعني أن المرور عبر القناة لم يتأثر بعمليات أنصار الله بل زاد عدد السفن من /2171/ إلى /2264/ سفينة، أي بنسبة أكثر من 4% في الاتجاهين من 1/11/2023 وحتى تاريخ 30/11/2023، كما زادت عائدات القناة حوالى 21% مقارنة مع سنة 2022.
– تؤكد المعلومات أن تهديد قناة السويس ليس من عمليات أنصار الله بل من خلال تحويل البحر الأحمر إلى ساحة للتنافس العالمي بسبب أهميته الجيو سياسية، ففي منطقة البحر الأحمر وباب المندب (ومضيق هرمز) توجد عدة تحالفات تقودها أميركا، وهي لخدمة الغرب ومصالحه وأطماعه، ومن هنا تأتي الحملة الأميركية والإسرائيلية ضد أنصار الله، خصوصاً الموجهة للدول العربية بهدف استمالتها ضدهم، ليبقى البحر الأحمر ساحة نفوذ أميركية/ إسرائيلية.

– أنصار الله تؤكد أن المستهدف هو المصالح الإسرائيلية إلا إذا تم الاعتداء على اليمن من قبل التحالف الصهيو- غربي عندها ستكون كل الأهداف الصهيو-غربية أهدافاً مشروعة وأينما كانت وفي أي زمان ومكان.

أي ردة فعل غير محسوبة من الغرب ستكلفه الكثير لأن المقاومة اليمنية تمتلك الأرض والإرادة وتستطيع إغلاق البحر الأحمر بوجهه في الزمان والمكان الذي تريده

ومما ورد أعلاه يتبين لنا أن تضخيم أرقام الخسائر الاقتصادية على مصر وقناة السويس، هدفه خدمة الكيان الصهيوني فقط لا غير ولا يوجد أي قلق على إيرادات قناة السويس بسبب زيادة الأسعار والأرباح، وأن المخاطر على قناة السويس تكمن في زيادة التكلات العسكرية الناتوية في البحر الأحمر ونذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر:
– تحالف( سانت ينال SANTENAL) سنة 2019 للسيطرة على باب المندب ومضيق هرمز، ويضم /6/دول برئاسة (أمريكية بريطانية أسترالية وألبانية).
– المبادرة الفرنسية الأوروبية الأمريكية للرقابة البحرية في مضيق هرمز لردع التهديدات الإيرانية، وسؤالنا: هل إيران تهدد البحر الأحمر؟
– الفرقة الأمريكية رقم /153/ تأسست سنة /2022/ قبل عمليات أنصار الله، وذلك بحجة حماية البحر الأحمر وخليج عدن وتضم /39/ دولة وتتولى حالياً رئاستها من تاريخ 12/6/2023 أمريكا.
– بتاريخ 19/12/2023 وخلال زيارة وزير الدفاع الأمريكي لويد اوستن للأسطول الأمريكي في شرق المتوسط  تم الإعلان عن  تشكيل تحالف دولي يضم /10/ دول: الولايات المتحدة المملكة المتحدة كندا فرنسا إيطاليا هولندا النرويج سيشل إسبانيا والبحرين، وتحت اسم حارس الازدهار، فأي ازدهار هذا على حساب دماء الأبرياء وقتل الأطفال؟
لاتكاد تخلو صحيفة اقتصادية أو سياسية عالمية من إشارة إلى اليمن بشكل عام وإلى عمليات أنصار الله بشكل خاص وكأن اليمن يرسم معادلات العالم انطلاقاً من البحر الأحمر، وهذا سيترك تداعياته على المعادلات الدولية الاقتصادية والجيوسياسية، ويمكن أن نتلمس ذلك من خلال المؤشرات التالية:
– زيادة التحالفات الصهيو- غربية في المنطقة وعسكرة أوسع للمنطقة بالبوارج وحاملات الطائرات، فورد وآيزنهاور، وغيرهما من الأسلحة البريطانية والفرنسية والنرويجية.. الخ، وتمدد التحالفات الغربية مع الدول العربية مثل تحالف حارس الازدهار المزعوم.
– تطلق صواريخ أنصار الله  من مسافة /1800/ كلم عن «إيلات» وهذا يعني تطوير الأسلحة وزيادة تمركزها في البحر الأحمر، وزيادة الوجود الغربي في البحر الأحمر، وبما يدفع كلاً من الصين وروسيا لتكثيف وزيادة تواجدها في دول البحر الأحمر، وزيادة قواعدها العسكرية في المنطقة (مصر، السودان، اريتريا، الصومال، جيبوتي، اليمن).
– معروف أن دول الشرق الأقصى (وخاصة الهند والصين ) تستورد أكثر من 30% من الصادرات الصهيونية وهذه ستتاثر بشكل مباشر ولاسيما السلع ذات الحجم الكبير مثل (المعدات الهندسية والآليات والمعامل) وغيرها حيث تشكل تكلفة النقل والتأمين نسبة كبيرة من إجمالي السعر المعتمد على التكلفة الكلية لأن السعر = ( التكلفة الكلية + هامش ربح ) وهذا سيؤثر على التجارة الدولية بشكل عام والتجارة الخارجية الصهيونية (صادرات ومستوردات) بشكل خاص. وتؤكد الدراسات أن أكثر من 30% من التجارة الصهيونية تمر عبر باب المندب، ما يعني أن حالة من عدم اليقين ستسيطر على منحى التجارة الصهيونية، وبما ينعكس سلباً على تعاملات التجارة العالمية للكيان الصهيوني.
– سيستمر انسحاب شركات النقل من الملاحة في البحر الأحمر (ومعه البحر المتوسط) مع زيادة التوتر في المنطقة بسبب السياسات الصهيو- أمريكية، وستتأثر حركة التجارة العالمية للسلع والخدمات وسلاسل التوريد وسترتفع الأسعار على وقع المخاطر وزيادة التكلفة مع تحويل السفن مسارها نحو ممرات أبعد وأطول، إضافة إلى تأثر السياحة. تؤكد الدراسات أن عدد السياح سنوياً إلى ميناء «إيلات» بحدود مليون شخص يساهمون في تغطية80 % من نفقات إيلات ولذلك تم تحويلها إلى منطقة حرة مع سكة حديد متطورة.
– الكثير من مراكز الأبحاث والدراسات تحذر من أن أميركا قد تتدخل في البحر الأحمر وهذا سيشكل تهديداً مباشراً لعدة دول في المنطقة، وهي لن تسمح بذلك. وتشير إلى أن العلاقات الجيوسياسية في المنطقة ستتغير بعد «حارس الازدهار» وستتأثر اتفاقيات ومسارات، ستكون بمجملها في مصلحة الصين.
– سيتجلى تأثير عمليات أنصار الله على المعادلات الدولية وفي المنطقة بشكل واضح مع بداية العام المقبل 2024 في ظل زيادة حدة التنافس الدولية للسيطرة على البحر الأحمر الذي يعتبر من أهم شرايين النقل البحرية العالمية، خاصة أن أنصار الله فرضت معادلات اقتصادية جديدة في الملاحة البحرية العالمية، وسيكون لها ردود فعل سياسية وعسكرية، وقد يتعرض اليمن لضربات عسكرية وتتوسع دائرة الحرب في المنطقة العربية المزود الأساسي للقارة الأوروبية بسلعتي (النفط والغاز)،و سيطرة أنصار الله على البحر الأحمر ستشكل عامل ضغط قوي على أميركا في المقام الأول ومن بعدها الكيان الإسرائيلي والغرب من أجل وقف العدوان على الشعب الفلسطيني، وهؤلاء يعلمون أن أي ردة فعل خاطئة ستكلفهم الكثير لأن أنصار الله يمتلكون الموقع والأرض والإرادة.

اقرأ أيضاً:

ملف «تشرين».. الكيان فقد ثقة “اللويدز” والمتعاملين معه.. إغلاق باب المندب في وجه الملاحة الإسرائيلية يزيد من الخسائر الاقتصادية

 

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار