الاقتصاد الأزرق و«برزخ» مضيق باب المندب.. احتدام الصراع على عتبات بوابة العبور إلى 348 ميناء

المحامي حيدرة سلامي:

أطلقت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية «OECD» لقب الاقتصاد الأزرق على الاقتصاد الذي يعنى باستغلال الموارد البحرية والبيئة البحرية وتكييفها مع الاقتصاد العالمي، ومن ضمنه يختص اقتصاد المحيطات اختصاصاً شاملاً بالنظر في جميع النزاعات المتعلقة باستثمار المرافئ البحرية، وبالتحكم بحركة الملاحة البحرية حول العالم.

يطلق لقب الاقتصاد الأزرق على الاقتصاد الذي يعنى باستغلال الموارد البحرية والبيئة البحرية وتكييفها مع الاقتصاد العالمي

إذاً اليوم تستند الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تعنى بتنظيم دخول السفن وخروجها والتأمين على السفن والدعاوى البحرية على السفن بين الدول والمنظمات الدولية.
واليوم تعتبر الملاحة من أهم أعمدة الاقتصاد العالمي، حيث تمكنت من تلبية الحاجة القصوى للاستهلاك البشري حول العالم وبشكل لا يواجه التنافس مع بقية أنواع النقل البري والجوي، حيث يتم نقل أكثر من 80% من تجارة السلع العالمية (من حيث الحجم) عبر الطرق البحرية. وهناك نسبة كبيرة ومتزايدة من هذا الحجم، تمثل نحو 35% من إجمالي التجارة وأكثر من 60% من القيمة التجارية.

تعتبر الملاحة من أهم أعمدة الاقتصاد العالمي، حيث تمكنت من تلبية الحاجة القصوى للاستهلاك البشري حول العالم

المضيق الأهم
أما عن علاقة الاقتصاد الأزرق اليوم بالمضيق الأهم في العالم اليوم مضيق باب المندب فهي تعود للدراسة التي قام بها المؤتمر الدولي للأمم المتحدة للتجارة والتنمية UNCTAD، وحسب معطيات الموتمر خلال السنوات الماضية فقد تدفق ما يقدر بنحو 6.2 ملايين برميل يوميا من النفط الخام والمنتجات البترولية المكررة عبر مضيق باب المندب، في عام 2018، وقد اتجهت هذه الحمولات باتجاه أوروبا والولايات المتحدة وآسيا، محققة زيادة بقد 5.1 ملايين برميل يومياً عن عام 2014، الأمر الذي يظهر حجم نمو التجارة الدولية عند المضيق، واليوم يقدر حجم تجارة النفط العالمية التي تؤمنها بوابة باب المندب بحوالي 9 إلى 10 بالمئة، من تجارة النفط في العالم.

حق المرور العابر
إذا حالياً في عام 2023 حيث يخضع لسلطة الاقتصاد الأزرق جميع موانئ العالم التي يصل عددها إلى 348، وجميع المضائق البحرية، والتي يبلغ عددها 66 مضيقاً وممراً مائياً في العالم، يشكل منها باب المندب 10%من إجمالي اقتصادها.
واليوم تلوح الولايات المتحدة الأمريكية في عمليتها الجديدة حارس الازدهار لحماية هذه النسبة من الاقتصاد العالمي ووضع قوات دولية تحت إداراتها لتطويق مقدرات هذا المضيق، فقد لوح مندوب أمريكا الأممي في هيئة دراسة التطور الاقتصاد الأزرق في العالم، بالتدخل العسكري في المضيق استناداً إلى مواد اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار المادة 37 والمادة 39 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار United Nations Convention on the Law of the Sea)‏ (UNCLOS)، لعام 1982 والتي تعتبر المعاهدة المعمول بها حالياً في سائر مسائل تنظيم الاقتصاد الأزرق حول العالم، وقد جاء في المعاهدة ما يلي: في المادة 37، تتمتع جميع السفن والطائرات بحق المرور العابر، ولا يجوز إعاقته، باستثناء إن كان المضيق مكوناً من جزيرة تابعة لدولة متاخمة للمضيق، كجزيرة بريم التابعة لليمن وبرها الرئيسي، ففي هذه الحالة لا ينطبق حق المرور العابر التي تلوح به الولايات المتحدة والدول الداعمة لإسرائيل بل عليها في هذه الحالة التواصل مع السلطات اليمنية التي لها أرض يابسة جزيرة في حدود المضيق، وبذلك تسقط إدعاءاتهم بحق المرور البحري، بل إن المادة تنص وبشكل صريح دون أي تأويل فيه، أنه إذا كان هناك طريق باتجاه البحر من الجزيرة عبر أعالي البحار أو عبر منطقة اقتصادية خالصة ذات ملاءمة مماثلة فيما يتعلق بالخصائص الملاحية والهيدروغرافية ففي هذه الحالة هم لهم الحق بالإبحار في هذا الممر ولا يعتبر واجباً على اليمنيين إدخالهم كمرور عابر، أي إن ما تفعله الدول الداعمة للكيان المحتل الآن في دخولها عبر مضيق رأس الرجاء الصالح هو التزام قانوني تفرضه المعاهدة في بندها أساساً وليس فيه أي إعاقة لحقوق الملاحة.
كما تستند الولايات المتحدة الأمريكية، في مزاعمها حماية التجارة الدولية من هجمات أنصار الله، إلى المادة 39 الفقرة «ب» بالامتناع عن أي تهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد سيادة الدول المطلة على المضيق أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي، أو بأي طريقة أخرى تنتهك مبادئ القانون الدولي المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة؛ وكذلك الفئة «ج» بالامتناع عن القيام بأي أنشطة، غير تلك التي تتعلق بوسائل النقل العادية والمستمرة والسريعة ما لم تصبح ضرورية بسبب قوة قاهرة أو محنة، ورغم وضوح هذه المادة

في صريحها وعدم الحاجة إلى تفسيرها حيث إنها نصوص ملزمة قانوناً، إلا أن هناك عيباً أساسياً يشوب تنفيذها بالبطلان، وذلك بسبب تناقض هذه المساعي العسكرية الأمريكية مع السلام الوارد في نص الاتفاقية الأساسي.
وهذا الأساس السلمي جاء في مقدمة المعاهدة، والذي تعهدت بموجبه الدول الأطراف في هذه الاتفاقية، “وبروح من التفاهم المتبادل والتعاون، لأجل المسائل المتصلة بقانون البحار، .. والمساهمة في صون السلم وتحقيق العدالة والتقدم لشعوب العالم جمعاء، وتؤكد أن قواعد ومبادئ القانون الدولي المطبق عموماً
ستظل تحكم المسائل التي لا تنظمها هذه الاتفاقية”، أي أن أساس هذه الاتفاقية كان على المساواة والتفاهم المتبادل وكانت الغاية منه هو صون السلم وتحقيق العدالة لشعوب العالم جمعاء.

يستخدم باب المندب كبوابة تعبر منها الأسلحة الأمريكية لكيان الاحتلال في ظل حصار يستهدف لقمة العيش في غزة

أداة فاعلة
والمفارقة هنا هي استخدام باب المندب كبوابة تعبر منها الأسلحة الأمريكية لكيان الاحتلال، في ظل حصار يستهدف لقمة العيش في غزة، هذا إضافة إلى آلاف التناقضات في تطبيق بنود هذه الاتفاقية بما يناسب الوجه الآخر من خلال توصيف العدالة والمساواة بأمريكا والكيان المحتل، فبات واضحاً للعيان أنه قانوناً، وفي سقوط مبدأ الاتفاقية أو سقوط مبدأ الالتزام هو سقوط الجزائية الملزمة، وإن سقوط الكل في الجزئية، والذي هو العدالة هو سقوط الفرع والذي هو الجزاء، فلا عقوبة دون جريمة ولا قانون دون عدالة بل على العكس تماماً، فقد عبر اليوم قرار السلطات اليمنية في اتخاذ مضيق باب المندب ورقة ضغط على الكيان الصهيوني أداة أكثر فاعلية وجدية وحازمة في مواجهة خروقات إسرائيل للقانون الدولي، من قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة والجامعة العربية، ما يعتبر قراراً دولياً مستقلاً يخرج في ذاته عن الخضوع لقوانين المنظومات الدولية الإقليمية التي تمكن بها الغرب في منظومته من أسرنا، على مدى القرن الماضي، وفي ذلك حل اقتصادي وسياسي عادل ومتناسب مع الوضع الدولي الحالي، أكثر مما تزعم فيه الولايات المتحدة الأمريكية التي تفكر في شن هجوم عسكري على اليمن لتحل مشاكلها كما هي العادة، فالولايات المتحدة الأمريكية ليومنا هذا لم تعرف في أي حل من حلولها تطبيق نصوص المعاهدات الدولية، بل من خلال شن الحروب والتدمير العمراني أو التخريب الاقتصادي أو التهجير السكاني.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار