في اليوم الـ79.. لا هدنة قريبة والكيان يستغل حالة التركيز العالمي على البحر الأحمر لينفذ خروجاً متدرّجاً من الحرب يُجمّل الهزيمة

تشرين – مها سلطان:
يبدو أن الكيان الإسرائيلي «ومن خلفه أميركا» يستغل حالة التركيز العالمي الشديد على منطقة اليمن/ البحر الأحمر، ليُنفذ خروجاً متدرجاً من غزة، لا يضعه في موقع الهزيمة الكاملة وبما يفتح أبواب جهنم -داخلياً – على الحكومة الإسرائيلية التي يتزعمها بنيامين نتنياهو.. وبما يُنهي- إقليمياً- إلى الأبد أسطورة «إسرائيل التي لا تهزم» أياً يكن الدعم الأميركي.
لذلك يسعى الكيان إلى تصدير أوسع حالة ممكنة من الضخ الإعلامي «الإيجابي» حيال مسألة أنه بات «ينتقل إلى مراحل» في العدوان الذي ينفذه على قطاع غزة منذ 79 يوماً «منذ 7 تشرين الأول الماضي» وهذا الانتقال لا يعني بأي حال الهزيمة، كما يزعم، وإنما يأتي بناء على دراسة المراحل السابقة، وهو اليوم سيعود إلى الاكتفاء بالغارات الجوية، من دون عمليات برية.

الكيان يفشل في تصدير صورة إيجابية للانسحاب البري والاكتفاء بالغارات.. إعلان الهزيمة الإسرائيلية في غزة مسألة وقت

لكن الكيان الإسرائيلي يفشل في تصدير صورة جيدة لهذا الانتقال، فما لا تقوله حكومة نتنياهو يقوله جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يعلن يومياً عن خسائر في صفوفه تتراوح بين 5 إلى 8 جنود «لتصل الحصيلة إلى حوالى 500 جندي منذ بدء العملية البرية في 17 تشرين الثاني الماضي» وإذا ما استمر الأمر على هذا الحال فإن الكيان سيكون مجبراً على تجرع كأس الهزيمة بالكامل وإعلان خروج نهائي من غزة.
ويبدو أن هذا السيناريو هو ما تعمل عليه حكومة نتنياهو التي تحاول نسج رواية جيدة لإعلان إنهاء العدوان على غزة يساعدها في ذلك مسؤولون أميركيون وعلى رأسهم جو بايدن، وإعلاميون منهم أميركيون يزعمون أنهم يقدمون النصح لحكومة نتنياهو، وأن بإمكانها الخروج من الكارثة بالبناء على ملفات إنسانية، وفي مقدمتها ملف الرهائن.

انسحاب بري
على زعم أنه سيطر على معظم منطقة شمالي قطاع غزة، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه سينتقل إلى مرحلة جديدة من العدوان على غزة، هي المرحلة الثالثة، قوامها إنهاء العملية البرية وتخفيض عدد القوات وتسريح القوات الاحتياطية، والاكتفاء بالغارات، ولكنه في الوقت نفسه وجد نفسه مجبراً على الاعتراف بأنه يواجه صعوبات كبيرة في منطقة جنوبي القطاع، ولأن خسائره البشرية والعسكرية كانت الأكبر منذ أعلن عن بدء عملياته في هذه المنطقة بداية كانون الأول الجاري، ولأن حسابات الأيام المقبلة تبدو قاتمة جداً كان لا بد من الانتقال إلى مرحلة جديدة، وهي بالأحرى ليست انتقالاً كما يزعم جيش الاحتلال، بل هي تراجع وانسحاب إلى المرحلة الأولى، مرحلة الغارات، والتي لا يمكنها مهما طالت أن تحقق للكيان الإسرائيلي الأهداف الرئيسية الثلاثة التي أعلن عنها، وهي القضاء على المقاومة، والسيطرة على القطاع، واستعادة الرهائن، وقال إنه لن يوقف عدوانه على غزة دون تحقيقها.

لا يستطيع جيش الاحتلال بالمطلق تقديم إنجاز ميداني واحد على مستوى العمليات البرية، باستثناء استكمال التدمير والتخريب والإمعان في جريمة الإبادة الجماعية لأهل غزة

لكن انسحاب ما يطلق عليه قوات النخبة في جيش الاحتلال «لواء غولاني» الخميس الماضي من قطاع غزة، وصور احتفالها بالانسحاب، بعد 70 يوماً لها في غزة، وخسارة 44 جندياً منها، يؤكد أن جيش الاحتلال بصدد تنفيذ إنهاء متدرج لعدوانه على غزة.. أما مسألة زعمه إن جنود غولاني انسحبوا بضعة أيام للاستراحة فهو لا يكاد يتقاطع مع الوقائع الميدانية ومع خسائر هذا اللواء الذي توصف قواته بالنخبة، فإذا كان هذا حال النخبة فكيف ببقية جنود الاحتلال؟.. كما أنه لا يتقاطع مع إعلان جيش الاحتلال نفسه بإنهاء العمليات البرية والاكتفاء بالغارات الجوية. بالوقت نفسه لا يستطيع جيش الاحتلال بالمطلق تقديم إنجاز ميداني واحد على مستوى العمليات البرية، باستثناء استكمال التدمير والتخريب والإمعان في جريمة الإبادة الجماعية لأهل غزة التي بدأتها الغارات الجوية.

الهدنة المرتقبة والرهائن
حتى الآن لا يبدو أن تحقيق هدنة جديدة سيكون في متناول الأيام القليلة المقبلة، المفاوضات معلقة أو متوقفة، والكيان الإسرائيلي محشور في حالة إجبارية للموافقة على كافة شروط المقاومة، هذا ما توحي به وسائل الإعلام الإسرائيلية التي تنقل أجواء سلبية جداً للموقف الإسرائيلي وخصوصاً أن المقاومة ليست في وارد التنازل وهي التي تنظر إلى نفسها في موقع الأقوى، ومن يفرض الشروط.
وإن كان الكيان يُصرح بأنه لن يقدم تنازلات إلا أن أفعاله تناقض ذلك، وقد لا يطول به الأمر ليجد نفسه مجبراً أيضاً على تجرع كأسها. وحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» فإن المقاومة غير معنية بـ «صفقة» حالياً وأن نتنياهو أبلغ بايدن في اتصال هاتفي أمس السبت أنه يتوقع ضغوطاً أميركية على الوسطاء، «علماً أن بايدن نفى لاحقاً».
وتوضح “يديعوت أحرونوت” أنه في محاولة لخلق حافز لدى المقاومة، أرسلت «إسرائيل» عرضاً إلى الوسطاء تضمن تنازلات بما في ذلك الاستعداد لهدنة طويلة، أسبوع أو أسبوعين مقابل الرهائن من النساء والأطفال والشيوخ والمرضى، ولكن المقاومة تصر على تنفيذ كامل شروطها وفي مقدمتها وقف كامل الأعمال العدائية، وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع، وفتح المعابر وإدخال المساعدات إلى جميع مناطق القطاع، وإجراء مفاوضات غير مباشرة بشأن الأسرى على قاعدة «الكل مقابل الكل».. وإجراء محادثات فلسطينية داخلية برعاية عربية لتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية.
وغير خاف أن الكيان الإسرائيلي يلعب على الرواية الإنسانية عندما يتحدث عن نساء وشيوخ ومرضى وأطفال في سبيل الضغط على المقاومة وإحراجها، لكن هذه الرواية لا تمر ولا تنطلي على أحد.
وتنقل “يديعوت أحرونوت” عن مصادر مطلعة، أن الكيان الإسرائيلي سيجد نفسه قريباً أنه وصل إلى طريق مسدود وأنه عاجز عن الحصول على اتفاق، وترى هذه المصادر أن المقاومة ليست لديها مصلحة في اتفاق وأنها مرتاحة لوضعها ولازالت تملك كامل أوراق القوة، ميدانياً وسياسياً، دون الحاجة إلى تقديم تنازلات، وتضيف المصادر أنه من غير المستبعد أن يدخل الكيان في مفاوضات «الكل مقابل الكل» وقد نشهد ذلك في الأيام القليلة المقبلة.

نصائح أميركية
وفيما ينفي بايدن طلبه من حكومة نتنياهو إنهاء العدوان، أو وضع جدول زمني، فإنها إدارته لا تكف عن تمرير الرسائل لهذه الحكومة بأن عليها القيام بذلك، ولا بد أن يكون عاجلاً وليس آجلاً، أما قنوات التمرير فهي كثيرة تبدأ بالمسؤولين الأميركيين الذين يزورون الكيان وصولاً إلى وسائل الإعلام.
الصحفي الأميركي الشهير توماس فريدمان، واصل تقديم النصح للكيان، مؤكداً أنه لن يحققه أهدافه، وأن الوقت حان لنهاية الحرب في غزة، أما نصيحته لبايدن فهي بوجوب اتخاذ موقف صارم من دعم نتنياهو.
وفي مقال نشره في «نيويورك تايمز»، قال فريدمان: حان الوقت، بالنسبة للحكومة الأميركية، كي تخبر «إسرائيل» بحزم، أن حربها لن تحقق أهدافها، مشيراً إلى أنه يتوجب على بايدن أن يبلغها بضرورة إنهاء الحرب والعودة أدراجها.
وأضاف فريدمان: لقد حان الوقت للولايات المتحدة الأميركية لكي تطلب من «إسرائيل» أن تطرح العرض التالي على الطاولة، وهو انسحاب إسرائيلي كامل من غزة، مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن، ووقف دائم لإطلاق النار تحت إشراف دولي، بما في ذلك مراقبون من الولايات المتحدة الأميركية وحلف شمال الأطلسي ومراقبون عرب، ولا تبادل للفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
وأكد فريدمان أن «الإحساس السائد» في «إسرائيل» هذه الأيام، هو أن الغالبية العظمى منهم تريد عودة الرهائن وهو أولوية فوق أي أهداف حرب أخرى.
ونوه فريدمان إلى أن قضية الرهائن تفقد الإسرائيليين عقولهم، وتجعل من المستحيل اتخاذ قرار عسكري عقلاني هناك.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار