أنفاق الأرض الغاضبة
يقول الكاتب الفلسطيني عبد الباري عطوان في أحد مقالاته حول العدوان الإسرائيلي على غزة: لم أكن أتصوّر في حياتي أن أُشاهِد الإسرائيليين يشربون من الكأس نفسها، وعلى أيدي رجال المُقاومة البواسِل.
دولة الاحتِلال الإسرائيلي أرادت نكبةً ثانية للفِلسطينيين، واستخدم جيشها الطّائرات الأمريكيّة الحديثة، للتّمهيد لها بقصفٍ وحشيٍّ غير مسبوق، وارتِكاب مجازر أُخرى، وتطهير عِرقي وحرب إبادة على أن تتلوها عمليّة تهجير مِليونين من أبناء القِطاع إلى صحراء سيناء في مُدُن خِيام جديدة، وإعادة التاريخ 75 عاماً إلى الوراء.
ما يتحدث عنه الفلسطينيون اليوم هو ما يمر به الإسرائيليّون الذين يعيشون نكبتهم الخاصّة بهم، وينزحون من مستوطناتهم الباذخة إلى مخيّمات في صحراء النقب، مُشابهة لمُخيّمات ضحاياهم ومشروعهم العُنصري الصّهيوني في فِلسطين وخارجها.
وحسب إعلام العدو فإن الأرقام الرسميّة تقول إن نصف مليون نازح إسرائيلي من 28 مُستوطنة مُحاذية للحُدود اللبنانيّة في مَنطقة الجليل المُحتل، وأكثر من ضِعف هذا الرقم من مُستوطنات غِلاف قِطاع غزّة في الجنوب يُقيمون حالياً في غرفٍ فندقيّةٍ مؤقّتة، أو جرى توطينهم في مخيّمات في صحراء النقب قُرب إيلات على البحر الأحمر.
ان ما يثير الدهشة أن المشهد ينقلب رأساً على عقب، فأهالي غزّة تشبثوا بمدينتهم رغم القصف الدموي والدمار المتوحش، بينما هؤلاء هربوا من صواريخ المقاومة، اللبنانيّة من الشمال، والفِلسطينيّة في الجنوب، ويحسبون أن صواريخ أُخرى إضافيّة ستلاحقهم غير الصّواريخ الأصليّة. ويرى المحللون أن هؤلاء النازحين، سواء جاؤوا من الشمال أم الجنوب، لن يعودوا إلى مستوطناتهم خوفاً ورُعباً، لأنهم فقدوا الثقة بقدرة الجيش الإسرائيلي على حِمايتهم، ولعلّ الهجوم على مستوطنات وبلدات الجنوب وتحريرها في بداية حرب غزّة الحاليّة أحد أبرز الأدلّة الدّامغة في هذا الصدد.
ولمن يريد أن يُمعن النظر فثمة نزوح للإسرائيليين ولجوء إلى أوروبا وأمريكا وكندا باتجاهٍ مغاير لمخيّمات اللّجوء الإسرائيليّة الجديدة في النقب، فالأرقام تشير إلى رحيل ما يَقرُب من 250 ألف إسرائيلي من حملة الجنسيّات المزدوجة إلى هذه الوجهات.
ولعلّ القادم يُخفي المزيد من المفاجآت التي تثلج قلوب المقاومين.. فالكل يترقب معركة يوم القيامة، فحماس التي تترقب الغزو البري الإسرائيلي أكدت أكثر من مرة أنها بنت 500 كيلومتر من الأنفاق تحت غزة. كما تشير بعض التقديرات إلى أنّ شبكة أنفاق حماس هي الأكبر في العالم تحت الأرض، وتشير تقديرات أخرى إلى أنّ شبكة أنفاق غزة تضم ألفاً و300 نفق، ويبلغ طولها نحو 500 كيلومتر، وعمق بعضها يبلغ 90 متراً تحت سطح الأرض.
كما يقول خبراء إنّ الأنفاق ستزيد تعقيدات سيناريو الحرب إذا ما أقدمت إسرائيل على اجتياحٍ بريٍّ للقطاع، إذ يرى المختصون أنّها تسمح لمقاتلي الحركة بالتنقل بين مختلف مواقع القتال بأمان وحرية.
ويلفت مايك مارتين، وهو خبير في شؤون الحرب: «باختصار، هذه الأنفاق تحدث توازناً، لأنّها تحيّد مزايا إسرائيل التسليحية والتكتيكية والتكنولوجية والتنظيمية، كما أنّها تحيّد خطر انعدام القدرة على التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية التي تتطلب الفحص وفق القانون الدولي»، ويمكن وصفها بأنّها قتال «ثلاثي الأبعاد»، ولعلّ الأحداث المتتابعة ستأتينا بالخبر اليقين.