الأطفال في غزة لا يكبرون !
بعض الكلمات كالبصمة من الصعب أن تمحى من الذاكرة.. إنه مشهد لطفل جريج من غزة يحاول المراسل أن يخفف عنه ألمه يسأله ماذا تريد أن تفعل عندما تكبر فيجيب.. الأطفال في غزة لا يكبرون يموتون صغاراً .. لا تعليق ..العالم كله مسؤول عن صوت المجزرة التي تحدث في غزة..
المشهد الآخر للمتظاهرين في دول عربية وأوروبية وأمريكية ..لم يكن سهلاً التصديق أن شريحة كبيرة منهم من الجيل الجديد ..نعم
الجيل الجديد من الشباب، والذي كان صغيراً وشبه محايد سياسياً يقضي جل وقته على مواقع التواصل ..اليوم تراهم على القنوات وفي المظاهرات المناوئة للجرائم الإسرائيلية ..تحديهم الغالب على الحضور في المظاهرات، في مشهد يدل على إخفاق حكومات الدول المطبعة أو المؤيدة لإسرائيل في محاولة شيطنة ما يحدث في فلسطين ورمزها من مخيلة الجيل الجديد الذي عرف طريق المقاومة، والذي حسب التحليلات لن يرجع عن دعمها ، مهما كانت الأكاذيب والشائعات والروايات المغرضة لقد تخلى هؤلاء عن حاجز الخوف .
نرجع قليلاً بالذاكرة إلى الوراء إلى ذكرى الانتفاضة الثانية، التي اندلعت شرارتها 28 أيلول عام 2000، عندما اقتحم أرئيل شارون رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي السابق باحات المسجد الأقصى تحت حماية نحو ألفين من جنود الاحتلال، وأعلن أن الحرم القدسي سيظل منطقة إسرائيلية، وهو ما استفز الجماهير الفلسطينية بكل طوائفها وأدى إلى خروج احتجاجات كبيرة ومصادمات دامية مع قوات الاحتلال في مختلف مدن الضفة الغربية وغزة.
والأمر الذي زاد من غضب واشتعال الأجواء وانتقالها إلى باقي الدول العربية كان ذلك الفيديو المصور الذي أذاعته قناة تلفزيون فرنسية لحظة استشهاد الطفل محمد الدرة بجوار أبيه من قوات الاحتلال، وهو ما أصبح أيقونة للانتفاضة حينها.
وعلى أثر هذه الحادثة تجمع في يوم 1 /تشرين الأول آلاف المحتجين في وقفات تضامنية جلها من الشباب في الساحات احتجاجاً على ما يجري في الأراضي المحتلة.
وما بعد معركة (طوفان الأقصى) ليس كما قبلها.. حاولت معظم الدول الأوروبية منع المتظاهرين من تأييد المقومة في غزة ..وحتى شركات التوحش التكنولوجية ومواقع التواصل حظرت نشر محتوى داعم للمقاومة.
ولا يجب أن نستغرب ..فما هي الا دول استعمارية لها تاريخ أسود في المنطقة العربية وغيرها من دول العالم ولم تغير الديمقراطية التي أصبحت تفرز حكوماتهم شيئاً في حاضرهم، فهي ديمقراطية وظيفية بمعنى أنها تؤدي واجبات معينة في نطاق داخلي لا علاقة له بما تقوم به هذه الدول في دول العالم الأخرى، مثلاً فرنسا ما زالت تمارس احتلال معظم إفريقيا بطرق مباشرة وغير مباشرة وتنهب ثرواتها، وهي المسؤولة الأولى عن حالة التخلف والفقر التي تعيشها القارة السمراء، ورغم ذلك يتبجح الفرنسي بنظامه الديمقراطي ويعانق نتنياهو في مشهد جنائزي ويغمض عينيه ويصم أذنيه عن المذابح في غزة ..
في غزة .. تحديداً تمت تعرية وجه القارة القبيح في العديد من المواقف السابقة والحالية، ولم تنجح قيادات الدول الأوروبية في استغلال أي فرصة للعمل على تغيير صورتهم نحو الأفضل، ومنها فرصة دعم إنجاح قمة القاهرة للسلام والتي كانت تبحث في جوهرها عن مجرد إيقاف الإبادة المقززة التي تستمر في قطاع غزة يومياً من منطلق أن المقاومة هي من بدأت الحرب، متجاهلة حقيقة الوضع في المنطقة، حيث إن ما حصل في السابع من /تشرين الأول هو ردة فعل، والفعل الحقيقي هو الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ومقاومة الاحتلال هو حق تكفله الأنظمة والقوانين الدولية للأفراد والجماعات.