“أزمة” تعيشها الكثير من الأسر.. ما بين مشجع عليها ورافض لها الدروس الخصوصية أزمة أم حل؟
تشرين- وداد محفوض:
الدروس الخصوصية “أزمة” تعيشها الكثير من الأسر في طرطوس كل عام دراسي، من بدايته إلى نهايته، وتنشط وترتفع أسعار الساعة في الدرس الخصوصي مع اقتراب الامتحان، فهل استفحال ظاهرة الدروس الخصوصية طبيعية وما أسبابها، ولماذا لم يتم وضع حدّ لها؟
أسئلة كثيرة طرحتها “تشرين” على مختصين و ذوي الطلاب فماذا كان رأيهم؟
١١٢ معهداً لغوياً مرخصاً وعدد غير “معروف” لغير المرخصة في طرطوس
عبء ثقيل
ترى السيدة هبة أحمد، والدة طالب شهادة ثانوية أنّ الدروس الخصوصية عبء ثقيل على غالبية الأسر، وخاصة في ظل ارتفاع سعر الحصة الخاصة، وتضيف: كنت من الرافضين لأي درس خاص، ولكن عندما رأيت جميع زملاء ابني في الدورات، ورأيت التراجع الكبير لدور المدرسة ولأداء بعض المدرسين، الذين صار همهم الوحيد جمع المال، وحتى لا أظلمه سجّلته أسوة بزملائه بعد أن لجأت لبيع قطعة الأرض التي أعيش منها، فمستقبل ابني أهم.
لجميع المراحل
تؤكد المرشدة النفسية يارا العيسى لـ”تشرين” أنّ الدروس الخصوصية ظاهرة منتشرة في كثير من البلدان، وليست محلية ، ومعظم الأسر تلجأ إليها في مختلف المراحل الدراسية، وحتى طلاب الجامعة تجد منهم من يستعين بالمدرّس الخصوصي، وهذا يحدث لأنّ الطالب لا يشعر بأنه حصل في المدرسة على المعلومة بالشكل الكافي، فيلجأ للمدرس الخصوصي ليكمل له النواقص. مضيفة :إنّ هذه الظاهرة باتت موجودة من الصف الأول الابتدائي، وحتى نهاية الصفوف الجامعية، لأن جميع الأهالي يريدون لأبنائهم أن يدخلوا “الطّب”.
الدروس الخصوصية عبء ثقيل على الأهل لا مفرّ منه
ظاهرة جديدة
وأوضح أستاذ الرياضيات أحمد أحمد أنه يتم التحضير من نهاية العام الدراسي لـ”الموسم” القادم، بالنسبة للمرحلتين الإعدادية والثانوية، من خلال تكثيف الحصص الدرسية الصيفية للانتهاء من كامل المنهاج الذي وصفه بـ”الكثيف” ويحتاج إلى دقة وانتباه وإعادة لأكثر من مرة، ويحتاج الطلبة من يساعدهم في تحصيل المعلومات ومراجعة الدروس، لكنه نوّه بأنّه لا يحبّذ ذلك، ولم يكن معتاداً في الماضي أن يدخل المدرس إلى المنازل، لأن الفكر التعليمي في السابق كان مختلفاً عما هو عليه الآن بالنسبة للمعلم وعلاقته مع الطالب”.
و أشار إلى أنّ الكثير من المدارس العامة فتحت دورات مساعدة بكوادر متميزة، وخاصة في أوقات الأزمات التي مرت فيها بلدنا، بالفترة المسائية أو الصباحية لاستثمار وقت الفراغ بحصص تقوية في المواد، ما يساعد الطلاب على التحصيل بشكل أفضل، وفهم أي مادة يشعر الطالب بأنه ضعيف فيها، وهذا يساعد في التقليل من اللجوء للمدرس الخصوصي.
تضارب المصالح
وتشير مديرة مدرسة إلى أن وزارة التربية تحاول المحافظة على المصلحة التعليمية ما بين المعلم والطالب، والحفاظ على إعطاء كامل المعلومات من خلالها وضبط المدرس والطالب ليأخذ الجميع حقه من المدرسة، مضيفة أنه من الجانب المنطقي، لا يوجد أي مانع من أن يقدم المعلم درساً خصوصياً، سواء أكان في قاعة أم معهد أو أي مكان آخر.
تدنّي مستوى التعليم
السيدة منى محمد والدة طالب في الثانوية ترى أنه في ضوء الواقع، ورغم الأعباء المادية الكبيرة التي يتكبّدها الأهالي، لا مشكلة في الدروس الخصوصية، لأن المشكلة الحقيقية في تدنّي مستوى وخدمات التعليم في المدارس، و المشكلة في إدارة التعليم، منوهة بأن قلّة من المدرسين يعملون بتفانٍ، والباقون لا يبذلون أقل جهد لتوصيل المعلومة.
مساواة المدرّس بأصحاب المهن الأخرى
يشير المدرّس عبد الكريم أسعد إلى أننا نجد الطبيب في المستشفى الحكومي لديه عيادته الخاصة، والمهندس كذلك، والإعلامي والموظف في أي قطاع له عمله الخاص، فلماذا يحظر على المدرّس تحديداً العمل بالدروس الخصوصية؟ واضعاً علامة استفهام كبيرة حول هذا الموضوع، لأنه غير منطقي برأيه.
مبررات
ويضيف أسعد: توجيه أصابع الاتهام إلى المعلم، الذي يعمل في الدروس الخصوصية، على أنه مقصِّر في المدرسة ليس صحيحاً، وإن وُجد فبنسبة قليلة، وما هو الإثبات على مثل هذا الادعاء؟ والسؤال الأهم: لماذا يعطي المدرس دروساً خصوصيةً؟ الإجابة بأنّ المعلمين الذين يعملون في المدارس الحكومية مثلهم مثل كل موظفي المؤسسات الحكومية لا يكفيهم راتبهم ليعيشوا عيشاً كريماً، فيضطرون لإعطاء الدروس الخصوصية، فحين يتوافر لهم راتب يساعدهم على توفير احتياجات أسرهم لن تجدهم يقدمون على ذلك.
ونوّه بأن ولي الأمر مغلوب على أمره، فهو يود أن يحصل ابنه أو ابنته على علامات مرتفعة، للالتحاق بجامعات وتخصصات جيدة، وهذا ما يقلقهم، الاختيارات الجامعية لأبنائهم وتعديل المستوى المجتمعي لعائلاتهم والتباهي بها، أما القضايا التي تخصّ جودة وكفاءة التعليم فلا تلقى اهتماماً من المجتمع.
آفة أم تقصير!
تؤكد المدرّسة رنا عبد الله، بعد الخبرة الطويلة لها، كموجهة تربوية، أن الدروس الخصوصية تُعد آفة، والسبب أن طريقة تقييم الطالب تعتمد على الاختبار فقط، فيلجأ إلى المدرس الخصوصي ليعلمه شكل قالب الاختبارات، ويحفظه الإجابات، وبهذا ينجح الطالب، وللتخلص من هذه الآفة نحتاج إلى تدخل وزارة التربية ومؤسسات المجتمع المدني، وإلى مراكز للتقوية في المواد، ويجب أن يتم تغيير نمط تقييم الطلاب، فبدلاً من الاختبارات الورقية، من الممكن أن نلجأ للتقييم من خلال المشاريع، سواء كان التعليم العام أو الجامعي.
وأضافت عبد الله: المدرس الخصوصي ليس شرطاً أن يكون ملتحقاً بوزارة التربية أو لديه شهادة تخصص، فيستطيع وضع إعلان بأنه مدرس في مادة ما، وحتى إن كان مدرساً في إحدى مدارس (التربية)، فهو على الأغلب يقصِّر في عمله وواجباته كمدرس داخل المدرسة، لأن ما يحصّله من مردود مادي من الدروس الخصوصية أفضل بكثير من الراتب، وهو ما حوَّل التعليم إلى فكرة “أدفع لأنجح”.
أعباء مرهقة لجيوب أولياء الطلاب
لعلاج الدروس الخصوصية تربوياً، ترى عبد الله أنه لابد من إعادة النظر في التحصيل الدراسي الذي تلقّاه الطالب، ومدى استفادته، ومراعاة الحالات النفسية والاجتماعية المختلفة بين الطلبة، ويمكن تخصيص قاعات في عدد من مدارس المحافظة بالتعاون مع وزارة التربية، لتخدم الطلبة، والاستعانة بمعلمين متطوعين في مختلف المواد، ما يضمن لولي الأمر والطالب النجاح والتفوق، لأن الطلاب، ومنذ انتشار الدروس الخصوصية، فقدوا الثقة في المدرسة والمعلم، وأصبح حضورهم للمدرسة لتجنب الغيابات فقط”.
مناهج كثيفة ورواتب ضئيلة
الدروس الخصوصية أحد أسباب جعل الطلاب اتكاليين، حسب رأي المدرّسة حنان خليل، وبعض المعلمين لا يقدمون كامل طاقتهم داخل الحصة الدراسية، لاعتمادهم على الخاص، والسبب في ذلك ضعف رواتبهم واحتياجاتهم المادية والحياتية، كما أن هذه الدروس عبء على أولياء الأمور لا يُستهان به، فتكلفة الساعة الواحدة في الدرس الخصوصي تتراوح بين ٢٥ إلى ١٠٠ ألف ليرة لبعض المواد، كالرياضيات والعلوم.
مبيّنة أن الحل في تطوير المناهج، فهي تعتمد على الحفظ وتلقين معلومات، و يجب أيضاً إعادة تأهيل المعلم بدورات مستمرة، وهذا سيساهم بالتأكيد في تطوير التعليم، إضافة إلى توعية المجتمع ضد هذه الظاهرة، التي أصبحت اعتيادية، ولا يتم استنكارها أو رفضها من أغلبية الأسر التي أصبحت مصدراً للتباهي، فكلما زاد سعر الدرس زادت قيمة الأسرة اجتماعياً في نظرهم .
112 مخبراً لغوياً
من جانبه أكد علي شحود مدير تربية طرطوس لـ(تشرين) وجود ١١٢ معهداً لغوياً مرخصاً أصولاً، أما المخابر غير المرخصة فلا إحصائية لها، و تتم مخالفتها في حال ضبطها.
كما بلغ عدد المدارس الخاصة المرخصة في المحافظة ١٨ مدرسة، وتتراوح أقساطها السنوية بين 1.850 مليون ليرة و9 ملايين، و تشمل (قسطاً تعليمياً – أجور النقل – الخدمات والميزات الإضافية)، وتختلف من مدرسة لأخرى حسب الخدمات والميزات التي يتم تقديمها.
وعن مستوى التعليم والرقابة لهذه المدارس، أشار شحود إلى أن “التربية” تقوم بجولات دائمة للاطلاع على سير العملية التربوية والتعليمية.
الطريق الوحيد للحدّ من استفحال هذه الظاهرة إعادة النظر في طريقة الامتحانات السائدة
وأقساط المدارس الخاصة التي تتراوح ما بين 1.850 مليون ليرة و9 ملايين سنوياً
وفيما يتعلق بالإجراءات المتخذة للحدّ من المعاهد غير المرخصة، أشار إلى أن متابعتها تتم عن طريق لجنة الضابطة العدلية بدائرة التعليم الخاص، حيث يتم ضبط أصحابها وتغريمهم مادياً وتشميع العقار المستخدم لأغراض تعليمية لمدة ثلاثة أشهر.
وأضاف: يحق للمدرس تدريس ٦ ساعات أسبوعياً في المدارس الخاصة بعد الحصول على الموافقة أصولاً، وبما لا يتعارض مع عمله في مدارس التعليم العام، أي خارج أوقات الدوام الرسمي.
ضابطة عدلية
ونوه شحود بأن هناك إجراءات للتخفيف من ظاهرة الدروس الخصوصية، من خلال توعية الأهل بمدى انتشار هذه الظاهرة، والقيام بجولات دائمة للضابطة العدلية لضبط المؤسسات أو المكاتب غير المرخصة، و مراقبة إعطاء الدروس وسير العملية التعليمية والتربوية يومياً .
مؤكداً على التشديد على المدارس لتفعيل دفتر (التقيد) بشكل دائم وترقين قيود الطلاب الذين يتجاوزون العدد المسموح لهم من أيام الغياب غير المبرر.
وخلص القول بوجود متابعة مستمرة، كما كل عام دراسي، لعمل المؤسسات التعليمية الخاصة المرخصة وجولات دائمة لضبط المؤسسات غير المرخصة والسعي لنجاح العملية التربوية بشكل عام.