«طوفان الأقصى» في يومها الرابع: فتحنا جبهة ونحن فقط مَنْ يُغلقها ولن نغلقها إلا على انتصار.. كيف ستحتوي رسائل التهديد الأميركية للمنطقة نقطة اللاعودة بمصير «إسرائيل»؟
تشرين – مها سلطان:
حتى الآن، وحسب المُعلن أميركياً، فإن الدعم الذي ستقدمه الولايات المتحدة للكيان الإسرائيلي لاستعادة هيبته المسفوحة على أيدي المقاومة الفلسطينية.. لن يشمل إرسال قوات أميركية، وهذا أمر متوقع في ظل أن الكيان حشد مبدئياً كما يقول 300 ألف عسكري إسرائيلي استعداداً لعملية برية مقبلة بعد القصف الوحشي الذي ينفذه على القطاع منذ يوم الأحد الماضي.
الرقم بحد ذاته، أي 300 ألف، هو رقم مُذل ومهين (وسيتضاعف) إذا ما تحدثنا مقارنة بمساحة غزة التي لا تتعدى الـ150 كم، وإذا ما تحدثنا عن أن القصف الإسرائيلي الوحشي عليها يفترض أنه أنهكها ومهّد الميدان بصورة كاملة لعملية برية إسرائيلية بصورة سهلة وسريعة، فلماذا الحاجة إلى قوات أميركية؟
لكن لا نعتقد أن هذا هو واقع الحال، ففي ظل ما شاهده كل العالم يوم السبت الماضي في «طوفان الأقصى»، فإن جيش الاحتلال هو في أضعف حالاته، متخبط ومرتبك وعاجز، هذا عدا حالة الجُبن التي بدا غارقاً فيها، تُضاف إليها مئات التقارير التي صدرت مؤخراً داخل الكيان وتتحدث عن اتساع حالة رفض التجنيد والخدمة بصورة كارثية، والتي تحولت إلى كابوس يؤرق جيش الاحتلال.
الإعلان الأميركي عن عدم إرسال قوات، يأتي غداة الإعلان عن إرسال حاملة الطائرات «جيرالد فورد» إلى شرق المتوسط «لتعزيز جهود الردع الإقليمية الأميركية»، حسب وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، وبما معناه دعم الكيان الإسرائيلي لاستعادة حالة الردع، ليس ضد المقاومة الفلسطينية فقط، بل ضد المنطقة، في ظل المخاوف الأميركية- الإسرائيلية المتصاعدة لناحية اتساع عملية «طوفان الأقصى» لتشمل دولاً في المنطقة، وبما لا يمكن احتواؤه، حيث لن يتوقف إلا بجرف إسرائيل إلى نقطة النهاية.. ومعها الوجود الأميركي.
في كل الأحوال، لم يكن مقنعاً أن الولايات المتحدة أرسلت «جيرالد فورد» فقط لدعم الكيان الإسرائيلي بمواجهة المقاومة الفلسطينية لولا أن هناك خشية حقيقية من اتساع رقعة الطوفان، ولولا أن واشنطن وصلتها الكثير من الرسائل والتقارير (بعضها مُعلن) بأن تاريخ 7 تشرين الأول 2023 ليس تاريخاً مصيرياً لـ«إسرائيل» فقط، بل لها أيضاً، وتالياً لكل المنطقة، وأن خريطة الشرق الأوسط الجديد سيرسمها أطراف محور المقاومة، وأن اليد على الزناد تأهباً واستعداداً لساعة الصفر.
صحيح أن التركيز عسكرياً هو على جبهة غزة إلا أن التركيز الأكبر والأهم هو على جبهة الشمال بداية، وعلى سورية وإيران والعراق وصولاً إلى اليمن، حتى مسألة التحشيد الإسرائيلي لجنود الاحتياط تركز على هذه المسألة، والمعضلة الإسرائيلية ليست في رفض التجنيد والخدمة فقط، بل بأنها لا تستطيع تركيز كامل التحشيد على جبهة غزة وترك جبهة الشمال وهي الأهم والأخطر بالنسبة لها. وكانت «إسرائيل» نفسها قد أعلنت في أول أيام «طوفان الأقصى» أنها تخشى من «خديعة» التصعيد جنوباً كتغطية على فتح جبهة الشمال.
في التقارير المتداولة، إعلامياً بصورة أساسية، أن الولايات المتحدة تواصل إرسال الرسائل إلى دول المنطقة من مغبة دعم المقاومة الفلسطينية، في حين أن لسورية وإيران النصيب الأكبر، حيث كانت هذه الرسائل بمنزلة تهديد صريح بأن التدخل من جانبهما ستكون نتيجته أن أميركا ستكون شريكة في القتال.
شبكة «إن بي سي نيوز» الأميركية نقلت عن مسؤولين أميركيين وصفتهم بالبارزين، أن الأمر كله يتعلق بـ«ردع إيران» وأن قرار إرسال حاملة الطائرات هو رسالة واضحة لها بأن عليها «عدم إعطاء الضوء الأخضر لحزب الله».. هل هذا يعني أن أميركا تخشى من اتساع الجبهة.. والأهم هل تخشى من الهزيمة؟
أولاً، تدرك الولايات المتحدة أن المنطقة لم تعد «منطقتها» وأن محور المقاومة بات من القوة والنفوذ لدرجة أنها هي من باتت في مرماه المباشر بجميع مصالحها، ومراكز وجودها.. وعندما تقول المقاومة الفلسطينية، على سبيل المثال، إن المفاجآت لم تنتهِ بعد، وأنها بانتظار العملية البرية الإسرائيلية ليرى العالم كله هذه المفاجآت، فهذه رسالة مباشرة لأميركا وليس للكيان الإسرائيلي فقط مفادها أننا فتحنا جبهة، ونحن فقط مَنْ يُغلقها، ولن نغلقها إلا على انتصار.
ثانياً، تمارس أميركا جهوداً عالمية، وإن كان التركيز على المنطقة بصورة أساسية، في سبيل إدانة المقاومة الفلسطينية ومنع التأييد أو إبداء التأييد لها من أي نوع، ولو بالتصريحات، على مستوى الدول والمنظمات وحتى الأفراد. ومع ذلك هي تدرك أن هذا الأمر أيضاً ليس في متناولها، لسببين: الأول انحسار سطوتها العالمية وتالياً ضعف قدرتها على ممارسة الضغوط والابتزاز وبما حجّم تأثيرها في الدول وداخل الأمم المتحدة. والثاني هو أن موجة عالمية تتسع باضطراد وتدعم حقوق الشعب الفلسطيني، وتطالب بدولة مستقلة له، وإلا فإن إسرائيل ومعها أميركا «على نفسها جنت….».
ثالثاً، قد تستطيع أميركا مرحلياً احتواء «الطوفان» فلا تتعدى جبهاته، لكنها تدرك يقيناً أن «الحرب التحريرية الكبرى» قادمة لا محالة، وما جرى ما هو إلا مقدمة.
رابعاً، عندما يقول رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو «إنها ستكون حرباً طويلة وصعبة» فهذا يؤكد ما سبق. لقد وصلت التطورات في الساحة الفلسطينية (والمنطقة عموماً) إلى «نقطة الغليان» ومن غير المتوقع أن يستطيع الكيان تبريدها بعملية عسكرية برية. الكيان مجبر على هذه العملية في سبيل ما قاله نتنياهو إنه «استعادة الردع» وأن «الانتصار» خيار وحيد. وهي ستبداً عاجلاً، بين ساعة وأخرى بلا شك، لكن هل إن الكيان ضامن لنتائجه؟.. الجواب قطعاً: لا. فيما لا تزال مسألة التدخل العسكري الوازن قيد التكهنات (والتهديدات العلنية الأميركية).. لا بد لأميركا أن تحسبها جيداً، وألا تدفع المنطقة إلا ما يسمى قتال «يا قاتل.. يا مقتول» في ظل تصاعد احتمالات أن تكون هي المقتول.
خامساً، الجميع يلاحظ ويتابع ويراقب مسألة الحذر الذي تتعامل به الولايات المتحدة مع إيران تحديداً، منعاُ لاستفزازها.. لم يكن لأحد أن يتوقع أن تخرج أميركا لتبرئ إيران من مسؤولية «طوفان الأقصى»، وأنه ليس لديها دليل على دور إيراني. لكن هذا لا يمنع توجيه الرسائل التي تحذرها من التدخل، وحتى هذه الرسائل تتسم بأكبر قدر من الدبلوماسية.
عطفاً على ما سبق، ومع رابع يوم من «طوفان الأقصى» وثالث أيام القصف الوحشي الإسرائيلي على غزة، ومع انتظار شكل وحجم العملية الإسرائيلية البرية، فإن هناك حقيقة ثابتة لم تتغير، وهي أن الأوضاع وصلت إلى نقطة اللاعودة، وأن المنطقة مقبلة على نهاية عام حافلة بالتطورات المفصلية والمفاجآت.